Main Menu

العلامة نواب صديق حسن خان القنوجي ومساهمته في الدراسات العربية

صائمة رشيد

الباحثة في قسم اللغة العربية وآدابها

جامعة عليكره الإسلامية، علي كره

لقد نبغ في شبه القارة الهندية كثير من الشعراء البارعين، والأدباء المبرزين وقادة الفكر، وهو من الرجال العظام الذين أدوا أدوارا رائعة في النهضة الإسلامية، وتركوا آثارا خالدة في مجال التصنيف والتأليف، وظهروا على ساحة العلم كشمس مشرقة ونيرة. فكان العلامة نواب صديق حسن خان شخصية نادرة، جمع بين الإمامة في الدين والعلم، وبين الرئاسة في الأدب والإنشاء، وبين الريادة في الحديث والفقه، وكان له دور أساسي وفعال في إيقاظ المسلمين من سباتهم، وفي إثراء المجالات العلمية والأدبية والإسلامية والثقافية.

نبذة عن حياته ونشأته العلمية:

كانت شخصيته شخصية فذة عصابة، مترامية الأطراف، متعددة الجوانب، متسعة المدارك، مختلفة الجهات، نال علما وافرا وثقافة واسعة بذكائه الوقاد والنادر وعبقريته العجيبة، فإنتشر صيته في العالم. كان أديبا رائعا وشاعرا قديرا ومؤلفا مرموقا وخطيبا مصقعا ومحققا كبيرا ومحدثا جليلا واشتهر لعلو كعبه وطول باعه في شتّى الميادين العلمية والأدبية وخلف وراءه إرثا أدبيا متنوعا ما بين الشعر والمقالة والفقه والحديث والمباحث التاريخية وما إلى ذلك، إنه قام مجاهدا بقلمه ولسانه وأنجز لوحده مالم تنجزه الأكاديمات، وفي الحقيقة إنه كان قافلة في رجل وترك وراءه غبارة من النجوم.

هو الإمام، خاتم المحدثين ابو الطيب صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني القنوجي، البخاري المخاطب بالنواب عالي الجاه أمير الملك خان، ويرجع نسبه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي الطالب كرم الله وجهه.[1] ولد “النواب” في بلدة “بانس بريلي” بولاية أترابرديش في موطن جده من جهة الأم عام (1248ه) ونشأ في بلدة “قنوج” موطن آبائه بالهند في حجر أمه يتيما على العفاف والطهارة، وترعرع بين أحضان أبوين كريمين كان لدينهما وتقواهما وثقافتهما وتربيتهما أثر كبير في حياة الأمير، وكان ذلك اللبنة الأولى لإعداد هذه الشخصية العظيمة الذي كان أمة وحدة بالخدمات الجليلة، والأعمال الضخمة[2] التي ستتحدث هذه الورقة في الصفحات الآتية.

لما بلغ الأمير خمسة أعوام من عمره فقد الأب الشفوق الذي كان يسهر على تربيته، وتثقيفه، ولم يكن في الأسرة من الكبار من يكفله ويعينه على التعليم والتربية، ولا يقوم له في النوائب والنوازل، وترك والده من إرثه قطعة أرض فقط، ومكتبة قيمة، وتلقي الدروس في علوم شتى على نخبة من علماء قنوج وضواحيها وغيرهم، أخذ العلم على شيوخ كثيرين من مشايخ الهند واليمن واستفاد منهم في علوم القرآن والحديث والتاريخ وغيرهم[3].

طاف الشيخ القنوجي إلى ولاية “بهوفال” التي تقع في وسط الهند، وكانت معروفة بالعلم والعلماء، وأسواق وجوامع، وحدائق وغيرهم، والتي هي الآن عاصمة الولاية الوسطى “مدهيا برديش”، وكان هذا السفر في عام1471ه لتحسين الظروف المعيشة، واستغرق خمسة وعشرين يوما، وقدم طلبا لمدير شئون الدولة الشيخ جمال الدين بن وحيد الدين للحصول على وظيفة مناسبة، فقبل طلبه وعينه على وظيفة تدوين تاريخ مملكة بهوفال بمرتب شهري قدّره ثلاثون روبية، ولكن الشيخ جمال الدين لما وجده فطنا، ذكيا وأمينا نشيطا، أكرم عليه بتربيته في وظيفته. وكان الشيخ القنّوجي لم يغفل عن واجبه الديني حيث كان يؤم الناس في المسجد ويلقي الخطب طواعيه، ابتغاء مرضاة الله تعالى. وقد جرى بينه وبين عالم في الحكومة نقاش في بعض المسائل الفقهية أدى إلى فصل الشيخ القنّوجي وعزله من وظيفته ومنصبه، علما بأن العمل الوظيفي الأول له هذا كان في عهد مملكة الملكة سكندرة جهان بيغم[4].

