Main Menu

الجسم المنطوق

الدكتورة سميه رياض الفلاحى
آراضى باغ ، اعظم كره

كانت الشقة محفوفة بالأزياء و مزينة بالأشياء الفاخرة و الناس يشعلون السيجارة و يحتفلون بالرقص و الملاهى و كان يتمتع بالموسيقى  والسرود و فوجئ بنظر الفتاة الجميلة و ثبت عينيه فى عينيها فإذا هو اضطرب و يصبح كأنه يلهث و يجف لعابه و يتوقف قلبه عن النبض و لم يستطع أن تحتمل نظراته لثوان ….

و رفع بصره إليها فكأنه قد ضاع حواسه و لم يحتمل اعصابه على الحركة …. ذهب إلى البلكونة و تنفس تنفّسًا شديدًا….

أحسّ بالبرودة فى ثانية و ارتجف ثم شعر بالحرارة و تتساقط التعرق من جسمه فى ثانية.

و كان عسيرًا عليه أن يتحكم على نفسه و مشيئ بخطوات بطيئة فى البلكونة و نظر إليها بالاشمئزاز و الناس يجيئون و يذهبون منهم من يرحّبهم بتصفق و كان يريد أن يجذب انتباهها إليه ولكن كان من المتسحيل لأنه لم يبد عليها أى اهتمام بل كان يريد أن يلتصق بها بحبّ عميق بدون تبيين مشاعره.

فلم يمرّ بأحد و ضغط على نفسه و همّ أن يتحدث معها بالمداعبة و التعاطف حتى ينجح فى حصول أمله.

حاول أن يقدم إليها و ينسحب إلى داخلها ذات مرّة ولكنه رجع بالخيبة إذ أبصار الناس تتبعه فارتجف و ظلّ وقتًا طويلًا فى البلكونة يفكر و يستنكر اضطرابه و يستعذبه.

فقد غرق فى حبّها و لم يتنبّه عليها حتى آن وقت انتهاء الاحتفال و الناس قد رجعوا إلى بيوتهم بالسيارات أو بالدرّاجات.

فقد بطئ فى مشيه حتى دخل الغرفة و استلقى على السرير حتى غلبه النعاس فلم ينم حتى يسمع فجأة حوله النجوى ….. ولا يكاد يدرك لو أنه فتح عينيه ولكنه تبادره النوم فيرى اشباحاً عديدة طويلة. حاول أن يفهم كنهه ولكن لم يستطع.

و يقترب أذنيه إلى نجواهم فلا يجد إلا صوتًا رهيبًا…..

ثم يحاول ليقدم إليهم ….

حاول بالتسرع و قدر على أن يسمعهم …..

و سمع منهم من يقول أن زيدًا هو رجل شرّ لا يبالى بسمعتى وطاعتى و هو رجل ذكىّ ثرىّ يهيم فى أمور ذليلة سيئة…

من أنت و كيف تعرفه ؟ سأله الآخر …..

أنا يده و أنا آمره بعمل المعروف و أنا أدفعه إلى أن يتبع إلى مساعدة الآخرين و مسابقة فى الخيرات و الصدقات و أن يستعملنى فى كتابة الحسنات فأبى و استنكر و مرح و نسى فضل الله و سعى إلى أن ينتزع الأشياء من الآخرين و يسرق و يقطع الطريق و يضرب بى الآخرين.

فلم يسكت اليد إلا بادر رجله بالتكلم و بدا مظلومًا فكان يشتكى و يقول أنه يزعجنى ولا يستعملنى فى الذهاب إلى أعمال الخير والمساجد و الدرس والتدريس فهو يسعى إلى الألعاب اللعينة و يذهب إلى المحافل السينمائية و يدفع الناس و يمش بالمرح.

و كان فى غلبة النوم و يتجسس و يفكر ماذا سيحدث …..

فإذا يرى أن العين تبكى و تفيض من الدمع و تتحدث تلك اللحظة و تخبر بأنها تأمره برؤية المناظر الحسنة للتفكير فى الكون و آيات الله و قرأة كتاب الله و الكتب الأخلاقية و الإسلامية ولكنه يرى الرقص و السرود و ينظر إلى السيئات والتعرى والفواحش و يقرأ الكتب المبتذلة.

و لم يمرّ فى القصة حتى يرى الأذن يتكلم عن كيفية الأسى و الاضطرار و يمضى بقوله أنه يغلقنى و يدس يده فى داخلى حينما يسمع آيات الله و الأذان أو الكلام الحسن و يحبّ أن ينصت للسّبّ و الشتم والكذب و الغيبة و ما سواها فأنا أكثر مظلومًا منكم.

و إذا توجه إلى جانب آخر فهو يسمع أن البطن يقول : أيها الإخوان ، أنا لا استطيع أن اتحمل ظلمه فهو يظلمنى إذا يأكل نارًا كما هو يأكل أموال اليتامى فهو لا يبالى بحلال أو بحرام إلا أن يتمتع بوسائل العيش و أنا قد تعبت الآن …

ثم يقدم فإذا هو يرى أن القلب و المخ و جميع أعضاء بدنه يتسابقن فى الشكوى و يتعالين بصوت النجوى حتى بدأت اللسان ….  تمتمت و تنفست ثم قالت : ماالمشكلة؟

علينا أن نقاطعه …..

المقاطعة؟

سألن ….

نعم ، المقاطعة ….

ولكن كيف ؟

هلّا نبدأ الآن ….

فلم يمض وقتًا طويلًا و هو يرى أن يحاول لنظر الأشياء حوله فلم يقدر على النظر و هو يجاهد أن يقوم بدعم اليد ولكن بلا فائدة….

على الأسف ، قد شلّت يداه ….

ثم حاول أن يجلس بدعم رجله ولكن دون جدوى فرجله كأن قد مات ….

ثم أراد ان ينادى أبيه و لكن اللسان ساكتة و جامدة….

ثم حاول أن يتنفس فلم يقدر عليه ….

حتى بطلت الأعضاء الباقية ….

ثم أحسّ بشبح طويل يتلو :” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون “.

فإذا استيقظ من نومه فلم يكن هناك شيئًا فأدرك أنه كان يحلم فى النوم ولكن تنبّه إلى الأمر و حمد الله على حياته و شكر له أن يهبه من أعضاء ثمينة قيمة ….

و فكّر فى عواقبه و تكلم بنفسه لو كان الأمر كذلك فماذا أفعل ؟

و يكرّر الآية :” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون”.

و أدرك سرّ الحياة الناجحة فلم يمض ساعات ….. حتى أخذ ميثاق نفسه.