Main Menu

التشابه بين النواب واجد علي شاه والخليفة الوليد بن يزيد في الشعر

أنوارالحق

                                                                                                                      باحث، قسم اللغة العربية،

                                                                                                         جامعة مولانا آزاد الوطنية الأردية، (حرم لكناؤ)

  التلخيص:

      إن الهند بلدة شهيرة ومعروفة عند العالم بسبب ارتفاع مكانتها وجودتها وحسن موقعها الجغرافي، وأنجبت ولاتزال تُنْجب الرجالَ والعلماءَ والنواب والأمراءَ والقُوّادَ، وتنقسم الهند إلى الولايات المختلفة التي تتضمن مدناً عظيمة تَخُصُّ بدورها البارز تجاه خدمة اللغة والثقافة والحضارة، فمن بين تلك المدن والمراكز العلمية والثقافية والسياسية مدينة لكناؤ التي أنجبت عباقرةَ العلماء والفقهاء والقواد والنوابين والأمراء، فالمدينة تتمتع بالثقافة العلمية منذ أن أُنْشِئَتْ وعُمْرَتْ فكانت تعد مركزاً علمياً في العهد المغولي وكذلك في عهد النواب عامة وفي عهد النواب واجد علي شاه خاصة.

      أما العصر الأموي الذي قام بدور كبير في تمهيد الطريق إلى النهضة العلمية واللغوية التي تقدمت وتطورت في العصر العباسي، ومن أهم هذه التطوارات والتقدمات حركة التعريب في عهد عبد الملك بن مروان الذي جعل اللغة العربية لغة رسمية للدولة، وكذلك ساهم الوليد بن عبد الملك كثيرا في إنشاء المدارس والمعاهد تحت رعاية الدولة التي ساهمت في نهضة العلوم العربية، وكان الوليد يشجع العلماء والأدباء والشعراء.

الكلمات المفتاحية: واجد على شاه، الوليد بن يزيد، الموازنة، الشعر، الأخلاق.

حياة واجد علي شاه الأدبية:

     ولد النواب واجد علي شاه سنة 1823م في لكناؤ، ونشأ وترعرع في النعم في بيئة النواب، وحصل على العلوم الابتدائية في لكناؤ، وكان النواب واجد علي شاه أكثر علماً ومعرفة من بين جميع نواب أوده، وكان له ذوق فطري في الأدب الفارسي والأردي وأشعارهما، وله مهارة تامة في قرض الشعر باللغة الأردية والفارسية، كما يقول الدكتور كوكب قدر سجاد علي مرزا في كتابه “واجد علي شاه كى ادبي وثقافتى خدمات”: “إنه تلمّذ واستفاد في مجال الشعر من أستاذه برق لكهنوي وفي مجال الموسيقى من أستاذه قطب علي خان رامبوري، وكان قطب علي خان ماهراً ومُتَضَلِّعاً في اللغة العربية والفارسية وشاعراً أيضاً”[1].

    وكان واجد على شاه ميالاً إلى الرقص واللهو واللعب والنساء إلى حد كبير حتى الأمور الإدارية والملكية لايقومها إلا الرجال الآخرون سواه، وقال بعض المؤرخين عنه إنه لم يكن مُهْتَمّاً إلا بالرقص والنساء واللهو واللعب، وبهذا السبب الرئيسي لم تبقَ ولم تَثْبُتْ حكومَتُه وسلطنَتُه أن لحِقتْ بالزوال والانحطاط والركود والهبوط وغلبتْ عليه السلطةُ الإنجليزيةُ.

حياة الخليفة الوليد بن يزيد الأدبية:

    ولد الوليد بن يزيد بدمشق حوالي سنة تسعين للهجرة، ونشأ وترعرع في قصر أبيه، وكان أول خليفة في العصر الأموي الذي عرف بالخمر ومعاشرة القِيان وحب الغناء، وعهد بأمر تأديبه إلى يزيد بن أبي مساحق السُلَمِيْ وإلى عبد الصمد بن عبد الأعلى الشيباني، وكلاهما أديبان وشاعران، ولكن عبد الصمد كان مدمنا في الخمر ومتهماً بالمجون والزندقة فأَثَّرا فيه بما كانا فيه من اللهو واللعب والمجون وشرب الخمر، وقال مروان بن أبي حفصة: “كان الوليد من أجمل الناس، وأشَدِّهِم وأَشْعَرِهِم”[2] وفي موضع آخر “كان فاسقاً شَرِّيْباً للخمر، مُنْتَهِكاً حُرُمَاتِ الله، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة”[3].