زواجه الأول:

ارتبط الشيخ القنّوجي رحمه الله، بالحياة الزوجية حين رأى الشيخ جمال الدين “مدير شئون المملكة” فيه مكانة عالية من العلم والمعرفة والفضل والصدق والأمانة والإخلاص والتقوى. فزوجه ابنته الأرملة “ذكية بيغم” التي كانت معروفة بالصالح والعلم والتقوى. وذلك بتاريخ  1277/8/25ه. وكان هذا الزواج مباركا حيث استطاع الشيخ القنّوجي أن يستقدم والدته وشقيقاته إلى مملكة بهوبال ورزقه الله تعالى من هذه الزوجة بالإبنين وهما السيد نور الحسن والسيد علي حسن[5].

زواجه الثاني:

لما انتقلت ملكة بهوبال “سكندرة بيغم” إلى جوار ربها بتاريخ 13/8/1285ه وتولت عرش المملكة ابنتها “شاه جهان بيغم” بتاريخ 1/8/1275ه، شعرت الملكة الجديدة بتزايد المسئوليات يوما فيوما، وبالتالى لمست بالإحتياج إلى مستشار خاص، له خبرة في تدبير شئون الدولة ويتمتع بالصدق والأمانة والذكاء الخارق، بالإضافة إلى غزارة العلم والمعرفة، فوجدت منذ عهد أمها- المغفور لها بإذن الله-في الشيخ صديق حسن خان تلك المؤهلات والفعّاليات. فبعد توليها العرش بثلاث سنوات، أعربت عنه رغبتها في الزواج منه لتجده شريكا لحياته، يساعدها في إدارة شئون دولتها، فتم الزواج الذي غير مجرى حياة الشيخ القنّوجي، فكان بداية عهد جديد بالنسبة له[6].

مساهمته في الدراسة الإسلامية والعربية:

من الحقيقة الثابتة أن الشيخ القنّوجي كان شغوفا منذ نعومة أظفاره بطلب العلم والمطالعة ومؤدبا على البحث والتحقيق وبذل جهودا ضخمة في هذا السبيل إن العلامة صديق حسن خان كان يحتل مكانة عالية شهيرة في أوساط علماء زمانه وتفوق بها على أقرانه، وذلك أنه كان يلم إلماما بالغا بالعلوم والمعارف في شتّى الموضوعات من التفسير والحديث والفقه والبلاغة وغيرهم، فظهرت شخصيته وبرزت على المستوى المحلي والإقليمي والدولي فأصبحت شخصية عالمية، وكانت فكرته أيضا واشتهر بين الأنام لعلو كعبة في الآداب العربية ورسوخ قدمه في اللغات الثلاث: العربية والفارسية والأردية وآدابها وطول باعه في علوم الحديث والثقافة الإسلامية واطلاعه المباشر على جل مصادر الإسلام، وتدل مولفاته على جهوده ومساعيه الطيبة وسبر غور الموضوع والبحث فيه والتحقيق ودقة النظر ونفاذ البصيرة من ناحية، ويتجلى من ناحية أخرى علو الفكر وجمال الأسلوب وقوة الملاحظة.

نالت جميع مؤلفاته وحسن القبول في الأوساط العلمية والأدبية والفنية والدينية ومما لا شك فيه أن العلامة كان قد عمر مكتبة الهند الإسلامية وملأها بذخائر من الفكر الإسلامي بمؤلفاته التي تربو عن مأتين وخمسين كتابا، فيها ستة وخمسون كتابا في اللغة العربية حول: التفسير والحديث والفقه واللغة والأدب، وأخرى في الفارسية والأردية. فإذا ضمت إلى الكتب ألفها العلامة القنوجي رسائله الصغيرة فعدد مؤلفاته يبلغ إلى ثلاث مائة. ومؤلفاته تتعلق بمختلف العلوم والفنون من التفسير والحديث والفقه والعقائد والتصوف والتاريخ والمنطق والشعر والطبقات ومقارنة الأديان والسيرة النبوية، وأسماء الرجال واللغة والأدب وما إلى ذلك[7]. ولذا نراه ما أن ذكر موضوعا من المواضيع حتى تتفتق قريحته، وتتفجر ينابيع علمه، إذ كان شخصا ماهرا متبحرا متضلعا، يتكلم بطلاقة وبلاغة، ومجبولا على العلم والفكر، ومطبوعا بالدراسة فأتى بأشياء نادرة حيرت العقول.

وبما أن العلامة كان شاعرا موهوبا، أثرى الأدب العربي بشعره في مختلف الأغراض، ولكونه أدبيا بارعا أو ماهرا كتب ما كتب في أسلوبه سلس وفي ألفاظ عذبة قوية، ولكونه خطيبا مصقاعا أسر القلوب بسحر كلامه، وصحافيا بارعا أشعل نار الثورة بقوة قلمه وتأثير بيانه، ومفكرا عظيما عرف أسرار زمانه، ومجاهدا كبيرا جاهد بقلمه ولسانه ضد الخرافات والعادات السيئة التي نالت رواجا في المجتمع الإسلامي، ومحدثا جليلا برز على أفق الحديث كشمس نيرة، ونستعرض فيما يلى مساهمته على حدة في كل مجال من مجال العلوم.

