Main Menu

الحكماء المشهورون في الجاهلية وخدماتهم في إصلاح المجتمع البشر 

حافظ كليم الله يس و د/ أنيس الرحمن

جامعة عالية كولكتا -الهند

  قال الله تعالى : ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب ﴾ (البقرة: 269)

 كما ثبت في هذا المعنى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال النبي (ﷺ) : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق . ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) [1]

 وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  (ﷺ) قَالَ فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ (ﷺ) فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ…. [2]

قال النووي : وَأَمَّا جَعْل الْإِيمَان وَالْحِكْمَة فِي إِنَاء وَإِفْرَاغهمَا مَعَ أَنَّهُمَا مَعْنَيَانِ وَهَذِهِ صِفَة الْأَجْسَام فَمَعْنَاهُ وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الطَّسْت كَانَ فِيهَا شَيْء يَحْصُل بِهِ كَمَال الْإِيمَان وَالْحِكْمَة وَزِيَادَتهمَا فَسُمِّيَ إِيمَانًا وَحِكْمَة لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهُمَا وَهَذَا مِنْ أَحْسَن الْمَجَاز . وَاَللَّه أَعْلَم .[3]

معنى الحديث الشريف الظاهر البين أن كل كلامه(ﷺ) ملئ حكمة و بيانا شافيا لجميع الأنام وكلماته الحكيمة هدى وبشرى وإرشاد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور و كل حكيم سواء كان في الجاهلية أو في عصر الإسلام لايقابل كلمات النبي (ﷺ) ذات الحكمة البليغة الرفيعة و أحاديثه النبوية خرجت من مشكاة النبوة و نور الإسلام .

و عن أبي هريرة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما : الكلمةُ الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ، فحَيْثُ وجدها فهو أَحَقُّ بها.[4]

 هذه الحكمة نعمةٌ من الله من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً،

      قال شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري -رحمه الله-في تفسير قوله تعالى﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ﴾ : يعني بذلك جل ثناؤه يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده ومن يؤت الإصابة في ذلك منهم فقد أوتي خيرا كثيرا[5]

تعريف الحكمة

و { الْحِكْمَةَ } مشتقة من حكم بمعنى منع ، لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الخطأ والضلال ومنه سميت الحديدة التي في اللجام وتجعل في فم الفرس وحكمة لأنها تمنعه من الجموح . أو هي في الأصل مصدر من الإِحكام وهو الإِتقان في علم أو عمل أو قول أو فيها كلها .

والحكمة بالنسبة للإِنسان صفة نفسية هي أساس المعرفة السليمة التي توافق الحق ، وتوجه الإِنسان نحو عمل الخير ، وتمنعه من عمل الشر ، فهي فيه مانعة ضابطة تسير به نحو الكمال والاستقامة .

وللعلماء في المراد بها في الآية الكريمة أقوال كثيرة أرجحها أن المراد بها إصابة الحق في القول والعمل ، أو هي العلم النافع الذي يكون معه العمل به .

والمعنى : أن الله – تعالى – الفاعل لكل شيء يؤت الحكمة لمن يشاء من عباده {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } لأن الإِنسان إذا أوتي الحكمة يكون قد اهتدى إلى العلم النافع ، وإلى العمل الصالح الموافق لما علمه ، وإلى الإِيمان بالحق وإلى الاستجابة لكل خير والابتعاد عن كل شر ، وبذل يكون سعيداً في دنياه وأخراه .

وروى جُوَيْبر، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا: الحكمة: القرآن [6] . يعني: تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر. رواه ابن مَرْدُويه.

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: يعني بالحكمة: الإصابة في القول.

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاء } ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن.

وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله، فإن خشية الله رأس كل حكمة.

وقد روى ابن مَرْدُويه، من طريق بقية، عن عثمان بن زُفَر الجُهَني، عن أبي عمار الأسدي، عن ابن مسعود مرفوعًا: “رأس الحكمة مخافة الله” [7] .

وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة: الكتاب والفهم.

 وقال أبو مالك: الحكمة: السنة.

وقال ابن وهب، عن مالك، قال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل.

 قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله، وأمْرٌ يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك، أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفًا في أمر دنياه، عالمًا بأمر دينه، بصيرًا به، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله.

