Main Menu

الدكتورسيد محمد منور نينار وإسهاماته في إثراء اللغة العربية

د. محمد مدثر

الأستاذ المساعد (المؤقت)

بجامعة خواجة معين الدين الجشتي للغات، لكناؤ

مولده ونشأته:

ولد سيد محمد منور نينار في بلدة وتلاكندو بمديرية مدُراي في ولاية تامل نادو بجنوب الهند عام 1936م في بيت يعرف بالعلم والفضل كما أن أباه الدكتور سيد محمد حسين نينار (1899-1963) كان باحثا ومحققا معروفا في تاريخ الحكم الإسلامي في جنوب الهند وفي انطباعات الرحالين العرب الذين زاروا جنوب الهند.

 بدأ الدكتور منورمسيرته العلمية في مسقط رأسه باللغة التاميلية، ثم دخل في كلية الآداب بمدراس حيث أكمل فيها سنتين تمهيديتين والتحق بالسنة الأولى من بكالوريوس، ثم سافر إلى مصر والتحق بجامعة القاهرة للتخصص في اللغة العربية، فأقام هناك من 1955م إلى 1959 ليحصل على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب بتقدير (جيد)، ثم حصل على شهادة الماجستيرفي اللغة العربية وآدابها من جامعة دلهي عام 1965م بتقدير (ممتاز)، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1980م على رسالة معنونة ب (تأثير اللغة العربية في الهندية والأردية والتاميلية) من جامعة جواهرلال نهرو.

بطاقة هوية لأستاذ سيد محمد نينار عندما كان في مرحلة البكالوريوس في جامعةالأزهر

الأستاذ سيد محمد نينار عندما كان طالبا في جامعةالأزهر

حياته الوظيفية:

بدأ الدكتور منور مسيرته المهنية في إذاعة عموم الهند كمذيع أخبار ومراسل، ثم عمل محاضرا للغة العربية في جامعة عليكرة الإسلامية، وجامعة دهلي، وانتدب من جامعة دلهي للعمل كملحق إعلامي في السفارة الهندية بجدة من عام 1969 إلى عام 1972، وعاد إلى الهندعندما تم اختياره كأستاذ مشارك ورئيس قسم اللغة العربية في كلية اللغات في جامعة جواهرلال نهرو، علما بأن قسم اللغة العربية كان ضمن أقسام أخرى مثل الفارسية والصينية والإندونيسية وغيرها من اللغات الشرقية وسميت مركزا للغات الأسيوية الإفريقية.

نبذة عن جامعة نهرو

أنشئت جامعة جواهرلال نهرو بناء على مشروع قانون تقدم به حزب المؤتمر الحاكم إلى البرلمان الهندي المركزي عام 1969م، وكان من أهداف إنشائها تحقيق ما كان يردده الزعيم نهرو في خطبه حول التعليم عموما وعن الجامعات في الهند، فقال إن الجامعة يجب أن تكون رحابا واسعا لشتى العلوم والآداب وأن تكون نافذة لرؤى وتصورات مختلفة.

وحرص الخبراء الذين أعدوا مشروع القانون أن تكون هذه الجامعة متميزة وذات كيان منفرد تماما عن بقية جامعات الهند.

ود. منور من الرواد الذين بذلوا جهودهم لترويج اللغة العربية بعد أن تأسست جامعة جواهر لال نهرو. لقد قام مع زملائه بتخطيط المنهج الدراسي لمدة 5 سنوات للحصول على درجة الماجستير كما صمم دورات الشهادات والدبلومات لمدة عام لمن يرغب في تعلم مبادئ اللغة العربية.

الاستاذ سيد محمد منور نينار مع زملائه وطلاب اللغة العربية في جامعة جواهر لال نهرو عام 1980

خطة التدريس للمقررات بخط الاستاذ سيد محمد منور نينار

بصرف النظر عن العمل الأكاديمي، أتيحت له الفرصة للعمل كمترجم فوري لدى حكومة الهند، وكان من حسن المصادفة أن التقي مع د.عزالدين إبراهيم العالم الإسلامي الجليل والمستشار الثقافي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1976م عندما حضر إلى الهند في زيارة رسمية مع سموالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقدم إليه التماسا حول حاجة القسم العربي في جامعة نهرو إلى معمل لغة للمساعدة في التدريس الفعال للغة العربية فوافق في الحال وتم استيراد المعمل اللغوي بعد الإجراءت الرسمية التي استغرقت فترة من الزمن.

سافر د. منوربصفته مترجما فوريا مع رئيسة الوزراء أنديرا غاندي إلى العراق، والرئيس فخر الدين علي أحمد إلى مصر والسودان وإلى دول الخليج (مسقط ودولة  قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت) مع وزير الخارجية آنذاك ساردار سواران سينغ وإلى سوريا مع رئيس حزب الكونغرس ديف كانت بارواه والأمين العام للحزب عبد الرحمن أنتولاي.

