Main Menu Top Menu

الشيخ عبدالله العمادي: قراءة في سيرته ومآثره العلمية

د. عادل ضياء الأعظمي

      محاضر ضيف بقسم اللغة العربية وآدابها

جامعة مومباي 

الملخص

يُعد الشيخ عبد الله العمادي من أبرز أعلام النهضة الفكرية والأدبية واللغوية في شبه القارة الهندية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد اجتمع في شخصه العالم، والمفكر، والمترجم، والأديب، والصحفي، حيث مثّل همزة وصل بين الثقافة العربية والهندية، وأسهم إسهامًا كبيرًا في نشر اللغة العربية وتعميق جذورها بين مسلمي الهند. تتناول هذه الدراسة سيرة الشيخ عبد الله العمادي ومآثره العلمية والأدبية، وتسعى إلى استعراض نشاطه الفكري والصحفي وتراثه المكتوب وتحقيقاته العلمية، كما تحاول إبراز أثره في النهضة الثقافية في الهند.

 

تمهيد

ديار الشرق في الهندالتي تقع في الجانب الشرقي من دهلي وكانتتشتمل على ولايات الله آباد، وأودهـ، وعظيم آباد([1])، هي من أخصب المناطق الهندية في مجال الإنتاج العلمي والثقافي في مختلف أدوار التاريخ، وفاقت الأقطار الهندية في العلم والتعليم، وفي هذه المنطقة تقع مدينة جونفور التي كانت عاصمة سياسية وعلمية وحضارية لقرون طويلة في العهد الإسلامي، وكانت تتجلى بالنور الإيماني والروحي، فكانت قوافل أهل العلم إليها غادية ورائحة للارتواء من مناهل العلم والعرفان من شتى أنحاء العالم، ومن هذه القوافل، كانت عائلة القاضي طيب البكري اليماني من آل أبي بكر الصديق، والتي هاجرت من اليمن إلى الهند سنة 972هـ/1594م في عهد الإمبراطور الهندي جلال الدين محمد أكبر واستقرت في قرية من محافظة جونفور([2])، وإلى هذه العائلة ينتمي الشيخ عبد الله العمادي([3]).

 

اسمه ونسبه

هو عبد الله بن محمد أفضل بن الحسين بن الحسين بن الحيدر بن محمد وارث بن خيرالدين بن معين بن طيب بن داود بن قطب بن عماد العمادي البكري التيمي اليماني ثم الهنديالأَمرِتْوَائي، ولد في شهر جمادى الأولى سنة 1295هـ/1878م  في أسرة عريقة في العلم والأدب، معروفة بالفضل والصلاح، في قرية أمرتوا بمحافظة جونفور، يقول العلامة العمادي عن أصله وأسرته: «أشرقت الهند وابيضت وجهها بكثير من العائلات العربية الشريفة في الحسب والمجد، أَجْلاهن الزمان عن مواطنهم ومساكنهم إلى الأقطار النائية، ومن أضوَءِها بزوغاً، وأضفاها سبوغا، وأصفاها ينبوعا، وأسناها منقوعا، عائلة الطيبية الطيبة الطائرة الصيت، المأثور عنها الكرم والسماحة والشرف والسؤدد وعلو الهمة والبراعة، ومن مزايا هذه الشجرة المتزايدة في النماء التي أصلها ثابت وفرعها في السماء أنها كانت ولا تزال شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، فلا تجد غصنا من أغصانها وفرعا من أفنانها إلا واستظل بشرائف العلوم، ولطائف المنطوق والمفهوم»([4]).

 