  والصحيح أن الحكمة -كما قاله الجمهور -لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبَع، كما جاء في بعض الأحاديث: “من حفظ القرآن فقد أدْرِجَت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه” . [8]

أهمية الحكمة :

يعتبر العصر الجاهل أحد أكثر العصور بلاغة في استخدام اللغة العربية، فقد برع العرب في هذا العصر في نظم الشعر والنثر، وقول الحكم والامثال، وهو من العصور الخصبة أدبيا وثقافيا، ويذكر منه الكثير من أسماء الأبطال والمحاربين والشعراء، ويكفي أن نقول عندما يقارن الشعر القوي يقارن بالعصر الجاهلي كمثال، والعصر الجاهلي المقصود به هو العصر الذي عبدت فيه شبه الجزيرة العربية الاوثان والاصنام من دون الله، وبعد أن بعث النبي صلي الله عليه وسلم، قضي على عبادة الأوثان في المنطقة العربية وانتشرت الدولة في بلاد العرب وامتدت في عرف فيما بعد باسم الدولة الاسلامية.

برع العرب في استخدام اللغة العربية ونظم الشعر والنثر، وذلك برعوا في قول الحكم وضرب الأمثال في مختلف المواقف والمناسبات والتي لا يزال بعضها حي إلي يومنا هذا ومازال يستخدم، ونظرا لازدحام حياتهم البدوية بالمواقف والحروب والمعارك والخلافات فقد أثمرت المواقف والحروب حكم وأمثال اختزلت مواقف ومعاني كبيرة وعظيمة، ومن أبرز من قالوا الحكم والأمثال في العصر الجاهلي،: لبيد بن ربيعة، عامر بن الظرب العدواني[9] ، قس بن ساعدة، سهيل بن عمرو، أكثم بن صيفي التميمي ، امرؤ القيس [10]، هرم بن قطبة الفزاري[11] ، ربيعة بن حذار[12]، وغيرهم.

 يُعدّ العصر الجاهلي من العصورِ الخصبة ثقافيًا وأدبيًا، وهو من العصور الطويلة التي برز فيها الكثير من أسماء الشعراء والأدباء والخطباء والمحاربين، وهو ليس عصرًا جاهليًا بالمعنى الحرفي، وإنما سمي بالجاهلي لأن العرب في ذلك العصر كانوا يعبدون الأصنام ولم يكونوا من أتباع الديانات السماوية، ولهذا سمي بالعصر الجاهلي، وعند بزوغ نور الإسلام ومجيء رسالته الخالدة بنزولها على محمد -(ﷺ)-، انتهى العصر الجاهلي وبدا تسمية العصر الإسلامي بمراحله المختلفة، وفي هذا المقال سيتم ذكر أشهر الحكم والأمثال في العصر الجاهلي ..

 وقد اشتهر من حكماء العرب في العصر الجاهلي خمسة عشر حكيماً وهم من عدة قبائل ،و كانوا يفيدون بحكمهم القبائل و العشائر و كانوا يحكمونهم في كل ما حدث بينهم من الخصومات و التنازعات .

   فمنهم في قبيلة تميم: أكثم بن صيفي ، وحاجب بن زرارة، والأقرع بن جابس .‏

ومنهم في قبيلة قريش: عبد المطلب بن هاشم جدّ الرسول (ﷺ) وعمه أبو طالب بن عبد المطلب والعاصي بن وائل

وفي قبيلة قيس: عامر بن الظراب (بفتح الظاء وكسر الراء) وغيلان بن سلمة

وفي كنانة : صفوان بن أمية وسلمى بن نوفل .‏

ومن أبرز من قالوا الحكم والأمثال في العصر الجاهلي كما يلي ذكرهم :

1- قُسُّ بن ساعدة بن حُذَافة بن زُهَير ابن إياد بن نِزَار الإيادي وكان من حكماء العرب و من خطبائهم في الجاهلية و كان نصرانيا يعتقد التوحيد و يؤمن بالحساب ، وقال محمد عليه السلام عنه : أن رحم الله قسا ، إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام

