Main Menu

إسهام الأستاذ الـدكتور مظفر عالم في إثراء اللغة العربية وتنميتها

بقلم: الدكتور محمد أنظر الندوي

الأستاذ المشارك بقسم الدراسات العربية،

جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، حيدرآباد، الهند

itsanzar@gmail.com

مقدمة:

هذ المقال يتناول جهود الأستاذ الدكتور مظفر عالم في سبيل نشر اللغة العربية من خلال التدريس والبحث وإلقاء المحاضرات واللقاءات والمناقشات، بالإضافة إلى ذلك يهتم بتسليط الضوء على أفكار الدكتور ورؤاه وخصائصه الشخصية، وكتبه، بجنب ذلك تجدون الحديث عن التعريف الموجز لجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد حيث شغل الأستاذ بالتدريس.

نبذة عن حياة الدكتور مظفر عالم:

فضيلة الدكتور مظفر عالم، أستاذ في مركز الدراسات العربية بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد في الهند، وهو من مواليد مديرية شيخ بورة بمدينة “بَتْنَا” (1) العاصمة لولاية “بيهار”، في يناير 1969م. نشأ في أسرة تكتسب قوتها من التجارة. وفي مستهل الأمر، تعلم القرآن الكريم تلاوة وتجويدا على يد جده لأمه، ثم التحق بالكُتاب حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة. حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب في مدرسة صغيرة معروفة بـ”مفتاح العلوم” الواقعة في قرية “بكري براوان” في مقاطعة “نواده” بولاية “بيهار”، وأتقن حفظه، ومنذ أن قام بتحفيظ القرآن الكريم لا يزال يؤم بالمصلين في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، وهذه الإمامة كان يقوم بها في مساجد “شيخ بورة” أولا، ثم في المساجد التي كانت تقع في دلهي وحيدرآباد سابقا، ولكنه الآن منذ عِقْدٍ تقريبا يؤديها في مصلاه الشخصي الذي يقيمه بتواصل في منزله كل سنة بدون توقف، وإنه يتلو القرآن الكريم في صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، ويكمله في غضون خمسة عشر يوما أو عشرين يوما بمعدل جزء وربع الجزء أو بمعدل جزء ونصف الجزء من المصحف الشريف في عشرين ركعة كل يوم. ومن أجل متابعة العلوم العربية والإسلامية التحق الدكتور مظفر عالم بـ”جامعه رحماني” (الجامعة الرحمانية) الواقعة في مديرية “مونغير”، بـ “بَتنَهْ العاصمة لولاية بيهار بالهند، حيث درس في مرحلة الابتدائية يعني من صف الإعدادية إلى الصف الثالث العربي، يعني حوالي أربع سنين، بما فيها اللغة الفارسية واللغة العربية والقواعد العربية والعلوم الإسلامية.

التقى الدكتور شيوخا كثيرين في “جامعه رحماني” (الجامعة الرحمانية) بمونغير، وإنهم بذروا في نفسه حب العربية وحب الدراسة والقراءة والكتابة، وكانوا رجالا أتقياء بمعنى الكلمة، ومن أمثالهم سعادة الشيخ مولانا سيد محمد شمس الحق(2) (من مديرية ويشالي، بولاية بيهار) الذي كان متوليا منصب شيخ الحديث النبوي الشريف وكان هذا الشيخ رجلا كريما وبرا وتقيا، وشغوفا بالعلوم والمعارف، وكان الدكتور مظفر عالم يخدمه خدمة مخلصة ويصحبه إلى السوق ماشيا على الأقدام، ويتلقى منه العلوم والمعارف من خلال خدمته له، وحتى أنه قرأ عليه الكتب الأدبية، مثل ديوان الحماسة لأبي تمام، وديوان البحتري. والأستاذ الثاني الذي تأثر به الدكتور عالم هو كان فقيه الملة الإسلامية فضيلة الشيخ مولانا زبير أحمد القاسمي(3) (1936-2002، من مديرية مدهوبني بولاية بيهار) في الجامعة الرحمانية بمونغير، وكان الدكتور عالم يلازمه صباح مساء، ويقدم إليه خدماته متواضعا، فإنه درّسه أثناء خدمته له “نور الإيضاح” لحسن بن عمار الشرنبلالي في الفقه والتشريع الإسلامي، و”المرقاة الكبرى” في علم المنطق لمولانا فضل إمام العمري الخيرآبادي، وقد تلقى دروس هذين الكتابين في الأصل من فضيلة الشيخ مولانا محمد حماد بن المفتي ظفير الدين المفتي بدار العلوم بديوبند عن طريق المقرر الدراسي في الفصل، وإن كان يتعوّق الدكتور مظفر عالم في فهم نصوص الكتب ودروسها فكان يذهب إلى فضيلة الشيخ مولانا حسيب الرحمن (المتوفى سنة 2018 في مسقط رأسه مديرية كيشان غنج بولاية بيهار) الأستاذ في الجامعة الرحمانية سابقا والذي كان انتقل إلى دار العلوم حيدرآباد بحيدرآباد فيما بعد وعمل فيها كمحدث كبير يتولى منصب شيخ الحديث النبوي الشريف، وكان هذا الشيخ يحبه كثيرا ويرعاه، ويحلل مشاكله في التعلم والتثقف. تلقى الدكتور مظفر عالم دروسه في التفسير لمعاني القرآن الكريم إلى خمسة أجزاء من القرآن الكريم من فضيلة الشيخ مولانا تسليم الدين الرحماني صاحب علم وفضيلة وصاحب قلب واعٍ تقي، والذي كان ينتمي إلى مديرية سَاهَارْسَا في ولاية بيهار، كما قرأ عليه “كتاب النحو” لعبد الرحمن الأمرتسري في القواعد العربية. وتلقى الدكتور مظفر عالم، الدروس في مادة الإنشاء والتعبير من سماحة الأستاذ مولانا نور الحق الذي كان ينتمي إلى منطقة پَهالْكَا بمديرية كاتيهار في ولاية بيهار، والذي كان متقنا في اللغة العربية وتدريسها، فكان يدرّس مادة التعبير والإنشاء بحرية كاملة ولا يقيد نفسه لكتاب، مع أن كتاب “معلم الإنشاء” لمولانا عبد الماجد الندوي مفروضا تعليمه في المقرر الدراسي بالجامعة الرحمانية بمونغير.

والخلاصة هي أن الدكتور مظفر عالم درس الابتدائية في مدرسة دينية عربية تسمى “جامعه رحماني” (الجامعة الرحمانية) بمونغير إلى المستوى الثالث العربي من منهج الدرس النظامي، وقد شغف بالعربية فتعمق فيها، وعكف على قراءة الأدب العربي فيما بعد. ولابد من الإشارة إلى أن هذه المدرسة يعني “الجامعة الرحمانية” هي التي تم إنشاءها بيد سماحة الشيخ مولانا محمد علي المونغيري المؤسس لندوة العلماء بلكناؤ في عام 1927م، والتي أقامها مرة ثانية وقوّمها سماحة الشيخ مولانا سيد منة الله الرحماني الأمين العام المؤسس الأسبق لهيئة الأحوال الشخصية المسلمة لعموم الهند، في عام 1942م.