نشأته وتعليمه

نشأ الشيخ العمادي في ظل أسرة صالحة مثقفة، وفي بيئة علمية يسودها جو من الصلاح والتقوى، ورضع بلبان العلم والأدب واللغة العربية إذ كانت هي لغة التكلم في أسرتها،فدرس على والدته أياماً،وأخذ عن والده الفقهوالأصول والكلام، وقرأ النحو والصرف على جدته، ودرس الحديث والتفسير والأدبعلى جده، فلم يسلك في دراسته طريقة النظام المدرسي السائد في الهند ولم يتخرج في أي مدرسة، بل نهج منهجا خاصا وهو قراءة أمهات الكتب في سن صغير، وكان مطبوعاً على الذكاء النادر، والنبوغ والفضل، فتوافر الذوق الأدبي والانفتاح الفكري فيه منذ صغره،ثم لازم العلامة هداية الله بنرفيع الله الرامبوري لاكتمال دراسته، وأخذ عنه المنطق والحكمة، ثم درس كتاب «القانون في الطب» على يد الحكيم عبدالمجيد خان بدلهي، ودرس الأدب العربي من الأستاذ محمد طيب وكان أديبا عربيا أصيلا نزيل الهند، يحفظ الآلاف من الشعر العربي، كما استفاض من العلامة محمد فاروق الجريا الكوتي والعلامة شبلي النعماني حينما كانا في ندوة العلماء بلكهنؤ.

وكان هذا التحصيل الأدبي الجاد، الرفيع المستوى، الأصيل البيان، الغني الثقافة، حريا بنهوض شاب مرهف الحس والذوق، شديد الرغبة في تحصيل المعرفة، فلم يلبث في الهند، بل سافر إلى اليمن وأقام في صنعاء وزبيد منتهلاً من مناهل العلم والأدب العربي الخالص، مغترفا من حياض معارف الأفاضل، متأنقا في رياض آدابهم، ثم سافر إلى مصر واتصل بالأستاذ محمد عبده الذي كان إمام عصره في العلم والأدب فلزم حلقته في جامع الأزهر واستفاد من علومه وأفكاره، ما أكسبته أفقًا فكريًا متجددًا ورؤيةً متوازنةتجمع بين الثقافتين القديمة والحديثة، وتقرب بين مدرستي المحافظين والمتجددين المتخاصمتين في الهند.

حياته الصحفية

مجلة الرياض

بعد اكتمال دراسته، قصد مدينة لكهنؤوالتحق بمطبعة «أصح المطابع»مدققا لغويا ومصححا للكتب وكانت هذه المطبعة بإدارة الأستاذ عبدالعلي آسي المدراسي تعنى بنشر الكتب العربية بعد مراجعة أصولها، ومقابلة نسخها، وتصحيحها وتهذيبها، فسنحت له فرصة الاطلاع على خزائن الكتب، فدرسها دراسة المحقق البصير والباحث المدقق.وكان إذا فرغ من عمله، أخذ يكتب مقالات عربية يرسلها إلى المجلات العربية الصادرة  في بلاد العرب للنشر، وبذلك أصبح أول عالم هندي تُنشر مقالاته بالمجلات العربية في العالم العربي([5]).

ثم إن الأستاذ عبدالعلي آسي أنشأَ مجلة عربية شهرية باسم «الرياض»وأسند رئاسة تحريرهاإلى الشيخ عبد الله العمادي كي يتسنى لأهل الهند الاستفادة من كتاباته، غير أن المجلة لم ترزق حياة طويلة فتوقفت بعد حين.

 

مجلة البيان

أنشأها الشيخ العمادي من مدينة لكهنؤ في شهر ذي الحجة 1319هـ/1902م كمجلة «شهرية علمية سياسية أخبارية تاريخية أدبية([6])»، وحدد أهداف المجلة بأن:« الخطة التي تسلكها البيان هي خدمة اللغة العربية وتوطيد دعائمها بالديار الهندية وتحصيل الاتفاق بها بين الهند والعرب، وقد صبغناها بصبغة علمية كما وشيناها بطراز من اللطائف العمومية، فهذا يشحذ الذهن عن الكلال، وذلك يرضح الخاطر عن الملال، يذكر أنواع المكارم والنهى، ويأمر بالإحسان والبر والتقى، وينهى عن الطغيان والشر والأذى([7])».