سجل الدكتور عن انطباعاته عن الرئيس صدام حسين عندما زار العراق ولقيه فقال:

” هو رجل ذو وجه صارم وعزم لايتزعزع مهما بلغت حدة الأحداث وتقلبات الزمن، وهو في منتصف الأربعينيات من عمره، لا يمكن للمرء أن يشعر بالراحة في حضوره وكان حاضرا في مطار بغداد الدولي لاستقبال رئيسة وزراء الهند، عندما ركبت السيارة جلست خلف الزعيمين، فلما اقتربنا من مسجد أشار صدام حسين إلى السائق بأن لا يسرع عنده وقال لرئيسة الوزراء: هذا هو المسجد الذي توصل منه حزبه إلى السلطة، وكان في الواقع نفس المكان الذي تقاتل فيه أعضاء حزب البعث مع بعضهم البعض وأريق دماء الكثير منهم كما أوردته الصحافة

ولما وصلت السيدة إنديرا غاندي جامعة بغداد القت خطاباً في حشد كبير من الطلاب والطالبات بقاعة كبيرة لمدة 10 دقائق ساد صمت شديد وكان د.منور بجانبها يقوم بتدوين الملاحظات، ثم ترجم معظم ما قالته إلى اللغة العربية بأحسن صيغة ممكنة مما أدى إلى تصفيق حاد من جمهورالطلا ب استمر لعدة دقائق، فشعر الدكتور المترجم بالسعادة وأثنى عليه ثناء بالغا السيد سلمان حيدر السكرتير في وزارة الخارجية.

بعد انتهاء الحفل أخذ جمهور الطلبة يتدافعون نحو المنصة ليروا السيدة إنديرا غاندي عن  قرب ويتصاحفوا معها غيرأن رجال وقفوا حولها وأسرعوا بها نحو السيارة ولما أرادوا التحرك من المكان سألتهم عن المترجم، فجاء رجال الأمن وساعدوا د. منور في الخروج من زحمة الطلبة فلما وصل سألته في اللغة الهندية “لما تأخرت” ثم ركب وسافر معها في نفس سيارة الليموزين المرسيدس.

كمترجم رسمي أثناء الزيارة الرسمية التي قامت بها السيدة غاندي إلى العراق

مع الرئيس السابق فخر الدين علي أحمد والسيدة الأولى في قصر رئيس الجمهورية في السبعينات، وذلك بمناسبة عيد ملن (لقاءات مع ابناء الشعب بمناسبة العيد).

مصنفاته

ترجم الدكتور نينار كتاب “تعريف عام بدين الإسلام” إلى اللغة الإنجليزية وهو كتاب العالم الجليل الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، لقد نال هذا الكتاب انتشارًا واسعًا بين القراء، يتألف هذا الكتاب من اثني عشر فصلاً ومقدمة وخاتمة. فأما المقدمة -وهي بعنوان “بين يدي الكتاب”- ففيها تصوير جميل لمعاني الفطرة والتكليف وطريقَي الجنة والنار وحقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة. وأما الفصول الاثنا عشر فتعرض أبواب الإيمان جميعاً عرضاً واضحاً موجزاً يفهمه الكبير اوالصغير ويستمتع به العلماء والمثقفون وعامة الناس جميعاً، وحرص الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله على ذكر إجابات دقيقة وتوضيحات لتساؤلات وشبهات كثيرة.

نشرت وزارة الثقافة والفنون والتراث-الدوحة- كتابه باسم” تأثير اللغة العربية في لغات الهند ومنحت له جائزة خاصة من وزير الإعلام والثقافة في قطر وهذا الكتاب في الواقع أطروحة قدمها الدكتور تحت إشراف الدكتور سي، جي، داسونت، لنيل شهادة الدكتوراة وهو بحث قيم ينم عن اقتداره على اللغات الهندية إضافة إلى العربية والإنجليزية.

فهذا البحث يشتمل على مقدمة وستة فصول وخاتمة،

يلقي هذا البحث الضوء على تأثير اللغة العربية في ثلاث لغات رئيسية هي: الهندية والأردية والتاميلية علما أن معظم أفراد الشعب الهندي يتحدثون اللغة الهندية، بينما الأردية تكاد خاصة بالمسلمين ويقدر عدد الناطقين بهاتين اللغتين بحوالي مليار نسمة، وأما اللغة التاميلية فيقدر عدد الناطقين بها بحوالي 75 مليون نسمة”.

قام الدارس في الفصل الأول بتحليل التغيرات الصوتية التي طرأت على الكلمات العربية عند استخدامها في اللغات الثلاث كما شرح مساحة تأثر الأصوات العربية عند تحولها إلى الهندية، خلال التغيرات النحوية وذكر أن التغير الصوتي من العناصر الأساسية المساعدة على التلاحم والتناسق بين اللغات بغض النظر عن الأصل الذي تنحدر منه كل لغة.