درس الأستاذ مظفر عالم، اللغة الإنكليزية والهندية مع العلوم العصرية الأخرى من السياسة والاجتماع والعلوم الإنسانية على مستوى المدرسة العالية في الصف العاشر في مديرية شيخ بورا بولاية بيهار عام 1982م بدرجة ممتازة، وأكمل الصف الحادي عشر والصف الثاني عشر في كلية بتنا للفنون التابعة لجامعة بتنا في بتنا عاصمة ولاية بيهار عام 1984م، وحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي عام 1990م، ونال شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بمركز الدراسات العربية والإفريقية في جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي عام 1992م، وأكمل دراسته في الماجستير في الفلسفة (يعني البرنامج ما قبل الدكتوراه) بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي عام 1995م، وأعدّ أطروحته في هذه المرحلة تحت إشراف الفقيد فضيلة البروفيسور إحسان الرحمن بعنوان “تقييم المدارس الدينية الإسلامية ومعنويتها في الهند” عام 1995م، وأحرز شهادة الدكتوراه في العربية وآدابها بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، عام 2000م, وذلك بموضوع    “Madrasa System of Education in India: Continuity and change: A Case Study based on Colonial Impact”   ( نظام تعليم المدارس في الهند: الاستمرار والتغير: دراسة حالة مبنية على تأثير الاستعمار) تحت إشراف الفقيد البروفيسور إحسان الرحمن (1945-2021) الذي قد وُفق خلال شغله في القسم العربي بجامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي بتأليف كتب علمية ومؤلفات أدبية كانت زيادة في المكتبة العربية، ومن أعماله “قاموس المختصرات (إنجليزي – عربي)”، و”الجديد في اللغة العربية”.

قال لنا الأستاذ مظفر عالم ذات مرة، إنه كان مدفوعا بالطموح إلى الانخراط في سلك الخدمات المدنية الهندية أثناء إقامته بجامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي، ولغرض تحقيق طموحه هذا بدأ يستعد كثيرا للدخول في الامتحانات المركزية التنافسية مثل هيئة الخدمات المدنية الهندية المرموقة، ولكن بمشيئة الله لم يتكلل جهده بالنجاح في هذا الامتحان، فعكف على العربية وركز على تقويتها. كان الدكتور كثير المطالعة في مواضيع متنوعة تزيده معرفة وثقافة، وقد ساعدته هذه الدراسة المتأنية لامتحان هيئة الخدمات المدنية في فهم الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما ساعدته في فهم الأدب بحكم الاطلاع على الفلسفات والتيارات والاتجاهات الفكرية، فيمكن القول بأنه كان لاستعداده للامتحان المدني التنافسي  أثرا كبيرا في تكوين فكره وعقلانيته وفهمه للظواهر الاجتماعية والمعطيات الأدبية والمستجدات العصرية.

في سلك الصحافة والتدريس:  

قام الدكتور مظفر عالم بتدريس اللغة العربية وآدابها محاضرا ضيفا بمركز الدراسات العربية والإفريقية بجامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي لسنتين كاملتين في غضون عام 1993م وعام 1994م، كما اشتغل مراسلا وصحفيا بوكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “إرنا” (Islamic Republic News Agency) الإيرانية ثلاثة أعوام يعني منذ عام 1998م إلى عام 2000م. وأثناء عمله في هذه الوكالة أجرى مقابلات واستفسارات شخصية مع جهابذة السياسة والعلم والأدب والثقافة الهنود والإيرانيين.

تم تعيينه كمحاضر (أستاذ مساعد) في الهيكل التدريسي بقسم الدراسات العربية في المعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد عام 2001م، والجدير بالذكر أن كاتب هذه الأسطر قد تلقى دروس الترجمة من العربية إلى الإنجليزية وبالعكس من فضيلته في الفترة الرابعة من الماجستير في هذه الجامعة جامعة السيفل. واشتغل الدكتور أستاذا مشاركا في قسم الدراسات العربية في جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد عام 2009، وتولى منصب الأستاذية في قسم الدراسات العربية بالجامعة نفسها عام 2016م، وهو لا يزال يقوم بواجبه التدريسي والبحثي في القسم الذي أنتمي أنا إليه، بكل شوق وحنين ونشاط وحماس وإخلاص وتفان وبمواظبة ومداومة. يُدرِّس فيه اللغة العربية والأدب الجاهلي والإسلامي شعرا ونثرا والأدب العربي- الهندي والترجمة من العربية إلى الإنكليزية وبالعكس والكتابة الإبداعية والقواعد وما عداها. وأسندت إليه مناصب علمية وإدارية أخرى فتولى عمادة كلية الدراسات العربية والآسيوية بالجامعة، وعمل مراقبا ومأمورا لمهجع طاغور الدولي بالجامعة زهاء عشرة أعوام بصفة مستمرة، واهتم من خلالها بتنسيق الأمور السكنية وصيانة النزل والمحافظة على انضباط صارم بين طلاب النزل وفق النظام والقانون الجامعي.

أعمال الدكتور في مجال الترجمة:

برع الدكتور مظفر عالم في الترجمة العربية والإنكليزية والأردية والهندية وبالعكس، فله دور ملموس وباع طويل في هذا المجال، وهو كاتب محنك وباحث اكاديمي ومترجم قدير، ترجم سيرة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذاتية المسماة بـ “سرد الذات (الحياة المبكرة)” من العربية إلى اللغة الهندية باسم “آتم كتها (پرارمبهك جيون) وتم نشر الطبعة الأولى لهذه الترجمة من منشورات القاسمي، الشارقة، الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر عام 2019م، تحدث المؤلف فيه (كما ضمنها في فهرسة البيانات الوصفية) عن تاريخ الشارقة، والأوضاع السياسية في الإمارات، والتعليم، وتاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، والقومية العربية، وتاريخ الشرق الأوسط في العصر الحديث. ثم ترجم الدكتور مظفر نفسَ الكتاب يعني (“سرد الذات – الحياة المبكرة” للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ) إلى الأردية باسم “آپ بيتي – ابتدائي زندگي”، وتم طبعه من المجلس الوطني للإعلام، الإمارات العربية المتحدة، في عام 1441هج الموافق 2020م. هذا العمل في الحقيقة قصة شاب نشأ على الوطنية وحب الوطن، ووضع أهداف شبابه على مبادئ الوحدة الوطنية، وحتى عندما كانت هناك اختلافات بين القبائل، وترك الناس كل الأصول والمبادئ ورائهم، لقد تمسك هذا الشاب بتلك المبادئ نفسها، ولم تفارق هذه المبادئ قلبه أبدا. ومن هو هذا الشاب؟ هو صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم إمارة الشارقة وعضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 1972م، ونائب رئيس جامعة الشارقة منذ عام 1999م، ويشتغل منصب نائب رئيس الجامعة الأمريكية في الشارقة منذ عام 1997م، كما هو يشغل منصب نائب رئيس الجامعة القاسمية في الشارقة منذ عام 2005م.

وترجم الدكتور مظفر عالم سيرة الأستاذة الجامعية الإماراتية الشيخة مريم الشناصي الذاتية المسماة بـ “مذكرة فارسة عربية” من العربية إلى اللغة الهندية باسم “ايك عرب غورسوارن كي جيفان كتها”، وتم نشر  طبعتها الأولى في يونيو عام 2016م، من جهة ألومني جامعة سري شنكار آشاريا للغة السنسكريتية، المركز الإقليمي: تيرور، مالابورام في ولاية كيرالا، الهند. والكاتبة الدكتورة مريم حسن الشناصي حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة جلاسكو، أسكتلندا، المملكة المتحدة في عام 2002م، وأجرت بحثا في علم الأحياء الدقيقة الغذائي والبيئي من المملكة المتحدة عام 2002م، كما أنها حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الأحياء الدقيقة التطبيقية، وحصلت على جائزة ثاني أفضل بحث بين الطلاب، وهي تشغل حاليا منصب الرئيس التنفيذي لدار الياسمين للنشر والتوزيع في الشارقة.