 وكانت المقالات العربية تحتوي على ترجمتها بالأردية في العمود المقابل في نفس الصفحة، وكانت المجلة تنشر المقالات الفكرية والبحوث العلمية والأدبية التي تتعلق بالعقيدة والفلسفة الإسلامية والتاريخ والسياسة والاجتماعية والعلوم الدينية وأخبار الهند والعالم الإسلامي، خاصة مصر وتركيا، ومقتطفات الجرائد والمجلات العربية، والتقريظ والانتقاد على الكتب، وترجمة أعلام الهند وغيرها، وكان يمدُّ هذه المجلة أعلام المفكرين ونخبة العلماء بكتاباتهم من أمثال السيد جمال الدين الأفغاني والأستاذ محمد عبده، والعلامة شبلي النعماني ومحمد كامل أفندي والسيد سليمان الندوي والسيد علي الزينبي وغيرهم، فكان لهذه المجلة دور واسع النطاق في تربية الذوق العربي لدى مسلمي الهند وتزويدهم بالبحوث العلمية والدينية والسياسية والفكر الإسلامي، وتخطت هذه المجلة حدود الهند ونالت قبولا واسعا في مصر والشام وبيروت وتونس والجزائر والمغرب ولبنان وغيرها، فنالت الإشادة والتقدير من كبرى المجلات والجرائد العربية، منها جريدة «طرابلس» اللبنانية، وجريدة «اللواء» المصرية، و«مجلة المجلات» المصرية، وجريدة «الحاضرة الزاهرة» التونسية، وجريدة «مرآة الغرب» الأمريكية وغيرها([8]).

 يقول الدكتور أيوب تاج الدين الندوي:«نالت مجلة البيان الإعجاب الكثير في الأوساط العلمية بالهند، كما أشاد بها العرب الذين اطلعوا عليها في البلاد العربية وكانت مجلة البيان بمثابة مدرسة تعلم فيها جيل كامل الأسلوب العربي الحديث، وتكمن أهميتها في أنها كانت وسيلة الاتصال الوحيد بين مسلمي الهند والبلاد العربية آنذاك. كما لعبت دوراً ذا أثر كبير في تمرين مسلمي الهند العارفين باللغة العربية على الجديد من الألفاظ والمصطلحات، وحفزتهم على تعليم اللغة العربية وآدابها والدليل على ذلك أننا نجد صدور العديد من المجلات والجرائد العربية في الهند بعدها»([9]).

والجدير بالذكر أن هذه المجلة كانت تهتم بشؤون حركة ندوة العلماء ومدرسة دارالعلوم التابعة لها اهتمامابالغا ، فكانت تنشر أهداف هذه الحركة وإنجازاتها ومستجداتها على صفحاتها.

توقفت المجلة عن الصدور بعد ما أدت دوراً محوريا في النهضة العربية في الهند لأكثر من عشرين عاما.

الجرائد والمجلات الأردية

شقت مجلة «البيان» طريقها سريعا إلى الأوساط العلمية واسترعت كتابات مُنشِئِها الشابِّ انتباهَ العلامة شبلي النعماني، ذاك العلامة المربي وصانع الكُتَّاب والمؤلِّفين الذي كان يُصدر مجلة «الندوة»من ندوة العلماء، فكان إذا توسم في الكتاب الناشئين سمات النبوغ ومخايل العطاء، أفسح له صدر مجلته لكتابة المقالات، ويوليهنيابة تحريرها أحيانا، وكان ممن تداولوا نيابة تحرير المجلة: الشيخ العمادي والسيد سليمان الندوي وأبوالكلام آزاد، وكلهم تألقوا في سماء العلم والأدب والصحافة، يقول العلامة النعماني: «قررنا نقل مكتب المجلة إلى لكهنؤ واعتضدنا في سبيل ذلك بالفاضل عبدالله العمادي الذي يرأس تحرير مجلة البيان العربية الشهيرة، وتَنشُر جرائد مصر والشام مقالاته، تعهَّد أن يمد هذه المجلة بمقالاته، وأرسل مقالا رائعا لهذا العدد([10])»، فكان قلمه لهذه المجلة زينة، والناظر في الأعداد الأولى من المجلة يجد صفحاتها مزدانة ببحوثه النفيسةومقالاته الرائعة، منها: «أبو موسى جابر بن حيان الطوسي» و«كتب القرن الأول الهجري» و«إعجاز القرآن»و «ذوالنون المصري»و«تاريخ الجبر والمقابلة»و«أدب الهند في الثقافة الإسلامية»و«دولة إسلامية في روسيا»و«الشيخ محمد عبده» وغيرها مما يدل على غزارة علمه ونبوغ فكره.