التشابه في صفتهما وأخلاقهما:

    كان واجد علي شاه منذ حداثته ميّالاً إلى اللهو واللعب وسماع الغناء والنساء والفتيات كما يقول الدكتور منظر حُسين كاظمي في كتابه: “إنه تزوج بثمانين إمرأة ماعدا عالم آرا بيغم وحضور عاليه”[4]، هذا يدل على رغبته وميله إلى الفتيات والنساء، كما كان الوليد بن يزيد منذ حداثته ميّالاً إلى الهو واللعب ومحباً لسماع الغناء و عاشقاً للنساء والفتيات وأغدق علىيهم الأموال الطائلة ومن ذلك ما قاله ابن كثير: “أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حِسانِ نساءِ النصارى،اسمُها سَفْرَى فأحَبَّها، فبعث إليها يُراوِدُها عن نفسِها، فأَبَتْ عليه، فألَحَّ عليها، وعشِقها، فلم تُطاوِعْه، فاتَّفَق اجتماعُ النصارَى في بعض كَنائسِهم لعيدٍ لهم، فذهب الوليد إلى بُستانٍ هناك… فلما تَحَقَّقَت ذلك حَنَّتْ عليه بعدَ ذلك، وكانتْ عليه أحْرَصَ منه عليها، فقال الوليد في ذلك:

أضحى فؤادَكَ يا وليدُ عميدَا   صَبًّا قديماً للحِسَانِ صَيُوْدَا
مِن حبٍّ واضِحةِ العَوارضِ طَفْلَةٍ   بَرَزَتْ لنا نحوَ الكَنيسةِ عِيدَا
مازِلْتُ أَرْمُقُها بعَيْنَىْ وامِقٍ   حتى بَصُرْتُ بها تُقَبِّلُ عُودَا
عُودَ الصَّليبِ فوَيْحَ نَفْسىَ مَن رَأَى   منكمْ صَليباً مثلَه مَعْبودَا
فسأَلْتُ ربىَ أن أَكُوْنَ مكانَهُ   وأَكُونَ في لَهَبِ الجَحِيْمِ وَقُودَا”[5].

     وكان واجد علي شاه قد اهتم بالموسيقى اهتماماً كثيراً،”وأسس لهذا الغرض مدرسة أو إدارة لتعليم الموسيقى يقال لها بري خانه (پری خانہ) حتى عُرِفَ بعده باسم “رئيس منزل” وخدمت هذه الإدارة خدمة كبيرة في مجال الموسيقى في لكناؤ وكولكاتا”[6]. وكذلك الوليد بن يزيد كان عاشقاً للمغنين والغناء وأنفق وأغدق على المغنين الأموال الكثيرة كما يقول صاحب الأغاني: “عُرضتْ على الوليد بن يزيد جاريةٌ صفراء كوفيّة مولّدة يقال لها سعاد، فقال لها: أيّ شيء تُحسنين؟ فقالت: أنا مغنّية، فقال لها: غنّيني، فغنّت:

لولا الذي حُمّلتُ من حبّكُمُ   لكان في إظهاره مَخْرَجُ

… فطَرِب طرباً شديداً وقال: يا غلام اسقني، فسقاه عشرين قدحاً وهو يَستعيدها”[7]. ولما ولي الخلافةَ أشخص إلى المغنين: فحضروه وفيهم معبدٌ وابن عائشة وذَوُوْهُما. فقال لابن عائشة: يا محمد، إن غنيتني صوتين في نفسي فلك عندي مائة ألف درهم، فغناه قوله:

                        إنني أبصرتُ شيخاً

وغنّاه:

                       فما مسكٌ يُعلُّ بزنجبيل

الأبياتَ، فقال الوليد: ما عدوتَ ما في نفسي، وأمر له بمائة ألف درهم وألطافٍ وخِلَعٍ، وأمر لسائر المغنّين بدون ذلك”[8].