وللدكتور مظفر عالم بعض الكتب المترجمة من العربية إلى الهندية الأخرى تحت قيد الطبع. وعلاوة على ذلك، ترجم الدكتور عالم العديد من المقالات الإنجليزية إلى اللغة الأردية، وتم نشرها في الجرائد والمجلات، ومنها مقالته المترجمة من الإنجليزية إلى اللغة الأردية بعنوان “اسلام اور تهذيب كا ارتقاء – مسلمان اور كاغذ كي عالمي ترسيل”(4)، والمقالة الإنجليزية كانت للبروفيسور عبد الرحمن مؤمن.

كتب الدكتور مظفر عالم دروسا للدبلوم في اللغة العربية وقام بتنسيق وتخطيط المقرر الدراسي للماجستير على طلب من قسم اللغة العربية بجامعة إنديرا غاندي الوطنية المفتوحة بنيو دلهي، قبل أعوام. وبالإضافة إلى ذلك، له خبرة زائدة في مهنة التعليم والتدريس والتربية والتدريب، فهو مدرس خبير لكل مادة يقوم بتدريسها، وله ما يزيد عن 40 بحثا منشورا في مختلف الجرائد والمجلات، لاتزال تنشر له مقالات بالعربية والإنجليزية والأردية في المجلات المؤقرة الصادرة في الهند، ويشارك في ندوات علمية ويقدم أبحاثه العلمية حول موضوعات شتى. أشرف الدكتور على ما يزيد عن 20 رسالة جامعية. وبالإضافة إلى ذلك، هو لايزال يقوم بعملية التقويم للعديد من أطاريح ما قبل الدكتوراه ورسائل الدكتوراه التي قدمت إليه من الجامعات الهندية المختلفة في حين وآخر. وهو لايزال يلقي محاضرات بموضوعات مخصصة له من جهة الكلية الأكاديمية للأساتذة الموظفين في دورات التنشيط للأساتذة المساعدين الحكوميين، وكذلك هو يشارك في مقابلات لتعيين الأساتذة في أقسام اللغة العربية في الجامعات الهندية المختلفة وفقا للعادة المألوفة للعديد من كبار الأساتذة الجامعيين في الهند.

زار الدكتور العديد من البلدان مثل السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، وتركيا، وأفغانستان كعضو مرافق للوفد الأكاديمي الهندي فطاف البلاد وزار مكتباتها الزاخرة بالتراث العربي وغيره. وللدكتور قدرة كاملة على اللغات العربية والإنكليزية والأردية والهندية كتابة ونطقا وإلقاء محاضرات مع براعته في الفارسية.

ونظرا إلى نبوغه المعرفي وسعة علمه المميز وتمسكه بالمبادئ والأصول وخبرته الموسعة في التعامل الدبلوماسي وإخلاصه للعمل والممارسة وإنسانيته النادرة وجرأته وبسالته تتوثق صلاته بالعلماء والمثقفين والدارسين والدارسات والموظفين والعمال. ولا غنى لنا عن الإشارة إلى أياديه البيضاء في التدريس والتثقيف ونشر العربية وبث الثقافة الأكاديمية وإعادة بناء مسجد فخم بمساعدة النفوس المخلصة الطاهرة في الحي الذي يقطن فيه بحيدرآباد وخدمة المحتاجين عن طريق العطاء المعرفي والإثراء الإعلامي والمشورات المخلصة وتسوية الأمور وتقديم الحلول المناسبة لدى مواجهة المصاعب ومعاناة المشاكل، ويعمل أعمالا خيرية لتكون صدقة جارية له ولأبويه ولأسرته ولذويه ولكل من ينتمي إليه. يتحلى الدكتور بمواصفات الجرأة والبسالة والهمة النادرة لمواجهة القضايا والمشاكل، وإنه لا يتسلم للفواجع والنوازل والأزمات بل يبقى دائما رابط الجأش وعالي الهمم.

والشيء المميز له هو قوة تفكيره وعمق تأمله في شؤون الحياة العملية وقضاياها، ومن عادته أنه يأتي بموضوع جديد عندما يتحدث إلى المجموعة أو الفئة أو الفرد، ويثير النقاش العلمي والتساؤل المجتمعي والطبقي، ويقيم الفرضيات مثلما يقوم بها الباحثون لبحوثهم، ويخوض في الأبعاد الفكرية، ويستطرد في الكلام والمحادثة، ويساهم في إثارة الخطاب التعليمي والثقافي والسياسي والطبقي، ويستنبط من المقدمة مغزى القول، ولذا رأيت أستاذي الشفوق العطوف فضيلة البروفيسور الدكتور محسن عثماني الندوي عميد كلية الدراسات الشرق الأوسطية والأفريقية بجامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد سابقا، مرارا وتكرارا أنه كان عند بقاءه في القسم يرفع إليه أسمى آيات التقدير والتكريم لقوة تفكيره وإصابة رأيه وسعة اطلاعه وعمق درايته واستقصاءه المعلومات الصحفية والأنباء الراهنة، وكان يستصحبه ويستشير منه، وكان يقدمه إلى منصات الملتقيات الثقافية ومنابر المنتديات العلمية، ويحرضه على تسجيل رؤاه وتأملاته في المجلات أو الكتب، وكان يعجب به كثيرا لاطلاعه الواسع على الأنباء المعاصرة الحديثة ووسائل الإعلام المطبعية والإلكترونية سواسية. وقد كتب الأستاذ محسن عثماني الندوي مقالات بموضوع أهل التفكير والتنظير في الهند باللغة الأردية ونشرها في صحيفة “منصف” اليومية الصادرة من حيدرآباد، وذكر في إحدى مقالاته المنشورة في هذه الصحيفة ولا أتذكر تفاصيلها، اسم الدكتور مظفر عالم في قائمة المفكرين الذين يتواصلون في التفكير والتنظير، ويتأملون بمواضيع مبتكرة ولطيفة، ويقومون بتحضير الأفكار والنظريات، ويناقشون عن الحركات والتيارات والاتجاهات التي تسود الزمكانية المعاصرة.