ثم توجه إلى مدينةأمرتسر في بنجابحيث آلت إليهرئاسة تحرير جريدة «وكيل»الغراءالصادرة باللغة الأردية من تلك المدينة، وذلك بعد أن غادرها المفكر والسياسي البارز أبو الكلام آزاد، ثم انخرط في سلك تحرير جريدة «الهلال»الذائعة الصيت التي كان يصدرها أبوالكلام آزاد من كولكاتا مؤازراً بقلم العلامة السيد سليمان الندوي، فلما فارقها بعد برهة من الزمن شق على الندوي فراقه، فكتب إليه أبياتا يقول فيها:

             لو أني علمت ما تجشمت بعده             منعت القطار أن تميد بركبه([11])

ثم انضم إلى جريدة «زميندار»نائبا لرئيس التحرير ظفر علي خان، وقد كانت هذه الجرائد الثلاث الأخيرة يومئذٍفي طليعة الصحافة الأردية ومن أرفع منابر الكلمة المكتوبة بالهند، ثم تولى إدارة تحرير مجلة «ستاره صبح»، وجريدة «العصر» اليومية الصادرة من لاهور بالأردية، كما كان يساهم بمقالات فكرية وعلمية في مجلات أخرى، من أهمها مجلة «ترجمان القرآن» للأستاذ أبي الأعلى المودودي، وساهم في تأسيس «دارالمصنفين» بأعظم جراه وصياغة منهجها.

          ومن مآثره العظيمة، كان إحياء مجلة «تهذيب الأخلاق» في عام 1911م بعد ما احتجبت عدة مرات، وكانت المجلة قد أنشأها السير سيد أحمد خان وأدت دورا تاريخيا في إصلاح مسلمي الهند وتثقيف عقولهم، وتنوير أذهانهم، وتهذيب نفوسهم، ورفع شأنهم في العلم والثقافة والبحث والتحقيق.

في حيدرآباد

فلما اشتهر أمره وعلا ذكره، استدعاه نظام الملك آصف جاه السابع مير عثمان علي خان، والي حيدرآباد الدكن إلى داره بغاية من التكريم ليوظفه بدار الترجمة في حيدرآباد قائلاً: «قد يكون لدار الترجمة شرف كبير بوجود هذا العالم الفذ الذي قلَّ ما يوجد له نظير في أيامنا»، فأسند إليه مسؤولية الترجمة ووضع المصطلحات الأردية ونظارة الشؤون الدينية، فمكث هناك لمدة تزيد عن عشرين سنةينقل الكتب العربية المهمة إلى اللغة الأردية، ويشرف على شؤون تحقيق كتب التاريخ والفلسفة والهيئة والهندسة لدائرة المعارف العثمانية، فطُبعت رسائل ابن الهيثم كـ «رسالة الضوء» و«رسالة ضوء القمر» و«رسالة المساحة» و«رسالة المكان» و«رسالة المرايا المحرقة بالقطوع» و«رسالة المرايا المحرقة بالدائرة» و«كتاب المنتظم في التاريخ» لابن الجزري وغيرها بعنايته وتحقيقه، وكان ركنا أصيلا في مجلس المخطوطات  بالمكتبة الآصفية يقدّر النوادر من المخطوطات ويعلق عليها، وقد فوضه نظام الملك تأليف«تاريخ الهند والدكن» من نوادر مخطوطات مكتبته الخاصة، فأدى هذه المهام أداء بارزاً حتى أطلق عليهلقبَي«القاموس» و«الجاحظ»([12])، ولم يبرح حيدرآباد حتى وافته المنية ليلة الخميس لتسع خلون من شوال سنة 1366هـفدفن في أرضها، وتُرك ذكره في صحف العلم باقيا ما بقيت الأيام والدهور.