2-لبيد بن ربيعة من بني عامر بن صعصعة، وهي قبيلة مضرية، وأمه من بني عبس. كان في الجاهلية شريفاً جواداً شجاعاً شاعراً وقد أدرك الإسلام وأسلم، وعمر طويلاً حتى مات في خلافة معاوية عام 41ه. وأكثر شعره قاله قبل الإسلام، فلما أسلم لم يقل إلا قليلا.وهو شاعر بدوي يصف في شعره حياة بدوية صحراوية ولاسيما في معلقته التي مطلعها:

عفت الديار محلها فمقامها … بمن تأبد غولها فرجامها

3- سهيل بن عمرو الاعلم احد بني حسل بن معيص وكان يكنى أبا يزيد وكان عظيم القدر شريف النفس صحيح الاسلام وكان عمر رضي الله تعالى عنه قال للنبي يا رسول الله انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيبا أبدا فقال رسول الله ( لا أمثل فيمثل الله بي وان كنت نبيا دعه ياعمر فعسى ان يقوم مقاما نحمده ) فلما هاج أهل مكة عند الذي بلغهم من وفاة رسول الله قام خطيبا فقال : أيها الناس ان يكن محمد قد مات فان الله حي لم يمت وقد علمتم أني اكثركم قتبا في بر وجارية في بحر فأقروا أميركم وأنا ضامن ان لم يتم الامر ان أردها عليكم فسكن الناس

4-عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني:  إن ذا الحلم هذا هو عامر بن الظَّرِبِ العَدْوَاني وكان من حكماء العرب لا تَعْدِل بفهمه فهماً ولا بحكمه حكماً فلما طَعَنَ في السن أنكر من عقله شيئاً فقال لبنيه : إنه قد كبرَتْ سِنِّي وعرض لي سَهْو فإذا رأيتموني خرجْتُ من كلامي وأخذت في غيره فاقرعوا لي المِجَنَّ بالعصا

5- وهرم بن قطبة الفزاري : قال الأدباء : حكماء العرب العدول ثلاثة

هرم بن قطبة [13] الذي يقول فيه الأعشى:

ولا إلى الهرمين في … بيت الحكومة والصباره

والآخر: خرن بن سنان.

ومعاوية بن مالك بن جعفر بن كلاب.[14]

وقد قال هرم بن قطبة وهو أحد حكماء العرب، حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة: عليكم بالحديث السن الحديد النظر [15]

     ولم يقتصر الأمر على الرجال، بل كان من نساء الجاهلية من اشتهرن بالحكمة وحدة الذكاء وقوة العقل وسداد الرأي، ومنهن: ابنة الخُسّ الإيادية، وأختها جُمْعة، وصُحَر بنت لقمان، وخُصَيلة بنت عامر بن الظرب العدواني، وحذام بنت الريان، وهى التى قيل فيها:

إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام .

وكان هؤلاء وأمثالهم يعرفون بين العرب بأنهم الحكام أو الحكماء.

6- اكثم بن صيفي :   من هؤلاء  الحكماء  في الجاهلية مثلا  وهو اكثم بن صيفي بن رباح الأسيدي العمروي التميمي أشهر حكام العرب في الجاهلية على الإطلاق واحد المعمرين فيها ، وكان يلقب بحكيم العرب ، كان أكثم سيد من سادات العرب شريفا حكيما وفارسا شجاعا ، ومستشارا خبيرا ، واخرج أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين عن عامر الشعبي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى( ومن يخرج من بيته مهاجرا ) الآية  قال : نزلت في أكثم بن صيفي [16]

 أكثم بن صيفي كان يعد أشهر حكام العرب قبل الإسلام ومن رؤساء بني تميم البارزين وصنف أنه حكيم العرب بدون منازع [17]

فإذ أطلع المرء على حكمه التي قالها قبل زمن طويل أقر أنها تنفع في وقتنا الحاضر وتكون مثلا رائعا ونهجا مستقيما للحياة الصحيحة  [18] وقد كان أكثم من أفصح لعرب لسانا، وأعلم نسبأ، وأكثرهم ضربأ للأمثال والحكم[19]  كما وصف بـ الحكيم المشهور[20]  وأنه من الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء [21]

 

7-لقمان الحكيم

قال الله تعالى : وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (سورة لقمان :12)

قال الإمام ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى مخبرًا عن وصية لقمان لولده -وهو: لقمان بن عنقاء بن سدون. واسم ابنه: ثاران في قول حكاه السهيلي. وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر، فإنه آتاه الحكمة، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف؛ ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئًا، ثم قال محذرًا له: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } أي: هو أعظم الظلم.[22]

قال الإمام المفسر البغوي في تفسيره : قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ } يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور. قال محمد بن إسحاق: وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر. وقال وهب: كان ابن أخت أيوب ، وقال مقاتل: ذكر أنه كان ابن خالة أيوب .