يلعب الدكتور مظفر عالم دورا بارزا في مجال الصحافة أيضا، فهو يساهم مساهمة فعالة في كتابة المقالات في مواضيع حديثة مبتكرة في مجلات عربية صادرة من الهند، ويكتب المقالات حول قضايا علمية وأدبية وثقافية واجتماعية ووضع الترجمة العربية في الهند، وما إلى ذلك. فنظرا إلى أهمية الصحافة العربية في الهند لايزال يساهم مساهمة فعالة في المجال الصحفي أيضا، حيث إنه أصدر أول عدد لمجلة “أقلام واعدة” من المنتدى العربي لطلاب مركز الدراسات العربية بجامعة السيفل (جامعة إيفلو حاليا)، تحت إشراف البروفيسور الدكتور محسن عثماني الندوي عندما تولى الندوي زمام رئاسة مركز الدراسات العربية بالمعهد المركزي للغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، وهذه المجلة السنوية كانت تتضمن مقالات الباحثين الواعدين في مركز الدراسات العربية بجامعة السيفل، وقد تم تدشينها في العام الدراسي 2004-2005م، وأعقاب مرور سنوات أعاد البروفيسور محسن عثماني الندوي إصدار هذه المجلة العربية الأدبية الفصلية المسجلة باسم “أقلام واعدة في الشعر والأدب” منذ عام 2008م عن جمعية خيرية لأساتذة اللغة العربية في الجامعات الهندية بمقرها في حيدرآباد، وكان الأستاذ الندوي رئيس هذه الجمعية، وكانت الدكتورة مَهْ جَبِينْ أخترْ (أستاذة قسم اللغة العربية بالجامعة العثمانية بحيدرآباد سابقا) تساعده في التحرير، وكان يشرف عليها الأستاذ الدكتور محمد اجتباء الندوي صاحب كتاب “التعبير والمحادثة العربية” و”الأمير سيد صديق حسن خان – حياته وآثاره”، وإثر وفاته أشرف عليها الأستاذ سعيد الرحمن الأعظمي الندوي رئيس تحرير مجلة البعث الإسلامي الصادرة من ندوة العلماء بلكناؤ، وتواصلت المجلة الفصلية العربية إلى سنوات عديدة بشكل منتظم، وهي شبه المعطلة منذ سنين، وكانت تهتم بعرض وتقديم الأدب المكتنز والمطبوع بلغات هندية وبالأخص الشعر الأردي والشعراء الأرديين، وكان الدكتور مظفر عالم في هيئتها الإدارية وكان كاتب هذه الأسطر في هيئتها الاستشارية. أصدر أبو عائشة عبد الله ديبانكار كوندو الباحث لرسالة الدكتوراه تحت إشراف البروفيسور مظفر عالم في قسم الدراسات العربية بجامعة إيفلو، حيدرآباد سابقا، مجلة اجتماعية إسلامية فصلية لكل المسلمين باسم “سيرة محمد صلى الله عليه وسلم” (Seerah Muhammad) من جهة دار المرجان، عام 2014م بحكم كونه مؤسس ورئيس التحرير للمجلة، وأسهم الدكتور مظفر عالم في هذه المجلة إسهاما صحفيا كمدير التحرير، والدكتور أبو سمية محمد إدريس القاسمي الندوي (الأستاذ المساعد بجامعة لكناؤ) كسكرتير التحرير والتدقيق اللغوي للمجلة. وحينما تولى الدكتور مظفر عالم منصب عمادة كلية الدراسات العربية والآسيوية بالجامعة فتم تعيينه من جهة نائب رئيس الجامعة، كرئيس تحرير لمجلة إلكترونية سنوية متحدثة عن كلية الدراسات العربية والآسيوية بالجامعة بحيث إنه كان عميدا للكلية، فقام فضيلته بإصدار مجلة إلكترونية، والمجلة كانت تتضمن مقالات قيمة بلغات أجنبية مختلفة.

يحن الدكتور مظفر عالم إلى العمل الجاد المكثف والبحث الدقيق المترامي الأطراف في موضوعات مثل الأدب العربي الهندي ونظام المدارس الدينية الإسلامية في الهند والثقافة الإسلامية في الهند والترجمة من وإلى العربية والإنجليزية والهندية والأردية، فمن إنجازاته أنه يكتب المقالات الضافية في موضوعات طريفة نادرة لا يتناولها الكتّاب إلا شاذا نادرا، وهذه المقالات تكون حافلة بالمعلومات والمعارف من مختلف المناحي التي يتحتم وجودها فيها، كما يحليها بلغة عربية ثرية معاصرة مفعمة بالحياة تساير ركب الزمان وتواكب موكب الحضارة والثقافة الحديثة، وهو يتحمل المشاق ويتكبد العناء الشديد لتدبيج هذه المقالات التي توحي إلى خبرته ودرايته العلمية واطلاعه الواسع في ساحات لا تقتصر بالعربية والدراسات الإسلامية بل تتعدى إلى حقول ومجالات أخرى قلما يتأمل بها المثقفون والأكاديميون في الأقسام العربية بالجامعات. تُسنح له الفرص للحضور في المؤتمرات الدولية والوطنية، وتقوم الجهات الأكاديمية والمؤسسات التعليمية بتوجيه الدعوة إليه لإلقاء المحاضرات وتقديم الورقات في المؤتمرات والملتقيات الثقافية والحضارية والتواصلية باستمرار، ويرفع إلى جنابه أسمى آيات التبجيل والتكريم من قبل المعنيين بالدراسات العلمية والثقافية، وذلك تقديرا لنبوغه العلمي ومعرفته العميقة بالعربية والثقافات الهندية والحضارات العالمية وجهوده المضنية لنشر العربية وتعميمها.

يحظى الدكتور مظفر عالم بشخصية حركية موفورة النشاط والحيوية، يتنقل من مكان إلى مكان آخر، ويلتقي بهذا الأستاذ وذاك المحاضر، ويتحدث إلى هذا الموظف وذاك العامل، وينثر فيما بينهم خزينة معلوماته ودفينة معارفه دون بخل ودون خجل، ويتحرك دائما بالعمل الدؤوب المكثف والذهن المتدفق المتأمل والقلب الحي النابض الثائر، ويبدي ما يراه حقا، ويعبر عما يختلج في صدره من الأفكار والرؤى، ويغضب على ما يكرهه، ويثور على ما يستنكره، ويندد الفساد والفوضى في اتباع الشريعة والنظام والقانون على مستوى المجتمعات الجامعية والوطنية والدولية، ويشجب المكاره والمفاسد الخلقية والاجتماعية والدينية والمدنية السائدة في كل زمان ومكان وفي كل دانٍ وقاصٍ، ولا يسكت على الباطل بل يثور ويحاول دحضه، ولا يصمت لدى الجرائم والمكروهات الداخلية والخارجية، بل يتحدث حديثا لاذعا إلى هذا وذاك قياما وقعودا، ليلا ونهارا، ويتحاور في الشأن الذي يراه جديرا بالحوار، ويجحد للطغيان الذي يطغى الخير والمألوف، ويتمرد للعدوان الذي يرتكبه الطغاة الغاشمون، ويمنعهم من العدوان والطغيان، ويحذرهم من النتائج الحاسمة الوخيمة التي ستتأتّى إلى الوجود في المستقبل، ولا يخاف لومة لائم، ولا يبالي بشكوى أحد.

وهو مثال يتقلل نظيره لحرية الفكر والحس المرهف، ومن عادته المألوفة أنه يتحدث عن موقفه بكل صراحة وبدون خجل، ويناقش رفاقه وزملاءه وتلاميذه وأهل علم ومعرفة في قضايا معاصرة ساخنة تتصل بالسياسة والدبلوماسية والاجتماع والاقتصاد والعلم والمعلومات وما إلى ذلك من الموضوعات، ويحلل الموضوع بدقة، وفي ضوء المستدلات التي يصعب لمخاطبيه أن يرفضوها على الإطلاق، ويشرح العلل والأسباب والمكونات والمؤشرات التي لا يرتابها المتشكك والمنتحل، ويفسر خلفيتها وخباياها المكنونة التي لا يدركها العقل العادي والذهن الساذج البسيط، ويتأكد في تناول هذه التفسيرات والتأويلات بشدة بالغة وبإيقان وإيمان زائد وحتى يتخيل السامع بأنه كان أخطأ عندما انخرط في سلك التدريس، وكان من اللزام الأكيد عليه أن يختار مهنة المحاماة أو القضاء الجنائي أو يلتحق بإحدى الوكالات المخابراتية.