مؤلفاته

قضى صاحبنا حياة حافلة بالجد والنشاط، وترك آثارا علمية تدل على طول باعه في اللغات العربية والفارسية والأردية، وسعة اطلاعه على الثقافة الإسلامية والغربية، وعظم اضطلاعه بالكتابة والترجمة، نذكر بعض مؤلفاته التي استطعنا إليها سبيلا:

1- – صناعة العرب(بالأردية):درس الشيخ العمادي تاريخ ابن خلدون دراسة عميقة، فكتب عنه عدة مقالات بالعربية والأردية فضلا عن ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية، ولكنه كان يختلف عن نظريتين لابن خلدون وهما نظرية بداوة العرب، ونظرية تخلف العرب في العلوم والآداب والحضارة، فيقول ابن خلدون: «العرب أبعد الناس عن الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها([13])»، وقوله: «العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، والسبب في ذلك أنهم أمة وحشيةباستحكام عوائد التّوحّش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلّة ([14])» وعطفا على ذلك يقول: «ليس عندهم في أخذ أموال النّاس حدّ ينتهون إليه بل كلّما امتدّت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه، فإذا تمّ اقتدارهم على ذلك بالتّغلب والملك بطلت السّياسة في حفظ أموال النّاس وخرب العمران وأيضا فلأنّهم يكلّفون على أهل الأعمال من الصّنائع والحرف أعمالهملا يرون لها قيمةولا قسطا من الأجر والثّمن([15])»ويقول عن نظرة العرب السياسية: «العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك والسبب في ذلك أنهم أكثر بداوة من سائر الأمم وأبعد مجالاً في القفر([16])».

    فكان يرى الشيخ العمادي أن هاتين النظريتين قد جعلتا المستشرقين والأوربيين يشيدون بابن خلدون، واستغلوا أقواله في وصف العرب كأمة غير متحضرة بعيدة عن الصناعة والعلوم والآداب، فقام بتأليف كتاب «صناعة العرب و«تاريخ العرب القديم» لدحض هاتين النظريتين، وأثبت بالأدلة والمصادر براعة العرب في مجال العلوم والآداب والميكانيكا وصناعة الآلات وتقدمهم في هذا المجال بين الأمم الأخرى.

2- تاريخ العرب القديم (بالأردية):هذا الكتاب هو من أهم كتبه في التاريخ ويدل على طول باعه في هذا المجال، وقد أثبت فيه أن العرب لم يكونوا أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري، بل أتى عليهم حين من الدهر قبل الإسلام ممتدا لمئات السنين أنهم أسسوا حكومات وبنوا حضارات في العراق وفي مصر وإيران والهند، ومنها حكومات العمالقة وعاد وثمود، وطسم وجديس، وأصحاب الرقيم، وتدمر والسبائيين والحمريين والظفاريين والحضرميين وقوم تبع، وشيدوا من الأبنية والحصون والقصور وهذبوا لغتهم وآدابهم.

3- المحكمات (بالأردية):يشمل هذا الكتاب على تفسير بعض الآيات القرآنية التي تراكمت عليها التفسيرات الباطلة من أثر الإسرائيليات أو الأحاديث الموضوعة، وغيرت مفاهيم الآيات مما أدت إلى نشر العقائد الباطلة والمفاهيم الخاطئة بين المسلمين، واستدل في تفسيرها أولا بآيات القرآن ثم الأحاديث وكلام العرب والمتقدمين من المفسرين.

4- فلسفة القرآن (بالأردية): هذا الكتاب عبارة عن رد بعض الشبهات الواردة في صحة القرآن، وأنه مقتبس من أساطير الكتب اليهودية والمسيحية وأنه يخالف العقل والعلم الجديد، فأثبت المؤلف من النص العبري للتوراة كثيرا من النبوءات عن الرسول ﷺ وعن مولده وقومه، ثم تناول موضوعات علمية تتعلق بالحقائق الكونية التي لم تكن مدركة للبشر في زمن نزول القرآن ولا توجد مسألة واحدة تناقض العلم الحديث بل يوافق القرآن معطيات الاكتشافات الحديثة تمام الموافقة.

5- علم الحديث (بالأردية): يعتبر هذاالكتاب بمثابة برهان على الهجمات التي يتعرض لها الحديث من بعض الناس لشبهات طارئة لم تجد في نفوسهم ما يدفعها فلجأوا إلى إنكاره وهدم بنيانه، فيبين الكتاب مكانة الحديث في المصارد الإسلامية بروح علمية حيث يستبين وجه الحق، وتتضح السنة المطهرة بيضاء مشرقة.