التشابه في الشعر:

    كان واجد علي شاه شاعراً فطرياً، وعقد المجالس الشعرية في قصره ومنزله، وبهذا السبب صارت مدينة لكناؤ مدينة الشعراء في عهده وحكومته، وإنه قام بقرض الأشعار في جميع فنون الشعر من الغزل والوصف والفخر والهجاء والرثاء والمثنوي وغيرها، وخلّف لنا عشرة دواوين في ميدان الغَزَل فقط ومن أهمها: كليات أختر، وديوان مبارك، وملك أختر وغيرها من الدواوين المهمة، وتَشْتَمِل هذه الدواوين على الأشعار الرائعة الجميلة من الحياة الإبتدائية إلى آخر عمره. وهناك بعض الأشعار في الغزل كما يلي:

تم مہربان تھے تو سبھی مہربان تھے   تم کیا خفا ہوۓ کہ زمانہ خفا ہوا
حينما كنتِ لطيفاً كان الجميع لطيفاً عليّ   وحينما غضبتِ غضب العالم عليّ
محبت کا برا آغاز ہے انجام کیا کرتا   نصیحت کون سنتا اور دل ناکام کیا کرتا
يقول الناصح الحب هو بداية الشر   لكن القلب الفاشل لا يفكر ولا يسمع

وكان واجد علي شاه يتدفق بالأفكار العالية وبوضوح المعاني واللغة، لذلك يمكن القول، بشكل عام، أن واجد علي شاه كان شاعراً موثوقاً به في الغزل.

    أما غزل الوليد فقد كان من غزل المُجّانِ الخُلَعَاءِ الذين ظهروا في أواخر العصر الأموي، وكان الوليد لم يُخْلِص في حبه إلا لسلمى بنت سعيد وهي أخت زوجته، فأحبها حباً شديداً بل جُنَّ بها جنوناً وقال فيها كثيراً من الغزل، وغَزَلُه فيها مجموعةٌ تُرِيْكَ نفسَ المحب في شتى أطوارها فتارة يناشدها الحبَ والقرابةَ كقوله:

يا سليمى يا سليمى   كنتِ للقلب عذابا
يا سليمى ابنة عمي   بَرُدَ الليلُ وطابا[9].

     ويقول الدكتور خليل مردم عن شعره: “كان الوليد شاعراً مطبوعاً يحب الرقة والهلهلة حتى تفَضَّيَا به في أكثر شعره إلى اللين، وذلك لأنه نشأ في نعيم الحاضرة وقصور الخلافة، ولأنه مطبوع لا يتكلف ولا يبالي ما يقول، ولأنه غزل ماجن، يتكلم بلسان الخُلَعَاءِ، ويصور دَلاَلَ النساء، واللِيْنُ في الشعر درجةً بين السهل العذب الرقيق والسفساف المبتذل الركيك”[10].

      وكان واجد علي شاه قد قرض الأشعار الكثيرة في الخمر ووصفها وصفاً دقيقاً ومن شعره في الخمر:

 کون سے ساقی کی چشمِ مست کا دھیان آگیا    بزمِ مے میں ہو گے بیزار جام جم سے ہم.[11]

يقول الشاعر في هذا الشعر حينما رأى الشارب فتاة جذابة وعاشقة قد نسي الشارب ذائقة الخمر العليا يعنى خمر جمشيد الشهيرة في ذلك الوقت، وكذلك حينما ندرس ونطالع شعر الوليد نجد هذه الأشياء والمعاني في شعره أيضاً، لأن الوليد قد اشتهر في وصف الخمر، فقد وصف الخمر ونَشْوَتَها ولَوْنَها ورِقةَ جوهرِها ورائحتَها وشبهها بالذهب، ووصف مجالس الشرب والغناء وما يكون فيها من المجون والفواحش كما يقول:

عللاني واسقياني   من شرب اصبهاني
من شراب الشيخ كسرى   أو شراب القيرواني
إن في الكأس لَمِسكاً   أو يكفي من سقاني[12].