نرى الدكتور مظفر عالم دوما أنه يسعى أن يُشرف بطريقة منهجية على بحوث الماجستير وأطاريح الماجستير في الفلسفة (وهي ممنوعة الآن من قبل المجلس الأعلى للجامعات) ورسائل الدكتوراه والمفوضات البحثية التي يقدمها الباحثون إليه، بدقة وتفان وإخلاص، ويقرأ ورقات الباحثين من البداية إلى النهاية حرفا بحرف وسطرا بسطر، وبصبر موفور وتحمل كبير، ويشير على الباحث إشارة صريحة في مواقع خاطئة، ويطلب منه بـإلحاحٍ العملَ الجاد المكثف في الإعداد والتقديم. لا يصفح عنه ولا يتغاضى عنه إذا ما يشهد نقصا علميا في بحثه، ويطلع على معايب منهجية أو يرى شيئا في بحثه لا يليق به، بل يغضب عليه ويضجره حتى يقوم الباحث بإصلاح أخطاءه وتقويم مواده وهوامشه ومراجعه حسب المنهج البحثي، كما هو يحاول أن يعقد اجتماع اللجنات الاستشارية مع زملائه الآخرين لدراسة أعمال الباحثين والباحثات وتقويمها والإشارة عليهم بما يليق بهم في إجراء عملية البحث والتنقيب. ولا يهدف إلى هذا إلا رفع مستوى الباحثين الأكاديمي وإيجاد الجو الدراسي والبيئة البحثية والمزاج الإبداعي في نفوسهم وطبيعتهم.

ولابد من الإشارة إلى نقطة مهمة تشير إلى طبيعته ومزاجه وهو أن الدكتور بسيط، يحب البساطة في المعيشة والملبس، وهو حر طليق في الحديث والكلام، ومرتجل في المحادثة والتعبير، لا يتصنع ولا يتكلف، لا يتشدق ولا يتلعثم، بل يخوض في غمار الحديث مازحا وضاحكا، مستهزءا وساخرا، جادا وفكاهيا، غاضبا وثائرا، وكلما يستهدف أحدا ما من خلال لسانه العنيف العنيد فلا ينقطع به، ولا يبتعد عنه، ولا يبقى غضبان أسفا، بل يتصل به ويخالطه ويجالسه ويعاشره كالإخوان.

الدكتور مظفر عالم يمثل – فيما اعتقد – عقلية الأساتذة اليساريين البارزين في الهند، ونظرا إلى فقر المجتمع واستغلاله السائد في أطرافه تأثر بالأيديولوجيات اليسارية، وانحاز إليها وجاهد ولايزال يجاهد في سبيلها. عندما جاء الدكتور إلى “جامعه رحماني” (الجامعة الرحمانية) بمونغير طالبا، وبمرور الأعوام خاض بنوع من السياسة الطلابية فيها، وعارض العديد من القضايا الطلابية التي كان يواجهها هو وزملاءه الضعفاء من قبل بعض الأساتذة، وقاد الطلاب في هذه الأمور التعليمية والسكنية، وكان له خلافات مع بعض الأساتذة فيها، فإنه قرر عدم المواصلة للدراسة فيها بعد أن أكمل المستوى الثالث من اللغة العربية والدراسات الإسلامية. وعندما جاء إلى جامعة جواهر لال نهرو بنيو دلهي فانضم فيها إلى الأحزاب السياسية للطلاب، وقام بالمظاهرات والاحتجاجات الحاسمة لتنفيذ طلبات الطلاب والطالبات وحقوقهم، وكان عضوا مهما لجهود الطلاب والطالبات الاحتجاجية في جامعة جواهر لال نهرو بين أعوام 1990 – 1998. رغم أنه يعيش حياة رغدة – ولله الحمد أولا وآخرا – هو بحكم طبيعته ضد الإقطاعية وتمركز الممتلكات والعقارات بأيادي أشخاص، ولذا كان نضاله طبعا ضد النظام الرأسمالي وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية أيضا، وهو يشارك هذا النضال كل حين وآن بكلماته التي توحي إلى انحيازه نحو الطبقة اليسارية، وكانت نشاطاته التعليمية والبحثية في الجامعة تحذو حذو النعل بالنعل. وكل من له إلمام بشؤونه وكلامه، يعرف جيدا أنه يتفكر دائما في قضايا الشباب البطالين والعاطلين عن العمل كثيرا، ويخطط للقيام بتوظيفهم، وكلما رأى طالبا شابا حصل على درجة فائقة بكفاءته وسعيه فإنه يحاول بجدية لتوظيفه عن طريق توصياته القوية عند اللزام في حين، وعن طريق الإشراف والإرشاد والتخطيط له في حين آخر. والأمر الغريب هو أن كتاباته تخلو بصفة العموم من انعكاسات عقلية الطبقة اليسارية، فمن الممكن أن يقال إنه قد يتطرف في السياسة المنطوقة ويعتدل في الأدب المكتوب.

مؤلفات الأستاذ مظفر عالم:

قد صدر للدكتور مظفر عالم مؤلَّف بالعربية باسم “المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم”، ومؤلَّف بالإنجليزية باسم  Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  (إسهامات العلماء الهندوس في تنمية اللغة العربية وآدابها في الهند). وفيما يلي دراسة لهذين الكتابين بنوع من التفصيل.

المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم:

ألف البروفيسور مظفر عالم كتابه القيم الضخم المترامي الأطراف والمتضارب الأشكال باسم “المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم” (Madrasas in India: Prospect & Retrospect) ، وقامت جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد، الهند بطبعها عام 2010م / 1431هج. والكتاب يتضمن على 433 صفحة من الحجم الكبير، كما هو مزدان بتقديم فضيلة الأستاذ الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي مدير دار العلوم لندوة العلماء بلكناؤ. يتناول الكتاب الذي هو بين أيدينا وجهة عامة للمدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم، وهو كما يقول فضيلة الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي:

“ولا ريب أن هذا البحث المترامي الأطراف والمتضارب الأشكال يشمل تاريخ المسلمين الهنود التعليمي، ومنهجهم التربوي الذي استغرق أكثر من ألف قرن، قد يكاد من المستحيل لباحث أن يحيط مثل هذا الموضوع الممتد إلى مساحة زمانية ومكانية واسعة، ولكن الباحث الموفق بذل سعيه المشكور في تحقيق إحاطة الموضوع في سفر واحد”.(5)

عالج سعادة الدكتور هذا الموضوع بالحديث عن تاريخ الهند، والتعريف عن سكانها البدائيين الأصليين، ولغاتها، ودياناتها، كما تحدث عن دخول المسلمين العرب، والأجناس الأخرى من بعدهم من الأفغان، والفرس، والمغول. واستعرض ظهور المدارس، ونشاطاتها الفعالة، وتأثيرها العميق، ومكانتها المرموقة، ومجهوداتها الجبارة بمراحلها التاريخية استعراضا شموليا. وقد استعرض المؤلف البارع المقررات الدراسية للعلوم الدينية ببسط وتفصيل، وزودنا بالمعلومات عن التطورات التي مرت بها المعاهد الدينية عصرا بعد عصر، ومرحلة بعد مرحلة.

يقول المؤلف عن هذه الدراسة بعنوان “بين يدي الكتاب”:

“إن هذا الكتاب الذي نحن بصدد ذكره يشتمل على ستة أبواب متضمنا المباحث الفرعية التي تدور حول الموضوع في شكل من الأشكال، يتحدث عن المناخ والسكان واللغات والديانات في الهند، كما يتحدث عن إقبال المسلمين عليها، والذين ينتمون إلى عرقيات متنوعة مثل العرب والأتراك والأفغان والمغول، والمناقشة حول نشأة المدارس في الهند وأماكن التعليم قبل وبعد ظهور المدارس في العالم الإسلامي والأبعاد المالية للمدارس الهندية ومميزاتها احتلت مكانة مميزة بين المباحث الأخرى للموضوع. لقد بذلت الجهود القصوى لإضاءة الأهداف والغايات للمدارس التي تغيرت بمرور الزمن، كما حاولت استعراض المدارس في المراحل التاريخية المختلفة من حيث قيامها في الربوع المتنوعة للبلاد. وتم إضاءة المقررات الدراسية في العصور المختلفة، واحتلت الآراء المتضاربة للعلماء والمثقفين عن المدارس الإسلامية مكانة عالية في هذه الجهود المتواضعة، ونهائيا توفرت الاستجابة عن القضايا الهامة التي برزت في القرن العشرين”(6).