6- فلسفة ابن عربي(بالأردية): لقد أثرت فلسفة ابن عربي الصوفية وآراءه على أهل الهند بشكل كبير، فهذه الرسالة تقدم خلاصة فلسفة ابن عربي وآراءه عن الوجود والفناء، والأفلاك وبدء الخلق، والسحر، وعصمة الأنبياء وغيرها  منتقيا من كتبه، وتحليلها تحيلا نقديا.

7- بدعات المحرم (بالأردية): هذا الكتاب بيان تاريخي لكارثة تفرق المسلمين بين السنة والشيعة في القرن الرابع الهجري مع زوال الدولة العباسية، وكيف أحدثت بدع في شهر محرم الحرام من الحزن والنوح والصراخ والبكاء وإنشاء المراثي، والتي تشوه صورة الإسلام تشويها.

8- كتاب الزكاة (بالأردية):يبحث عن الأمور التي تتعلق بفريضة الزكاة.

9- صلاة الإخلاص (بالأردية):  يبحث عن حقيقة الصلاة وأهميته في الإسلام.

10- معاريف الهند (بالعربية): وهو عن ترجمة أعلام الهند.

11- الحريةوالاستبداد(بالعربية): يتحدث عن مساوئ الاستبداد وموقف المسلم منه.

12- قول فيصل (بالأردية): في الرد على الشيعة.

13- تاريخ الهند و الدكن (بالأردية).

ترجماته

          لما التحق صاحبنا بدار الترجمة، انقطع للترجمة ووضع المصطلحات للغة الأردية،وأخذ يترجم النصوص كأنما يُفرغ روحها في لغة أخرى، وكان ذا ملكة عجيبة في هذا الفن، فكان يأتي بقريض فارسي أوأردي مقابل القريض العربي دون أن يفقد نكهته ولا روعته، فقام بترجمة كتاب «تاريخ ابن خلدون» إلى الفارسية بأمر من أمير أفغانستان في ريعان شبابه، ثم نقل«شرح المفصل للزمخشري»إلى الفارسية، كما أتحف الأردية بترجمات نفيسة لكتب عربية من أمهات التراث، فترجم«الطبقات الكبرى» لابن سعد في ثلاثة عشر سفراً ضخماً، وكتاب «الملل والنحل» لابن حزم الأندلسي في ثلاث مجلدات، وكتاب «التنبيه والأشراف»، وكتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمؤرخ المسعودي، والمجلدين الأخيرين من «تاريخ الرسل والملوك» لابن جرير الطبري، والمجلد الثاني لـ«تاريخ اليعقوبي»، و«كتاب المعارف» لابن قتيبة، وكتاب «تاريخ جون بور» للشيخ عبدالقادر العمادي، فجاءت ترجماته آية في الدقة والإتقان، ومرآة تعكس عظمة النص العربي في ثوب أردي وفارسي.

 وبجانب ذلك كله، وضع آلاف المصطلحات الأردية للمقررات الدراسية بالجامعة العثمانية.

أخلاقه ومواهبه

كان رحمه الله عالما حليما سليما، لطيف الطبع، عزيز النفس، وقوراً صبوراً،دائم الاشتغال بالمطالعة والبحث، سائل القلم في التأليف، واسع الاطلاع، راسخا في علوم القرآن والحديث والتاريخ والكلام، غزير المادة في الأدب والعلوم الطبيعية والفلسفة والهندسة، كاتبا مترسلا وشاعرا قديراً، قوي الذاكرة، متصفا بالاعتدال والوسطية، وسعة النظر واتزان الفكر، جامعا بين الأصالة والمعاصرة، يقول صاحب نزهة الخواطر: «كان الشيخ عبد الله العمادي متفنناً في العلوم والآداب، له مشاركة جيدة في الحديث والتفسير، والفقهوالأصول، وعلم الكلام، منشئاً مترسلاً في العربية والفارسية والأردية، له طبع ريان في الشعر وقلمسيال في الكتابة والترجمة، قوي الذاكرة كثير المحفوظ، حسن المحاضرة، ناقداً للشعر والأدب، واسعالاطلاع على الكتب والمؤلفات([17])».