قال الواقدي: كان قاضيًا في بني إسرائيل .[23]

واتفق العلماء على أنه كان حكيمًا، ولم يكن نبيًا، إلا عكرمة فإنه قال: كان لقمان نبيًا. وتفَّرد بهذا القول. وقال بعضهم: خيّر لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة [24].

 وروي أنه كان نائمًا نصف النهار فنُودي: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت فقال: إن خيرني ربي قبلت العافية، ولم أقبل البلاء، وإن عزم علي فسمعًا وطاعة، فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لِمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاها الظلم من كل مكان أن يعدل فبالحري أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفًا، ومن يخير الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأعطي الحكمة، فانتبه وهو يتكلم بها، ثم نُودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان، فهوى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه، وكان لقمان يؤازره بحكمته  [25] .

 وعن خالد الربعي قال: كان لقمان عبدًا حبشيًا نجارًا  [26] .

 وقال سعيد بن المسيب: كان خياطًا [27] .

وقيل: كان راعي غنم. فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال: ألست فلانًا الراعي فبِمَ بلغتَ ما بلغت؟ قال: بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وترك ما لا يعنيني [28] .

وقال مجاهد: كان عبدًا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين [29]

قال الإمام المفسر سيد قطب في تفسيره : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } فما طبيعة هذه الحكمة وما مظهرها الفريد؟ إنها تتلخص في الاتجاه لله بالشكر : { أن اشكر الله } فهذه هي الحكمة وهذا هو الاتجاه الحكيم .

 والخطوة التالية هي اتجاه لقمان لابنه بالنصيحة : نصيحة حكيم لابنه . فهي نصيحة مبرأة من العيب ، صاحبها قد أوتي الحكمة . وهي نصيحة غير متهمة ، فما يمكن أن تتهم نصيحة والد لولده . هذه النصيحة تقرر قضية التوحيد التي قررتها الجولة الأولى وقضية الآخرة كذلك مصحوبة بهذه المؤثرات النفسية ومعها مؤثرات جديدة :

 { وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } . . ويؤكد هذه القضية بمؤثر آخر فيعرض لعلاقة الأبوة والأمومة بأسلوب يفيض انعطافاً ورحمة :{ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين } ويقرن قضية الشكر لله بالشكر لهذين الوالدين ، فيقدمها عليها :

{ أن أشكر لي ولوالديك } .

ثم يقرر القاعدة الأولى في قضية العقيدة ، وهي أن وشيجة العقيدة هي الوشيجة الأولى ، المقدمة على وشيجة النسب والدم . وعلى ما في هذه الوشيجة من انعطاف وقوة إلا أنها تالية للوشيجة الأولى :

{ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ، وصاحبهما في الدنيا معروفاً ، واتبع سبيل من أناب إلي } . ويقرر معها قضية الآخرة : { ثم إليَّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون } . .

ويتبع هذه القضية بمؤثر هائل وهو يصور عظمة علم الله ودقته وشموله وإحاطته ، تصويراً يرتعش له الوجدان البشري وهو يتابعه في المجال الكوني الرحيب : { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل ، فتكن في صخرة ، أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله . إن الله لطيف خبير } . .

ثم يتابع لقمان وصيته لابنه بتكاليف العقيدة ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصبر على ما يستتبعه هذا وذلك من مواجهة المتاعب التي لا بد أن تواجه صاحب العقيدة ، وهو يخطو بها الخطوة الطبيعية ، فيتجاوز بها نفسه إلى غيره : { واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } . .

ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصاب الأدب الواجب . أدب الداعي إلى الله . ألا يتطاول على الناس ، فيفسد بالقدوة ما يصلح بالكلام : { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً ، إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك . إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } . .

والمؤثر النفسي بتحقير التصعير والنفخة ملحوظ في التعبير . وبه تنتهي هذه الجولة الثانية ، وقد عالجت القضية ذاتها في مجالها المعهود ، بمؤثرات جديدة وبأسلوب جديد .[30]

قال المفسر مجير الدين بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي (المتوفى: 927 هـ) عن لقمان الحكيم  :وهو ابن ناعور ابن أخت أيوب (ﷺ)، وقيل غير ذلك {الْحِكْمَةَ} العقل والعلم، ولم يكن نبيًّا، وكان قاضيًا في بني إسرائيل في زمن داود (ﷺ)، روي أنه خيره الله بين النبوة والحكمة، فاختار الحكمة. وروي عن ابن عمر: أنه قال: سمعت النبي -(ﷺ) – يقول: “حقًّا أقوله، لم يكن لقمان نبيًّا، ولكن كان عبدًا كثيرَ التفكر، حسنَ اليقين، أحب الله تعالى، فأحبه، فمنَّ عليه بالحكمة”  انتهى،

كان يؤازر داود؛ لحكمته، وعاش ألف سنة، وقبرُ لقمان بقرية صرفند ظاهر مدينة رملة فلسطين، وعليه مشهد، وهو مقصود للزيارة، وقال قتادة: قبره بالرملة ما بين مسجدها وسوقها، وهناك قبور سبعين نبيًّا ماتوا بعد لقمان جوعًا في يوم واحد، أخرجهم بنو إسرائيل من القدس، فألجؤوهم إلى الرملة، ثم أحاطوا بهم هناك، فتلك قبورهم.[31]

القول الراجح في لقمان :

الصواب أن لقمان ليس بنبي , و أن الله أتاه الله الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم , و من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا . فلقمان الحكيم كان عبدا من عباد الله الصالحين، أعطاه الله تعالى الحكمة كما جاء في كتاب الله عز وجل وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم،

والراجح عند أهل العلم أنه عبد صالح. وقال بعضهم: كان نبيا. وقد قص الله تعالى علينا طرفا من شأنه في القرآن الكريم وبه تسمى سورة من سوره،

قال ابن كثير في البداية والنهاية بعد ما ذكر ما ورد في شأنه من القرآن الكريم…

 قال: هو لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال: لقمان بن ثاران… وكان نوبيا من أهل الصلاح، ذا عبادة وعبارة وحكمة عظيمة، ويقال: كان قاضيا في زمن داود عليه السلام فالله أعلم، ثم قال: وعن عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبدا حبشيا نجارا من سودان مصر، ثم قال: والمشهور عن الجمهور: أنه كان حكيما وليا ولم يكن نبيا، وقد ذكره الله عز وجل في القرآن الكريم وأثنى عليه وحكى من كلامه.اهـ  ولم نقف على مكان ولادته ولا أين دفن ولا متى كان ذلك إلا ما جاء أنه كان في  زمن داود عليه السلام كما ذكر ابن كثير وغيره. والله أعلم بالصواب

وصلى الله على نبينا محمد و بارك وسلم و الحمد لله رب العلمين

الهوامش

[1] -سنن ابن ماجة برقم 4208و أخرجه البخاري برقم 1409.

[2]-صحيح البخاري :349

[3] -شرح النووي على مسلم :1/294

[4] -(السيوطي (٩١١ هـ) الجامع الصغير ٦٤٤٤ • حسن)

[5].( تفسير الطبري، 3/ 89.)

[6] -عزاه السيوطي في الدر المنثور (2/66) لابن مردويه في تفسيره وإسناده ضعيف جدا.

[7] – رواه البيهقي وضعفه في شعب الإيمان برقم (744) من طريق محمد بن وصفى عن بقية به، ورواه البيهقي أيضا من وجه آخر موقوفا على ابن مسعود.

[8] – رواه وَكِيع بن الجراح في تفسيره، عن إسماعيل بن رافع  عن رجل لم يسمه، عن عبد الله بن عمر وقوله.