لم يترك المؤلف قراءه الكرام في ظلام وجهل عن المباحث المهمة التي لم يتناولها في هذا البحث العلمي القيم والدراسة الشاملة التاريخية بل إنه أثار التساؤلات بنفسه وصرح بكل موضوعية أنه لم يخض في خضم مباحث كذا وكذا. وهو يقول في هذا الشأن:

“وتجدر الإشارة بأن هذا الكتاب سعى لإحاطة المراكز التعليمية للبنين ولم يتلمس مدارس البنات التي تنتشر في مشارق البلاد ومغاربها، كذلك لم أتحدث عن النظام المدرسي في ولاية كيرالا لأنه يختلف عن النظام المدرسي في سائر البلاد ويحتاج إلى كتاب مستقل، كذلك لم أتمكن من مناقشة معلومات مفصلة عن المدارس الإسلامية في جنوب الهند, لأن الكتاب الذي نحن بصدد ذكره لا يحصي ولا يستعرض جميع المدارس في البلاد إما في الشمال أو في الجنوب”(7).

وفي نهاية المطاف عرض المؤلف، الخلافات والآراء المتضاربة التي أدت المسلمين إلى التعددية في المنهج التعليمي في الهند، وحاول إبراز الفكر عن الاتجاهات المختلفة والتيارات المتبائنة، وعن أعلامها ونبغاءها بدقة، وأسلوب رزين موضوعي، كما عالج قضية بالغة الخطورة وهي “المدارس الإسلامية في الهند والدعاية المكثفة ضدها “. وهو يقول في نهاية هذا المبحث:

“إن كيان المدارس الإسلامية في الهند نعمة عظمى للفئات الضعيفة من بين أهالي البلاد، وهذا أمر يؤسفني ويؤسف كل من له قلب سليم وذهن محايد وفكر ناضج أن المدارس الإسلامية رغم خدماتها المجانية صارت عرضة للمؤامرات من قبل الحكومة وأربابها”(8).

وهو يقرر رؤيته الإيجابية الصريحة نحو المدارس الدينية الإسلامية في توطئة الكتاب بعنوان “بين يدي الكتاب” قائلا:

“وبادئ ذي بدء نقول إن المدارس الإسلامية في الهند لا تزال تقاوم العقائد الباطلة والأفكار الخاطئة والقوات الاستبدادية الطاغية وحمل خريجوها لواء القلم وجاهدوا في شتى ميادين الفكر وحافظوا على التراث الإسلامي”(9).

إسهامات العلماء الهندوس في تنمية اللغة العربية وآدابها في الهند :

ألف الدكتور مظفر عالم كتابا عن إسهامات العلماء الهندوس في تنمية اللغة العربية وآدابها في الهند باللغة الإنجليزية باسم  Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India تحت مشروع المجلس الأعلى للجامعات (التابعة لحكومة الهند)، واهتمت جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية بحيدرآباد (الهند) بطبعه ونشره عام 2010م. يحتوي الكتاب على 140 صفحة. زادت المقدمة على الكتاب لسعادة السيد بارميندر س. بوجال رئيس قسم العلوم السياسية على مستوى الماجستير، كلية آريا، لوديانا من قيمته الأكاديمية. والكتاب يتضمن المحتويات المتعددة مثل المقدمة وكلمة المؤلف واعتراف وتقدير في مستهله، ومن بعد ينقسم الكتاب إلى خمسة مباحث سميت بالأقسام، فالقسم الأول بعنوان التفاعل الثقافي بين الهند والعرب، والقسم الثاني بعنوان إلمام الهندوس باللغة العربية، والقسم الثالث يعطي القراء أدلة إلمام الهندوس الكتابية باللغة العربية، والقسم الرابع يناقش عن العربية وآريا ساماج (منظمة هندوسية)، والقسم الخامس يتناول موضوع “مؤلفات الهندوس في موضوع القرآن الكريم”، وفي منتهى الكتاب يأتي المؤلف بقائمة المراجع والمصادر التي استقى منها العلوم والمعارف والمستدلات لتأليف هذا الكتاب الفريد من نوعه.

وبمتابعة مباحث الكتاب نتوصل إلى حقائق ثابتة ونستخلصها بأن الإنسان منذ أن بدأ يعيش حياة مستقرة ونشأت حضارات وثقافات ولغات مختلفة، انجذب الرجال دائمًا نحو ألغاز الحضارات الأخرى وبذلوا جهودًا هائلة للحصول على المعرفة وكشف أسرارها. في العصور الماضية، كانت هذه مهمة صعبة، ولكن تم تنفيذها بدقة من قبل رجال يتمتعون بالعزم والتصميم الذين سافروا إلى أجزاء مختلفة من العالم متحدين العديد من المخاطر والمصاعب الأخرى. لكن هذه كانت بخلاف ذلك عملية جميلة غالبًا ما بلغت ذروتها في التقاء رائع بين الثقافة والإبداع. إذا نظرنا إلى الوراء إلى المسار الطويل لمثل هذه الالتقاءات الثقافية، فسنجد تشابكًا جميلاً، مما ينتج لغات غنية (مثل الأردية)، وتحمل المعرفة من حضارة إلى أخرى، وما إلى ذلك، وبالتالي إثراء التراث المركب للبشرية.

وإذا نتقدم في تتبع الصفحات لهذا العمل الجيد الذي قام به الدكتور مظفر عالم فنجد أن هذه التفاعلات التي استمرت قرونًا بين الثقافتين العربية والهندية أنتجت أيضًا العديدَ من الإبداعات الأدبية الجميلة. كان العرب رُوّادًا في مجالات علم الفلك والرياضيات والهندسة والملاحة والجغرافيا والطب والعمارة والأدب والفلسفة، وقد حصل العرب الأوائل أنفسهم على الكثير من النصوص اليونانية القديمة. وفي وقت مبكر من عام 762 م، أنشأوا مكتبة في بغداد مع فريق من المترجمين أطلقوا عليها اسم “بيت الحكمة”. لقد حل العرب محل اليونانية كلغة عالمية للبحث العلمي، وهناك الكثير مما يمكننا نحن الهنود أن نتعلمه من التجربة العربية. كانت لدينا أيضًا حضارة قديمة لها أدبها وفلسفتها وفنها وهندستها المعمارية وأدويتها ورياضياتها وعلم الفلك وما إلى ذلك. ومثل العرب، أصبح تعلمنا ثابتًا، لذا فقد خسرنا نحن أيضاً أمام الغرب. في الواقع، ساعدت التفاعلات الهندية العربية بشكل كبير في إثراء اللغات والثقافات المعنية.

أرض الهند خصبة للثقافة المركبة منذ القدم، وقد أثرى الإسلام الثقافة الهندية بأنواع شتى وفي مجالات الفن والهندسة المعمارية والمطبخ والملابس والدين والفسلفة، وفي هذا السياق كان تأثير العرب والأتراك والأفغان والفرس بارزا للغاية في الثقافة الهندية. على الرغم من أن اللغة العربية لم تكن لغة رسمية في الهند، ولكن الروابط التجارية مع العالم العربي أعطتها أهمية محتمة من قبل المسلمين العرب وغير المسلمين الهنود. يقول المؤلف:

“Since antiquity, India has been conducive to composite culture. The advent of Islam in the sub-continent enriched Indian culture and promoted intellectual exchange between the Hindus and the Muslims and encouraged them to borrow from each other’s traditions for centuries. The syncretism was not only observed in the field of art, architecture, cuisine or clothes but also in the realm of religion and philosophy.