    وقد أخذ كثير من الشعراء المعاني في الخمر من شعر الوليد كما يقول صاحب الأغاني: “وللوليد في ذكر الخمر وصفتها أشعار كثيرة قد أخذها الشعراء فأدخلوها في أشعارهم، سلَخوا معانيها، وأبو نواس خاصّة فإنه سلخ معانيه كلَّها وجعلها في شعره فكرَّرَها في عدّة مواضع منه”[13].

    وكان واجد علي شاه قرض الأشعار في جميع فنون الشعر من الغزل والفخر والرثاء والمثنوي واشتهر في فن المثنوي وخلف لنا أكثر من عشرة مثنويات، ومن أهمها: “افسانہ عشق” و “دریائے عشق” و “بحر الفت” و “حزن اختر” و “بحر مختلف” و “رياض العقبى” وغيرها، وكذلك الوليد بن يزيد أيضاً إنه قرض الشعر في فنون مختلفة من الفخر والهجاء والرثاء والغزل ووصف الخمر وحصل على الشهرة في الخمريات.

الخاتمة:

    كان واجد علي شاه آخر نواب اَوَده، وكان شاعراً كبيراً وموسيقار ماهراً وأول كاتب المسرحية باللغة الأردية، وكان شاعراً فطرياً يتدفق بالأفكار العالية، ويمتاز أسلوبه بالسهولة والجزالة والصدق ووضوح المعاني، وكان شعر الوليد من الشعر الوجداني، يمتاز بصدق اللهجة والصراحة وعدم التصنع في معانيه وألفاظه، وأكثر شعره في الغزل والمجون والخمر.

    ويشابه شعر واجد علي شاه شعرَ الخليفة الوليد بن يزيد من حيثُ الموضوعُ والأسلوبُ والمعاني، ومن حيث الحياة الأدبية والأخلاقية.

الحواشي:

[1]  شق نامه (منظوم قلمى) داستان، ص 17.

[2]  تاريخ الخلفاء، السيوطي، ص 200

[3] المصدر السابق، ص 199.

[4] واجد علي شاه انكى شاعرى اور مرثي، بروفيسر منظر حسين كاظمي، ص 45.

[5] البداية والنهاية، ابن كثير، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ج 13، ص 170.

[6] واجدعلي شاه كي ادبي وثقافتى خدمات، كوكب قدر سجاد على مرزا، ص 466.

[7] كتاب الأغاني، الأصفهاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، ج7، ص 20.

[8] المصدر السابق، ج 7، ص 25.

[9] ديوان الوليد بن يزيد، جمعه جبربالي، ص 35، المجمع العلمي العربي، بدمشق، 1937م.

[10] المجمع العلمي العربي، الدكتور خليل مردم، مقالة: الوليد بن يزيد، ص 23، رقم العدد: 1-2، تاريخ الاصدار 1937م.

[11] واجد علي شاه ان كى شاعرى اور مرثیے، الدكتور منظر حسين كاظمي، ص 87.

[12] ديوان الوليد بن يزيد، جمعه جبربالي، ص 57، المجمع العلمي العربي، بدمشق، 1937م.

[13] كتاب الأغاني، الأصفهاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، ج 7، ص 18.

المصادر والمراجع:

  1. ابن عبد ربه، العقد الفريد، لبنان: دار الكتب العلمية، 1983م.
  2. الأصفهاني، كتاب الأغاني، تحقيق الدكتور إحسان عباس، بيروت: دار صادر، ط3، 2008م.
  3. شبير أحمد الندوي، ہندوستان میں عربی زبان وادب کا فروغ، ماڈرن ایج اسلامک لٹریری ایند کلچر ریسرچ سینٹر، لکھنؤ، 2012م.
  4. شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط3، 1985م.
  5. عبد الحي الحسني، الثقافة الإسلامية في الهند، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012م.
  6. كوكب قدر سجاد علي مرزا، واجد علي شاه كى ادبى وثقافتى خدمات،قومى كونسل براۓ فروغ اردو زبان، نئی دہلی.
  7. منظر حسين كاظمي، واجد على شاه انكى شاعرى اور مرثیے، کراچی، 2002م.