[9] – عامر بن الظرب العدواني قاض من قضاة الطائف، من حنفاء العرب وأئمتهم الذين تحاكم إليهم الناس، وصارت أحكامهم قانون يحتكمون إليه، و أحد حكماء الحجاز وأشرافهم، ينتمي إلى قبيلة عدوان المعدية العدنانية الحجازية، فهو أحد سادات مضر و قيس عيلان وحكيمهم في دار الحكمة بالطائف، له أحكام فقهية أقرها الإسلام، وكان عامر ممن حرم اكل الميتة والزنا والخمر في الجاهلية، كما اوجب ختان الذكر والأنثى،

المراجع : العرب قبل الإسلام “ص21، كتاب المحبر – محمد بن حبيب البغدادي – الصفحة 181 ، ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار ، الجاحظ، البيان والتبيين

[10] – امرؤ القيس يعتبرُ امرؤ القيس من الشعراء الجاهليّين العرب الأفذاذ، الذين ذاع صيتهم وانتشر، وهو من شعراء المعلّقات المشهورة، وقد لُقّب بالعديد من الألقاب التي منها ذو القروح، وحندج، والملك الضليل، ومعلّقته المعروفة قفا نبكِ من أجمل القصائد العربيّة، ويعتبر بذلك رأس الشعراء العرب، وقد وقف على دراسة حياته وشعره الكثير من النقّاد واللغويّين العرب، وحلّلوا قصائده تحليلاً تفصيليّاً أظهروا ما تُخفيه من معانٍ وجمال، وسنعرضُ فيما يلي جزءاً من حياته، ونشأته، وبعضاً من شعره، وسبب وفاته.

حياة امرئ القيس ولد ونشأ في منطقة بطن عاقل في نجد، نشأ حياته في الترف واللهو، شأنه في ذلك شأن أولاد الملوك، وقد كان يفحشُ في غزله، وفي سرد قصصه الغراميّة، وسلك في شعره مسلكاً قد خالف فيه تقاليد البيئة، ويُعتبر من الشعراء الذين دخلوا بشعرهم إلى مخادع النساء، وكثيراً ما كان يتسكّع مع صعاليك العرب معاقراً للخمر، وبذلك فقد التزم نمطَ حياة لم يرضَ عنها والده، فقام بطرده وإرجاعه إلى أعمامه وبني قومه في حضرموت مُتأمّلاً في تغييره، ولكنه استمرّ في مجونه، واستدام بمرافقة الصعاليك.

وفاة امرئ القيس لم يعشْ امرؤ القيس طويلاً، ولكن كثرة ترحاله وتجاربه التي مرَّ بها فاقت أضعاف السنين التي عاشَها، فقد أمضى بدايةَ حياته في الشرب واللهو، ولكن سرعان ما تحوّلت إلى حياة مسؤوليّة أثبت فيها أنه فارسٌ مغوار حين أخذ على نفسه عهداً بالثأر لموت والده، الذي كان سبباً في صقل ملَكَته، وإذكاء وهجها، ومن تلك المرحلة في حياته كَثُر تنقله وترحاله حتّى وصل به المطاف إلى أنقرة، حيثُ حلَّ بجسده التعب وأنهكه المرض حين أصابه الجدريّ الذي كان سبباً في وفاته، وكان ذلك كما يُرجحُه المؤرخون في سنة خمسمائة وأربعين ميلاديّة، ويقع قبره في العاصمة التركيّة أنقرة على تلة هيديرليك. ينظر : رفيات الأعيان ، موسوعة الأعلام للزركلي.

[11] – هرم بن قطبة بن سنان بن عمرو الفزاري من بنو ذبيان ، من قضاة العرب في الجاهلية. أسلم في عهد النبي عليه السلام وثبت في الردة. وكان حيا في خلافة عمر بن الخطاب وله معه حديث وكان من رجال العرب وخيارهم .

كان من الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء ، كما يقول الجاحظ، وإذا حكم بين الخصمين أو المتنافرين، سجع في كلامه . وممن تنافر إليه في الجاهلية عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة العامري. وهو الذي قال له لبيد بن ربيعة: ” يا هرم ابن الأكرمين منصبا إنك قد أوتيت حكما معجبا فطبق المفصل واغنم طيبا ”

كان هرم بن قطبة يقضي بين العرب في الجاهلية وقد تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة فاستخفى منهما ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب الديباج وقال أسلم هرم بن قطبة وقال عمر في خلافته لمن كنت حاكما بينهما لو حكمت فقال أعفني فوالله لو أظهرت هذا لعادت الحكومة جذعة فقال صدقت والله وبهذا العقل أحكمت وقال الجاحظ في كتاب البيان أول ما رآه عمر أراد أن يكشفه يستثير ما عنده لأنه كان دميم الخلقة ملتفا في بت في ناحية البيت فلما أجابه بهذا الحديث أعجب به

المراجع / الإصابة في تمييز الصحابة ، صحبابة رسول الله ، اسم الوصلة،

[12] – ربيعة بن حذار بن مرة الاسدي، من بني سعد، من أسد بن خزيمة: حكم العرب وقاضيها في أيامه، في الجاهلية. ويقال له حكم بني أسد.