The influence of Arabs, Turks, Afghans and the Persians has been very much prominent in our Indian culture. Similarly, influences of India is well pronounced in the entire day to day life of the Indian Muslim and the Muslim world especially in the Arab land due to intellectual and commercial transactions between them over the centuries.

Prior to conquest of Sind by the Arabs, Indians were familiar with the Arabic language due to their trade links with the Arab world. During the Delhi Sultanate and the Mughal rule, though Persian was the official language in India, nonetheless, Arabic was given due importance by the Muslims (Arabs) and the non-Muslims (Indians) for the better understanding of their religions”(10).

(الترجمة: “منذ العصور القديمة، كانت الهند مواتية للثقافة المركبة، وظهور الإسلام في شبه القارة الهندية قد أدى إلى إثراء الثقافة الهندية وتعزيز التبادل الفكري بين الهندوس والمسلمين وشجعهم على الاقتراض من تقاليد بعضهم البعض لعدة قرون. لم يقتصر التوفيق بين المعتقدات في مجال الفن أو الهندسة المعمارية أو المطبخ أو الملابس فحسب، بل امتد إلى مجال الدين والفلسفة.

لم يزل تأثير العرب والأتراك والأفغان والفرس بارزًا جدًا في ثقافتنا الهندية. وبالمثل، تجلت تأثيرات الهند واضحة بشكل جيد في الحياة اليومية للمسلمين الهنود والعالم الإسلامي وخاصة في الأراضي العربية بفضل المعاملات الفكرية والتجارية بينهما على مر القرون.

قبل قدوم العرب إلى السند، كان الهنود على دراية باللغة العربية بسبب روابطهم التجارية مع العالم العربي. وعلى الرغم من أن اللغة الفارسية ظلت لغة رسمية إبان الحكم الإسلامي في الهند، إلا أن اللغة العربية احتلت أهمية بالغة عند المسلمين (العرب) وغير المسلمين (الهنود) لفهم دياناتهم بشكل أفضل”).

ويقوم سعادة السيد بارميندر س. بوجال رئيس ب. ج. قسم العلوم السياسية بكلية آريا في لوديانا بذكر اهتمام العلماء الهنود بالروحانية الإسلامية والكتابات اللاهوتية والثقافة العربية والتفاعل الهندي العربي في مقدمته للكتاب، وهو يقول:

“This work on Indian writers of Arabic Language by Dr. Muzzaffar Alam makes an interesting reading about the various writings of Indian scholars of Arabic Languages. It appears that much interest has been shown about the Islamic spiritualism and theological writings by these scholars. There is however much more in Arabic culture than Islam and I have the feeling that this has not attracted much of the attention of Indian enthusiasts of Arabic Language. Despite this gap the significance of Arabian studies and writings upon modern Indian thinkers and scholars has still been very significant. The author has clearly delved about Raja Ram Mohan Roy and several of his contemporary Bengali social elite’s love for Arabic Language and the influence of Arabic writings on their thought process. It was these very elites from whom began the process of modernity in India. This in turn initiated a process of awakening which further resulted in India getting up to re-establish its lost identity and finally regained its lost political independence. It is expected that Dr. Alam will undertake more extensive studies about this Indo Arabic interaction in future and enthrall us about larger secular dimensions of this interactions”(11).

(الترجمة: “قدم هذا العمل عن كتاب اللغة العربية الهنود للدكتور مظفر عالم قراءة مثيرة للاهتمام حول الكتابات المتنوعة لعلماء اللغة العربية الهنود. ويبدو أن هؤلاء العلماء قد أبدوا اهتمامًا كبيرًا بالروحانية الإسلامية والكتابات اللاهوتية. الثقافة العربية أكثر بكثير من الإسلام، ولدي شعور بأن اللغة لم تجذب الكثير من اهتمام الهنود المتحمسين، مع أن أهمية الدراسات والكتابات العربية لدى المفكرين والعلماء الهنود المعاصرين لا تزال مهمة للغاية. لقد بحث المؤلف بوضوح عن راجا رام موهان رائ والعديد من النخبة الاجتماعية البنغالية المعاصرة التي شغفت اللغة العربية وتأثير الكتابات العربية واضحة على عملية تفكيرهم. وعملية الحداثة بدأت من هذه النخب ذاتها في الهند، والتي أدت بدورها إلى عملية صحوة متجهة إلى قيام الهند بإعادة تأسيس هويتها المفقودة واستعادة استقلالها السياسي المفقود في النهاية. ومن المتوقع أن يقوم الدكتور عالم بـإجراء دراسات أكثر شمولاً حول هذا التفاعل الهندي العربي في المستقبل، ولا تفوت الأبعاد العلمانية الأكبر من هذا التفاعل”.)

ونظرا إلى مواصلة غير المسلمين في الهند بعد الاستقلال اهتمامهم بتعلم اللغة العربية، انعقدت دورات اللغة العربية في مؤسسات مختلفة في الهند لغير المسلمين المهتمين بها. وفي هذا السياق يقول المؤلف في كتابه:

“Under the British rule when culture was redefined and Western Education was promoted at the cost of oriental learning, the intellectual exchange between the Arabs and the Indians became extremely slow and gradually came to a grinding halt.

However, in India after independence the non-Muslims continued their interest in learning Arabie to retell the exotic tales of medieval rulers who ruled over the sandy deserts of Arabia in Hindi, Bengali, Urdu and other Indian languages. Arabic courses in various institutions of India have been introduced to the non-Muslims who are interested to learn the language and literature. Arabic is one of the most popular subjects in modern India particularly among the defense personnel to realize their professional aims and objectives. Petro-dollar dreams also turn into reality through learning this language. The options to work in call centers in corporate India and also in the tourism industry are also realized through the fabulous language of the Arabian Nights”(12).

(الترجمة: “وفي ظل الحكم البريطاني، لما وصفت الثقافة من جديد وتم ترويج التعليم الغربي على حساب التعليم الشرقي، أصبحت مسيرة التبادل الفكري بين العرب والهنود بطيئة للغاية وتوقفت تدريجيًا.

ومع ذلك، واصل غير المسلمين اهتمامهم بتعلم اللغة العربية في الهند المستقلة لإعادة سرد الحكايات الغريبة لحكام العصور الوسطى الذين حكموا الصحارى الرملية في شبه الجزيرة العربية باللغات الهندية والبنغالية والأردية وغيرها من اللغات الهندية. وانعقدت دورات اللغة العربية في مؤسسات مختلفة في الهند لغير المسلمين المهتمين بها. اللغة العربية أصبحت مادة مفضلة وشعبية في الهند الحديثة وخاصة بين أفراد الدفاع لتحقيق أهدافهم وغاياتهم المهنية. كما حولت أحلام البترودولار إلى واقع من خلال تعلم هذه اللغة. وفتحت أبواب العمل في مراكز الاتصال في الشركات الهندية وأيضًا في صناعة السياحة من خلال اللغة الرائعة للألف ليلة وليلة.”)

