الدكتور معراج أحمد معراج الندوي
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند
merajjnu@gmail.com
Abstract:
Literature represents the culture and tradition of a language or a people. Literature is a pellucid mirror that reflects the reality of life, society and the universe. The term “Islamic literature” consists of two fundamental components, “Islamic‟ and “literature‟. The literature that includes the ideology and ethics which Islam wants to establish and spread to the nation is called Islamic literature. Islamic literature doesn’t include only religious subjects; rather it is more generic and comprehensive. Islamic literature deals with the features of all aspects of Islam. It is not confined in person, group or nation as well as place or time, but represents a clear appeal for the whole humanity forever. Islamic literature is an influential beautiful expression emanated from a faithful personality, an interpreter for human, life and the universe in accordance with the principles of Islam. This paper is a humble attempt to explore the definition of Islamic literature conforming Islamic teachings and principles, the study also examine the nature and scope of Islamic literature that has no boundary of language, race and territory.
ملخص البحث:
الاتجاه الإسلامي من أهم النظريات الأدبية والنقدية التي ظهرت في القرن العشرين، وهو في الحقيقة امتداد طبيعي للأدب الإسلامي القديم والحديث. تبلورت الاتجاهات الإسلامية المعاصرة في الساحة الثقافية العربية بعد أن تزايد الاهتمام بالفلسفات التشكيكية كالوجودية والتفكيكية والماركسية والبنيوية. قد أصبحت النظرية الإسلامية المعاصرة اليوم بديلا حضاريا، وحلا ناجعا لجميع المشاكل التي يواجها الأدب بصفة عامة، والفن والجمال بصفة خاصة. وقد استطاعت النظرية الإسلامية المعاصرة أن تفرض وجودها بشَكل من الأشكال في الساحة الثقافية الأدبية والنقدية العربية في الوقت الذي تزدحم فيه النظريات الأدبية وتتفاوض بشكل كبير شرقا وغربا. الأدب الإسلامي هو التعبير الجميل عن حقائق الوجود،من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود. فهو تعبير ينبع من التصور الإسلامي للخالق عز وجل ومخلوقاته ولا يجافي القيم الإسلامية. فالأدب الإسلامي ليس عبثيا، فليست الحياة والوجود والقدر والولادة والموت عبثا لأن الأدب عند دعاة الأدب الإسلامي لا يمكن أن يكون بلا غاية ولا أن يكون هدفاً لذاته كما لا يقبلون أن يصبح الأدب فناً لفن. يعرض الأدب الإسلامي صورة الإنسان من جميع جوانبها المادية والمعنوية ويصورها بكل قيمها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية. يستهدف هذا البحث إبراز خصائص الأدب الإسلامي ومميزاته وأثره وتأثيره في الإتجاهات الأدبية الأخرى والنظريات النقدية الحديثة.
الكلمات الرئيسية: الأدب الإسلامي، الكلاسكية، والواقعية، الرومانسية، الوجودية، الالتزام،الشمولية
مدخل:
شهد العالم في العصر الحديث أحداثا كثيرة في الفكر والأدب. وهذا بسبب ظهور المذاهب الأدبية أمثال الكلاسيكية والرومانتيكية والرمزية والوجودية. حاولت بعض هذه المذاهب أن تغير الفضائل وتطمس معالهما وآمنت بأن الشر هو الأصل في الحياة، وجعلت بعضها الآخر الآلام والمآسي أساس الحياة. لقد كان تأثير المذاهب الوافدة علي الأدب العربي سلبيا في كثير من النواحي. إذ سار الأدب العربي في ركاب الآداب الأخرى وصور أدباءنا أنماطاً شاذة ومنحرفة من البشر ليس لها وجود في عالمنا وذلك بسبب التأثير بهذه الأنماط الشاذة التي يمتلئ بها المجتمع الغربي والمألوفة لديهم. فعندما رأى المفكرون الإسلاميون أن التيارات الفكرية الخطرة توشك أن تقتلع الفكر الإسلامي الأصيل تنادوا إلى الأدب الإسلامي. يرتكز الأدب الإسلامي على تصور إسلامي في الأدب والفن لمواجهة المذاهب الأدبية الوافدة. يعد الأدب الإسلامي نشاطا جميلا قائما مستوى الإبداع والتنظير والنقد، وقد اهتم به الكثير من النقاد والدارسين، وذلك لأهمية البالغة في العصر الحاضر. الأدب الإسلامي عنصر من عناصر الحضارة الإسلامية، ولسان من ألسنة الدعوة الإسلامية، إنه التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون الإنسان وفق تصور الإسلامي. تزداد أهميته في حين تجري المناقشة في الاوساط الأوساط العلمية والأدبية حول تعيين وظيفة الأدب ودوره في تثقيف الناس وتهذيب العقول.