  ويقول السيد سليمان الندوي: «كان رحمه الله أديباً بارعا فيالأردية والعربية والفارسية ومؤرخاً موثوقا، لا يكاد يطرق بابَ علمٍ أو فنّ إلا وجد له فيه نصيباً وافراً، مولعا بالمطالعة، واسع النظر في الأدب العربي والأردي والفارسي شعراً ونثراً،فملك ناصية البيان فيهما، وهي مكسبةيندر نظيرها في ذلك الوقت،وكانت ذاكرته خزانةً عامرة بآلاف الأبيات من تلك اللغات، ثم زاد على ذلك أن أتقن معاجم العربية والفارسية. كان حسن الخلق، لطيف المعشر، يفيض على كل من يلقاه من التقدير والاحترام حتى ليخيَّل إلى بعضهم أنّه أعظم قدراً منه وأرفع مكانة([18])».

الخاتمة

يتبين من خلال هذه الدراسة أن الشيخ عبداللهالعمادي لم يكن مجرد أديب أو صحفي، بل كان شخصية موسوعية ذات اطلاع واسع وثقافة رصينة، وأثر في جيل كامل من الكتاب والباحثين في الهند، وقد ترك تراثًا علميًا وأدبيًا ثريًا يشهد بغزارة إنتاجه، وقوة تحليله، ودقته في الترجمة والتحقيق، وحماسه في الدفاع عن الإسلام في وجه الاستشراق والاستعمار، ويستحق أن يُعاد إحياؤه وتقديمه للأجيال المعاصرة كنموذج للنهضة المتكاملة.

الهوامش

([1])البلكرامي، غلام علي آزاد،  سبحة المرجان في آثار هندوستان، ، تحقيق محمد سعيد الطريحي، دار الرافدين، بيروت، ط1، 2015م،  ص117

([2])العمادي، عبد الله، تذكرة الشيخ عبد القادر بن خيرالدين الباسطي، مجلة البيان، لكهنؤ 1903م، ج1/ع11، ص17

([3])ذكرأبوالخير المودودي وهو صنو الأستاذ أبي الأعلى المودودي وزميل العلامة العمادي أن عائلته هاجرت إلى الهند في أواخر القرن الثامن الهجري، ومنح السلطان إبراهيم الشرقي (ت 840هـ) إقطاع اثنتي عشرة قرية لهذه الأسرة. (راجع: المودودي، أبوالخير، العلامة العمادي،  مجلة نقوش الأردية، العدد الثاني الخاص بالشخصيات، لاهور، ص812)  ولكن رجحنا قول الشيخ العمادي لأنه صاحب الدار وهو أدرى بها.

([4]) العمادي، عبد الله، تذكرة الشيخ عبد القادر بن خيرالدين الباسطي، مجلة البيان1903م، ج1/ع11، ص17

([5]) المودودي،أبوالخير، العلامة العمادي،  مجلة نقوش الأردية، العدد الثاني الخاص بالشخصيات ، لاهور، ص815

([6])مجلة البيان1906م، ج4/عدد11

([7]) نفس المصدر، أبريل1904م

([8]) راجع أعداد مجلة «البيان» من أكتوبر 1902م حتى مارس 1903م  لآراء هذه الجرائد والمجلات العربية عن مجلة «البيان».

([9])الندوي، أيوب تاج الدين، دليل الجرائد والمجلات العربية في الهند،مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، الرياض،  2019م، ص93

([10])النعماني، شبلي، طورجديد لمجلة الندوة، مجلة الندوة 1905م، لكهنؤ، ج2/ع1، ص2

([11])الندوي،السيد سليمان، ياد رفتگاں، مجلس نشريات إسلام، كراتشي، 2002م ، ص355

([12]) المصدر نفسه، ص815-817

([13]) ابن خلدون، عبد الرحمن، ديوان المبتدأ والخبر، دار الفكر، بيروت، ط1، 1981م، 1/506

([14]) المصدر نفسه،  1/187

([15]) المصدر نفسه،  1/187

([16]) المصدر نفسه،  1/189

([17]) الحسني، عبد الحي، نزهة الخواطر، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1999م، 8/1298

([18])الندوي،السيد سليمان، ياد رفتگاں، مجلس نشريات إسلام، كراتشي، 2002م ، ص350- 355