وفي نهاية المطاف، يعني في الصفحة الأخيرة من الكتاب يبرز المؤلف رأيه عن اهتمام غير المسلمين باللغة العربية بثقة تامة، وهو يقول في هذا الصدد:

“From the description given in the book it is evident that India, right from antiquity had been the cradle for composite culture and communal amity. Knowledge was not the property of any faith. People across their faith used to learn all disciplines without ascribing them to any religion. Until the advent of the British, non-Muslims received their education in madrasas (Islamic religious seminaries). Composite culture was the dominant culture in India, particularly at the level of the masses. But with the advent of the British rule in 19th century the composite culture was replaced by the culture of clash and confrontation among various communities of India. The quest for distinct identity was initiated by the elites of both the communities i.e. the Hindu and the Muslim communities.

With the partition of India in 1947 the politics of cultural confrontation initiated by the British got further strengthened. Today, the Hindus in India seldom learn Arabic or Islamic studies. Their purpose of learning Arabic or Islamic studies has also sharply changed. From academic it has shifted to petro-dollar”(13).

)الترجمة: “يتضح من الوصف الوارد في الكتاب أن الهند، منذ العصور القديمة، لم تزل مهدًا للثقافة المركبة والوئام المجتمعي. ولم تكن المعرفة ملكا لأي دين. اعتاد الناس على اختلاف معتقداتهم أن يتعلموا جميع التخصصات دون أن ينسبوها إلى أي دين. حتى بعد استيلاء البريطانيين على البلاد، تلقى غير المسلمين تعليمهم في المدارس (المعاهد الدينية الإسلامية). وظلت الثقافة المركبة ثقافة سائدة في الهند، خاصة على مستوى الجماهير. ولكن مع قدوم الحكم البريطاني في القرن التاسع عشر، استبدلت الثقافة المركبة بثقافة الصدام والمواجهة بين المجتمعات المختلفة في الهند. والبحث عن هوية متميزة قد بدأ من قبل النخب في كلا المجتمعين، أي المجتمعات الهندوسية والمسلمة.

ومع تقسيم الوطن عام 1947، تعززت سياسة المواجهة الثقافية التي بدأها البريطانيون. اليوم، لا يتعلم الهندوس الدراسات العربية أو الإسلامية إلا قليلا نادرا. كما تغير غرضهم من تعلم اللغة العربية أو الدراسات الإسلامية بشكل حاد. فهو تحول من الأكاديمي إلى البترو– دولار(“.

يوضح المؤلف في كلمته التي دبجها في ديباجة الكتاب بأن الدراسة الحالية تقتصر على شمال الهند وليس جنوبها، وأن الكلمة “الهندوسية” المستخدمة في عنوان الكتاب تشمل جميع الديانات الموجودة ذات الأصل الهندي. ومن ثم ذكر المؤلف أهدافه من اختيار هذا الموضوع للبحث والتنقيب، وهو يقول:

“The present study is confined to north India rather than south as my knowledge about southern region is extremely limited. I admit the fact that the south of India particularly the Malabar region is more conducive to Arabic studies than the north.

The word, Hindu used in the title of the book includes all the existing faiths of Indian origin and India is used in the sense to embrace the entire Indian subcontinent or South Asia. The work aims at promoting amity and friendship amongst various communities of South Asia and I wish it may open new vistas for the scholars in India and the Arab world to undertake new researches in this field. This work is a first step towards understanding of Arabic by the non Arabs of India”(14).

(الترجمة: تقتصر الدراسة الحالية على شمال الهند وليس جنوبها حيث أن معرفتي بالمنطقة الجنوبية محدودة للغاية. أعترف بحقيقة أن جنوب الهند، وخاصة منطقة مالابار، ملاءمة للدراسات العربية أكثر من الشمال.

الكلمة “الهندوسية” المستخدمة في عنوان الكتاب تشمل جميع الديانات الموجودة ذات الأصل الهندي، والهند استخدمت بمعنى احتضان كامل شبه القارة الهندية أو جنوب آسيا. ويهدف العمل إلى تعزيز المودة والصداقة بين مختلف المجتمعات في جنوب آسيا، وأتمنى أن يفتح آفاقا جديدة للعلماء في الهند والعالم العربي لإجراء أبحاث جديدة في هذا المجال. يعد هذا العمل خطوة أولى نحو فهم اللغة العربية من قبل غير العرب في الهند).

الخاتمة:

لقد اتضح لنا مما سبق أن الدكتور مظفر عالم لايزال يلعب دورا رياديا في النهوض باللغة العربية في الهند من خلال التدريس وإلقاء المحاضرات والتأليف والترجمة والبحث وتنمية الدراسات الثقافية والحضارة الإسلامية والصحافة العربية. وختاما فلا مناص من القول بأن هذه القراءة السريعة لجهود البروفيسور الدكتور مظفر عالم في تنمية اللغة العربية ونشر المعارف العربية والتعريف بالثقافة العربية والمدارس الدينية الإسلامية في الهند وإبراز إسهامات العلماء الهندوس  في تنمية اللغة العربية في الهند ونقل الثقافة العربية من خلال الترجمة إلى اللغة الهندية الرسمية واللغة الأردية لا تفي الرجل حقه اللائق، لكن حسبها أن تمثل إضاءة وجيزة ضمن إضاءات كثيرة حاولت أن تُلم بطرف من هذه الجهود المباركة.

الهوامش

  1. للدكتور مظفر عالم مقالة بعنوان “بتنا (Patna) مدينة الأعلام والمعالم”، مجلة ثقافة الهند، العدد الرابع، المجلد السابع والخمسون، عام 2006م.
  2. ألف الدكتور محمد صباء الهدى صبا كتابا باسم “مولانا سيد محمد شمس الحق- حيات اور علمي و ادبي خدمات”( مولانا سيد محمد شمس الحق- حياته وخدماته العلمية والأدبية)، عام 2011م، في 271 صفحة، ونشره حاجي رمضان علي جيريتبل ترست، كولكاتا.
  3. ألف مولانا شمس تبريز القاسمي كتابا عن حياته وأعماله باسم “علمي فكري اجتهادي تدريسي انتظامي اور ميدان حديث و فقه كي عبقري شخصيت حضرت مولانا زبير أحمد قاسمي”، وقام بنشره “ابناۓ قديم جامعه عربيه أشرف العلوم، كنهوان، دلهي.
  4. البروفيسور عبد الرحمن مؤمن: اسلام اور تهذيب كا ارتقاء – مسلمان اور كاغذ كي عالمي ترسيل، مجلة “مطالعات” العلمية والفكرية والأدبية، الأردية الفصلية الصادرة عن معهد الدراسات الموضوعية بنيو دلهي،المجلد 12، العدد 2، أبريل – يونيو عام 2017م، ص 17 – 30.
  5. الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي: تقديم الكتاب لـ “المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم” للدكتور مظفر عالم، ص 5.
  6. الدكتور مظفر عالم، بين يدي الكتاب، المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم، ص 11.
  7. الدكتور مظفر عالم، بين يدي الكتاب، المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم، ص 11.
  8. الدكتور مظفر عالم، بين يدي الكتاب، المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم، ص 11.
  9. الدكتور مظفر عالم، بين يدي الكتاب، المدارس الإسلامية في الهند بين الأمس واليوم، ص 10.
  10. الدكتور مظفر عالم: الديباجة من كتاب Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  ، حيدرآباد، جامعة اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، الطبعة الأولى 2010م، ص 9.
  11. بارميندر س. بوجال: المقدمة من كتاب Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  ، ص 6 – 7.
  12. الدكتور مظفر عالم: الديباجة من كتاب Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  ، ص 9 – 10.
  13. الدكتور مظفر عالم: الديباجة من كتاب Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  ، ص 135 – 136.
  14. الدكتور مظفر عالم: الديباجة من كتاب Contribution of Hindu Scholars to Arabic Language and Literature in India  ، ص 10 – 11.

********************