Main Menu

الدوطة

الدكتوره سميه رياض الفلاحى

آراضی باغ،  اعظم كره

سامحة دائمة التبسم لا تتغير ، صابحة الوجه لا تتبدل ، واثقة النفس لا تتوتر ، تمشى و تنطلق بدون اكتراث و مبالاة فى حصول العلم و تتميز بين معاصريها و تتفكر فى قوانين الزواج فى بلدها و تتذكر أيام طفولتها……

بدأت تشعر بالضغط … و تقشعر….

ماذا حدثت…. سألتها ايمان..

الدوطة …..

ما الدوطة؟ ماذا حدثت بك؟

لا،

لماذا الدوطة فى مجتمعنا؟ …. كانت تصرخ و تسأل ….

لكى تشرف المرأة بالعزة و المروءة فى المصاهرة.. أجابت أحد صديقاتها…

هل لا تؤمن ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا “

كانت تفور بالغيظ و تخطب كالصعق…..

و هن كن يتعلمن فى مدرسة شهيرة من إحدي القرية فى مديرية اعظم كره و يزين أنفسهن برداء التعليمات الإسلامية و يفكرن فى اصلاح المجتمع الاعظمى الذى كان يمتاز بالعلم و الثقافة الإسلامية من جانب و كان يغرق فى تفشية الثقافات الهندوسية من جانب آخر.

و الأعظميون كانوا يفتخرون بعضهم على بعضهم من ثروتهم و خاصة من عادات اسرافهم بمناسبة حفل الزواج….

كانت سامحة دائمة التفكير….

ذهبت إلى البعيدة فى فكرها ثم تنفست طويلة كأنها تصب الرياح…

و مضت الأيام….. و غابت عن المدرسة….

و صديقاتها يتفكرن و عثرن عليها فوجدن أنها أصيبت بمرض إلى مدة طويلة و أصبحت على الفراش حتى تبرئ…

ثم عادت إلى مدرسة و عادت كل شيئ من جديد..

و كانت تهتم بالدراسة بالجود و الإصالة و تفوق بينهن حتى جاء أيام الامتحانات السنوية لدراسة البكالوريوس و غرقت فى الدراسة حتى اجتازت هذه المراحل و نجحت بتفوق و امتياز.

ثم رجعت إلى بيتها و انضمت بأسرتها و شغلت نفسها فى اهتمام الأمور المنزلية مع أمها و مازالت ولا تزال ترعى كل شيئ باهتمام عالى حتى برعت فى تنظيم الأمور…

مارأيك فى الزواج يا سامحة؟ كانت تسأل أمها..

لماذا يا ماما؟

أنا أريد أن أعطى يدك بيد شخص . ..

لا، على الإطلاق، ،،

لماذا يا حبيبتى؟

لا أرغب فى الزواج قط….

ولكن هذه سنة من نبينا. ألم تسمعى :” فمن رغب عن سنتى فليس منى”

لما لا…. ولكن أنا أخاف ..

من أي شيى؟

أنا أخاف من دوطة…..

ألا تسمعين كل يوم خبر الاحراق والانتحار من أجل دوطة…؟

نعم ! أنت صحيحة ولكن هذه سنة الرسول فكيف يمكن المفر منها؟

أنا أريد الوقت للتفكر…..

هل أنت أصبت بالخبط أو الجنون؟ سألتها أمها….

لا، مطلقا…

لماذا تنكرين الزواج و كل صديقاتك قد زوجن قبل سنوات و أصبحن ذوات الأولاد حتى الآن و أنت وحيدة؟

أنا أريد أن أزوجك فى قريب عاجل و أنا مريضة….. أسمعتها أمها حكمها …..

و شغلت أمها فى سعى التزوج..

و ما مضت الأيام حتى جاء يوم خطبتها… .

ابنتى تخاف من رسوم الجاهلية و خاصة دوطة…. كانت توضح أمها أمام أهل الزوج.

لا تقلقي…. لا نريد منكم أي شيء دون بنت…. و كانوا يتسلون ….

و جاء يوم الزواج و تم عقد النكاح ثم سارت سامحة بأمنياتها الطيبة مع زوجها و دخلت بيتا أجنبيا مخافة من أن تطلب منها دوطة.

و كانت تنسج خيوط خيالها و تحلم لأيام سعيدة …. .

و فجأة يدخل شخص مرهب و يبدأ كلامها بكلمات خشنة فتخاف سامحة فى البداية و تقشعر ثم تقرأ ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” و تحصل على الطمأنينة.

و تمر الأيام فى المصاهرة و لم يكن لديها أى شيى من الدوطة و تواجه سامحة التحديات منذ أول يوم و لكن لا تبدئ شيئا من خواطرها و مشاعرها أمام والديها و تخفى كل شيئ ….

ألو….

نعم !

السلام علیکم و رحمة الله و بركاته

و علیکم السلام ورحمة الله وبركاته

كيف أنت يا ابنتى الحبيبة؟ سألتها أمها على الجوال….

بخير والحمد الله…. أجابت بصوت خفيف….

هل أنت أصبت بالحمى و الزكام؟ كانت تسأل بقلق و اضطراب….