وهو أيضا من القادة الشجعان.ذكره الاعشى والنابغة في شعريهما،(الأعلام للزركلي :3/16)

[13] – هرم بن قطبة (..- بعد 13 ه =..- بعد 634 م) هرم بن قطبة بن سيار (أبو سنان) الفزاري: من قضاة العرب في الجاهلية.

أسلم في عهد النبي ((ﷺ)) وثبت في الردة. وكان حيا في خلافة عمر. وله معه حديث. كان من ” الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء ” كما يقول الجاحظ، وإذا حكم بين الخصمين أو المتنافرين، سجع في كلامه. وممن تنافر إليه في الجاهلية عمرو بن الطفيل وعلقمة بن علاثة.

وهو الذي قال له لبيد بن ربيعة: ” يا هرم ابن الاكرمين منصبا إنك قد أوتيت حكما معجبا فطبق المفصل واغنم طيبا ” ولما ارتد ” عيينة بن حصن ” نهاه هرم، وكان فيما قال له: ” اذكر عواقب البغي يوم الهباءة، ولجاج الرهان يوم قيس، وهزيمتك يوم الاحزاب ” ولم يقبل منه عيينة، ففارقه (موسوعة الأعلام للزركلي :8/83)

[14] -الديباج لأبي عبيدة 1/17

[15] -سراج الملوك 1/58

[16] الدر المنثور – السيوطي

[17] – أبن قتيبة : المعارف ، تحقيق ثروت عكاشة ، القاهرة 1960 31/1.

[18] – الزبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس ص 252/8.

[19] – السجستاني : المعمرون والوصايا ص22

[20] – جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ،بيروت 1978 ص 635/5

[21] – الألوسي : بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب ، شرح محمد الأثري ، القاهرة ، 1432 هـ ، 308/1

[22] -تفسير ابن كثير :6/336

[23] -انظر البحر المحيط :7/186

[24] – قال الحافظ ابن كثير في التفسير: 3 / 444: (اختلف السلف في لقمان هل كان نبيا أو عبدا صالحا من غير نبوة؟ على قولين، الأكثرون على الثاني، (يعني أنه لم يكن نبيا) ثم ذكر بعض الآثار، منها ما هو مصرح فيه بنفي كونه نبيا، ومنها ما هو مشعر بذلك، وفي بعضها ما يشعر أنه كان عبدا قد مسه الرق، فقال: وكونه عبدا قد مسه الرق ينافي كونه نبيا، لأن الرسل كانت تبعث في أحساب قومها، قال: ولهذا كان جمهور السلف على أنه لم يكن نبيا، قال: وإنما ينقل كونه نبيا عن عكرمة إن صح السند إليه قال: فإنه رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من حديث وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة، قال: كان لقمان نبيا، قال: وجابر هذا، هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، والله أعلم. ثم قال ابن كثير: والذي رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة) أي: الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيا، ولم يوح إليه) أ.هـ. فهذا يدل على أنه كان عبدا صالحا ولم يكن نبيا.

[25] – عزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 510-511 للحكيم الترمذي في نوادر الأصول. والعزو إليه مؤذن بالضعف.

[26] – أخرجه الطبري: 21 / 67-68.

[27] – عزاه السيوطي في الدر المنثور: 6 / 510 لابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن المنذر.

[28] – انظر: الطبري 21 / 68، والدر المنثور: 6 / 512.

[29] – أخرجه الطبري: 21 / 67.

[30] -في ظلال القرآن : 6/1

[31] – فتح الرحمن في تفسير القرآن  لمجير الدين بن محمد العليمي المقدسي الحنبلي (المتوفى: 927 هـ) :5/304