إن العلامة نواب صديق حسن خان القنّوجي كان مواظبا على التمسك بكتاب الله وسنة رسولهﷺ  ومعتصما بهما في كل الأحوال عاملا بالدليل، تاركا التقليد الجامد، متجنبا من المتفقهين وأصحاب العقليات الظاهرة، ومتبعا طريقة السلف الصالحين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم. وكان تقيا، ورعا ملتزما بالسنة ورافضا البدع والخرافات. وبناء على جهوده وزهده وورعه وتقواه قد أسلم على يديه أكثر من عشرة آلاف إنسان، علما بأنه قد ألف عديدا من الكتب القيمة في الحث على التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والرد على البدع والخرافات.

مؤلفاته العربية:

 فتح البيان في مقاصد القرآن، نيل المرام من تفسير آيات ألحكام في التفسير، تقوية الإيمان، السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج، الإذاعة لما كان وما يكون بين يدى الساعة، أربعون حديثا في فضائل الحج والعمرة، عون الباري لحل أدلة البخاري في الحديث وغيرهم، وكتبه في العقيدة “الإنتقاد الرجيح بشرح الإعتقاد الصحيح”، الجوائز والصلات، الدين الخالص، حضرات التجلي من نفحات التحلي والتجلي، وغيرهم. كتبه في الللغة والأدب: الإنشاء العربي، البلغة في أصول اللغة، ربيع الأدب، العلم الخفاق من علم الإشتقاق، الكلمة العنبرية في مدح خير البرية. وأبجد العلوم في الموسوعات.

 

 

مؤلغاته الفارسية:

“مسك الختام شرح بلوغ المرام” في مجلدين، “اتحاف النبلاء باحياء مآثر المحدثين الفقهاء”، “شمع أنجمن في ذكر شعراء الفرس وأشعارهم باللغة الفارسية وغيرهم.

وفاة الشيخ القنّوجي رحمهالله:

لقد أصيب الشيخ العلامة صديق حسن خان في آخر عمره بمرض الاستسقاء الذى بدأ يزداد يوما فيوما، حتّى مات بمدينة لكهنؤ لثمان خلون من محرم سنة ست وثلاثين وثالث مئة وألف.[8]

 

 الهوامش

[1] محمد صديق حسن خان القنوجي، السراج الوهاج في كشف مطالب مسلم بن الحجاج، ص 3.

[2] د.محمد اجتباء الندوي، الأمير صديق حسن خان حياته وآثاره، 60

[3] محمد صديق بن حسن خان، يقطة أولي الاعتبار ممّا ورد في ذكر النار وأصحاب النار، ص 3.

[4] أبو نصر، سيد محمد علي حسن، مآثر صديقي، ص17.

[5]نواب صديق حسن خان، إبقاء المنن بإلقاء الحمن، ص 48.

[6] المرجع السابق، ص51.

[7] مجلة صوت الأمة، ص54.

[8] العلامة عبد الحي الحسني، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، ص1396.

المراجع والمصادر:

  • محمد نواب صديق حسن خان القنّوجي، أبجد العلوم، المجلد الثالث، دار الكتب العلمية، بيروت،1998.
  • أبي الطيّب محمد صديق خان بن حسن بن علي القنّوجي البخاري، السراج الوهّاج في كشف مطالب مسلم بن الحجاج، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون التاريخ.
  • الدكتور محمد اجتباء الندوي، الأمير سيّد صديق حسن خان، حياته وآثاره، دار ابن كثير، بيروت، 1994م.
  • صديق حسن خان القنّوجي، إبقاء المنن بإلقاء المحن، مطابع الشاه جهاني، بهوبال، 1305ه.
  • سيّد محمد علي حسن خان، مآثر صديقي، المجلد الثاني، نول كشول، لكناؤ، 1343ه.
  • مجلة المجمع العلمي الهندي، المجلد السادس، يونيو، 1981م.
  • صديق حسن خان القنّوجي، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، المطبعة العربية الهندية، الطبعة الثانية، 1390ه.
  • العلامة عبد الحي الحسني، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، الجزء الثاني، 1999م.
  • http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t-216386
  • نواب صديق حسن خان، شمع أنجمن في ذكر شعراء الفرس وأشعارهم باللغة الفارسية،
  • محمد صديق بن حسن خان القنّوجي، يقظة أولي الاعتبار ممّا ورد في ذكر النار وأصحاب النار، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان، بدون التاريخ.