لا، مطلقا…

فماذا حدث ؟ لماذا لا تجيبنى يا ابنتى ؟

لا شيئ…. أجابت و انقطعت اتصالها…..

و كانت أمها تبكى مخافة من دهشة …..

و أرسلتها أمها أباها لكى يعثر على حالتها الصحية…..

جاء أبوك يا سامحة…. أخبرها زوجها….

فأعدت الفطور لأبيها فلطمها زوجها و أمه ولكن سكتت سامحة و جاءت إلى أبيها بشيئ من فطور و رحبت أباها….

لما تغيرت لون وجهك يا ابنتى ؟ سألها أبوها بتوتر ….

لا أدري يا أبوي …. أجابته سامحة …..

هل أنت فى ورطة؟

لا، أنا بخير …. و كانت تنظر إلى جانب آخر …..

هل أنت أصبت بمرض؟

لا، الحمدلله بخير تمام…

أنا أريد أن أذهب بها لبعض أيام …. سأل أبوها زوجه…..

ولكن هنا مسؤوليات واجبية فى البيت … أجابه زوجها….

رجع أبوها بيأس و قنوط…..

و كانت أمها تضطرب لابنتها كل حين….

و مضت سنتين و كانت تعانى من الطعن و الضرب…

هل أتيت بشيىئ من دوطة ؟ أنت لعينة و فقيرة….. يخاصمها أهل زوجها….

و كانت تفيض من الدمع و بحاجة إلى أن يواسيها؟

ولكن من يواسيها و يسليها و كانت تخفى انفعالاتها فى قلبها….

و قضت الأيام…..

و كانوا يؤامرون بقتلها و كانت تخدم أهل بيتها طوال يوم دون غداء و عشاء…..

حتى أصيبت بمرض نزف الدم و لزمت الفراش  و كانت تستأذن أهلها لرجوعها إلى أبويها….. ولكن بدون جدوى….

و ذات يوم كانت تطبخ فرمى زوجها عليها بنزينات فهربت سامحة و خافت ……

أغلقت بابها ولم تفتح طوال النهار… …

و قضت أيام عديدة…..

هل أتيت بشيئ من دوطة؟

لا، ولكن كيف يمكن هذا و والدى أفقر المجتمع و أشد حاجة منكم….

ردت سامحة و قامت فى سبيلها دون ذعر و خوف.

فأعقلوها بحبال و كانت تصرخ كصوت الحمار…. ولكن لم يبالوا بها ثم اختنقوها و علقوها بمروحة فى غرفتها…. و أغلق زوجها الباب من داخلها ثم خرج من شباكها…..

و ذهبوا كلهم إلى السوق المركزى فى مديرية و تجولوا فيه ثم رجعوا إلى بيتهم بعد ثلاث ساعات و نادوا يا سامحة ، يا سامحة!

تعالى لنرى ماذا جئنا بها لك …. فلم ترد…

و قدم زوجها و نادى زوجتها أين أنت؟ لماذا لا تجيبى؟

و قدم شيئا فرأى الباب مغلقا….

ثم حاول أن يفتح الباب و يدفع ولكن بلا جدوى….

ثم أطل من شباك و أخذ يصرخ بين جيرانه…. قد انتحرت …. قد….

قد …. و هو يتلعثم……

ماذا حدث يا وليد؟ ماذا بك ؟ لماذا أنت تصرخ…. سأله أحد جيرانه…

قد ذهبت سامحة……

أين ذهبت؟ سأله كل من حوله…..

قد انتحرت و هى معلقة بالمروحة فى الغرفة…..

أخبر جيرانه مركز مخفر الشرطة بالانتحار…..

و جاءت مجموعة الشرطة فى حالة طوارئ و فتشت الأحوال و شاهدت فى جميع بيتهم ثم أرسلت بقسم النساء للشرطة فأتين و أنزلن الجثة….

ماذا حدث لإبنتى؟

إنهم اختنقوا عنقها،  إنهم قتلوا ابنتى …..

اتهما والداها بالاختناق….. فقبضت الشرطة على أيديهم و ذهبت بهم إلى السجن …..

و سجلت الحادثة فى المحكمة و عرضت الجثة للتفتيش الطبى و كانا والداها يصرخان و يبكيان و هما يقولان أن ابنتى واثقة النفس و كانت تلتزم بالشعائر الدينية فلا يمكن لها أن تنتحر….. إنهم يتهمون الكذب…..

و جاءت تقرير الطب و عرضا لإثبات ادعائها…. و ظهرت أنهم اختنقوها بالخمار ……

و رجعا والداها باكيان و هما يقولان أن ابنتى كانت دائمة التفكير فى الدوطة و كانت تخاف من رسم الدوطة و قد وصلت إلى نتيجتها بالدوطة…..

و أتت الشرطة بأهل مصاهرتها إلى السجن المركزى و قضى الأمر إلى السجن مدى الحياة…..

فهم يصيحون كالخبط المجنون …. الدوطة…..

ماذا دوطة…؟

أين الدوطة؟

ماذا حدث لدوطة؟……..

الدوطة….. و يتنفس زوجها تنفسا طويلا فى السجن…