بعد أن تحدث الباحث عن التغيرات الصوتية بشكل عام شرع في الحديث عنها بضوء ما هو حاصل في الكلمات العربية الداخلة في اللغات الثلاث: التاملية، الأردية، الهندية وذكر السبب الرئيسي لهذه التغيرات والتعديلات التي هي اختلاف الأصول التي تنحدر منها كل لغة… وقد صنف علماء اللغة هذه العوامل الداخلية في ثلاث فئات: ميكانية ونفسية وبنيوية فالعوامل الميكانية تتعلق بالجانب الفسيولوجي… بينما العوامل النفسية تتعلق بحاسة الإدراك وقدرة التعبير وبأمور رمزية وأما العوامل الخارجية فلا تؤثر في التغيرات الصوتية

أما الفصل الثاني التي يتعلق بالتغيرات النحوية والصرفية، فهو يتناول أساسيات وأنواع النحو والصرف العربي كذلك ناقش الباحث بشكل مفصل أهم أشكال التغير النحوي والصرفي وذكر عدة تقنيات مكملة للأسماء العربية والصفات والظرف والجمل المجرورة الواقعة في اللغات الهندية والأردية والتاميليةخلال التغيرات النحوية.

خلال التغيرات النحوية ولا شك أن التغير الصوتي يوجد عند الناطقين بلغة واحدة كما يوجد في الكلمات المنقولة من لغة إلى لغة أخرى حيث نرى تنوعا وتباينا بين إنسان وآخر فيما ينطق من الحروف وللسامع أيضا دور في هذا الصدد ثم يحدث التغير الصوتي بمقدار الرطوبة في حلق المتحدث وأنفه وبحالته النفسية وأسلوبه في إلقاء الكلام وبضجيج وضوضاء ومدى انتباه السامع للمتحدث.

وفي بداية الفصل سلط الباحث الضوء على اللغة العربية وأصلها وجملها الاسمية والفعلية وذكر أن اللغة التاميلية فانها لغة تصريفية كالعربية، حيث يتم تصريف الأسماء فيها مع معاني اللواحق والقابلة للفصل والحروف، وهناك ثمانية أشكال كذلك في اللغة التاميلية، المبتدأ، والمفعول به، المنصوب، الأسماء الآلية، مستأصلة، المضاف إليه، الظرفية والمنادى.

 والفصل الثالث يبحث عن التغيرات الحاصلة في ضوء قواعد النحو والصرف وهو فصل يستغرق أكثر من مأتى صفحة وفيه بين 250 لفظا واردا من العربية، فيبدأ من لفظ ” عادة” وينتهي “بقفل”

أما الفصل الرابع فيتحدث عن التغيرات الدلالية، ولا شك أن التغيرات الدلالية التي تحدث في معاني الكلمات ودلالاتها تعتبر من أبرز وأهم أنواع التغيرات في أي لغة وخاصة في سياق الكلمات المنقولة من لغة إلى لغة، كما وأنها تدفعنا إلى التفكير والتأمل حول آليات التفاعل بين لغتين بل بين عدة لغات، وتساعدنا كذلك في فهم عملية التكيف والاستيعاب للكلمات من لغة إلى لغة سواء بشكل جزئي أو كامل.

ولا ريب أن التغير الدلالي وسيلة من وسائل إثراء اللغة بإضافة معان ودلالات للكلمات المتداولة في لغة ما أو الكلمات المنقولة إليها من لغة أخرى، وهي عملية بطيئة، تتم عبر أجيال …. وقد ذكر العالم اللغوي بلومفيلد مثالا من اللغة الإنجليزية لتوضيح هذه الظاهرة فقال: إن كلمة FEE بمعنى الرسوم المالية، كانت تعني في الإنكليزية القديمة «المواشي» ثم مرت بعدة تحولات في المعنى مثل الأغنام والممتلكات» ، وما إلى ذلك حتى استقرت على معنى «المال»

قسم علماء اللغة التغير الدلالي إلى ثلاث فئات (1) تقييد المعنى أو تضيفه (2) توسيع المعنى أو تمديده (3) تعديل المعنى أو تحوله وذكر الباحث تحت الفئة الأولى ستة وثلاثين لفظا منها آفة، إحاطة، عمل، عورة وغيرها من الألفاظ التي قدم فيها تضييق المعنى مع الشرح والبسط. وفي الفئة الثانية نحو خمسين لفظا وفي الفئة الثالثة أربعة وعشرين لفظا سلط عليها الضوء كاملا.

المصادر والمراجع:

  1. The Hindu (Chennai) 8 Dec 2023 S.M. Munawwar Nainar

الرابط:https://www.pressreader.com/india/the-hindu-tiruchirapalli-9WWf/20231208/281663964784425

 2. https://smhnainar.com/sm-munawwar-nainar.php

3. دليل اتحادات اللغة العربية في البلاد العربية، مركز الملك عبد الله بن عبدالعزيزالدولي لخدمة اللغة العربية الطبعة الأولى،2017م

4. نينار، محمد منور، تأثير اللغة العربية في لغات الهند (ترجمة: الدكتور قاضي عبد الرشيد الندوي)، ط1، وزارة الثقافة والفنون والتراث، الدوحة-قطر،2011م.

5. حسب المعلومات التي شاركها الدكتور سيد محمد نينار عبر الإيميل.