مفهوم الأدب الإسلامي:
الأدب الإسلامي نغمة من روح الله تبعث الرحمة والسكينة والمودة، والصفاء بين الناس. وهو بهذا لا يكاد يتصل بسبب قوي إلى ما يريده دعاة الأدب الإسلامي اليوم. والأدب الإسلامي كما يرى الأ ستاذ سيد قطب “تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان”[1] و “تعبير عن تجربة شعورية في صور موحية”[2] ثم يعرف الأدب الإسلامي فيقول: “هو التعبير الناشئ عن امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية”،[3] ويضيف محمد قطب أن الفن الإسلامي “ليس هو الفن الذي يتحدث عن حقائق العقيدة مبلورة في صورة فلسفية ولا هو مجموعة من الحكم والمواعظ والإرشادات وإنما هو شيء أشمل من ذلك وأوسع… إنه التعبير الجميل عن حقائق الوجود، من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود”[4] إن الأدب الإسلامي هو الأدب الأصيل حين ينبع من التصور الإسلامي الصحيح”[5] يستوعب الحياة كلها. يعبر بصدق وأمانة عن آمال الإنسان، لا يعرف العبث… غير معزول عن الحياة والواقع… هو أدب الضمير الحي… أدب الوضوح… الصادر عن ذات نعمت باليقين”.[6] ويضيف الكيلاني صفة مهمة جدًا لمفهوم الأدب الإسلامي في كتابه مدخل إلى الأدب الإسلامي”، يرى أن الأدب الإسلامي إيضاح لأيديولوجية الأدب العربي والفارسي “ولهذا فإن إحياء مصطلح الأدب الإسلامي إنما هو في الواقع إيضاح لأيديولوجية الأدب العربي أو الفارسي أو غيرهما… فالأدب العربي إسلامي بالضرورة، لأنه ترجمان الحضارة، ولأنه وعاء للتبادلات الفنية والفلسفية العلمية.[7]
الأدب الإسلامي وصلته بالحياة:
يمثل الأدب الإسلامي الحياة ويصورها، ثم يعرض صورا تنعكس من مجالات العيش المختلفة، ويعرض عرضا جميلا ومؤثرا لشتى جوانبها وأشكالها، فتبدوا فيه ملامح الكون والحياة وأشكالها المتنوعة. يتسع الأدب الإسلامي باتساع الحياة، وتتعدد جوانبه ونواحيه كما تتعدد جوانب الحياة ونواحيها. فالأدب الإسلامي يكون في إطار الحياة العامة، والحياة في الإسلام حياة واسعة، تتسع مع تنوع الحاجات الإنسانية وأحوالها وشؤونها. ولذلك لا يعجز الأدب في الإسلام عن تلبية حاجات الإنسان الطبيعية، ولا عن تمثيل الصور لحياة الإنسانية المتنوعة الكثيرة.
إن الأدب الإسلامي يرى مجالات العمل في الكون والحياة ويميز اللائق بإنسانية الإنسان وغير اللائق بها. فهو أدب ملتزم في هذا المعنى، ولكنه ملتزم بالمفيد الصالح ، لا بالجمود والتقليد. أما الأدب غير الإسلامي ، فهو لا يبالي مجالات العمل في الكون والحياة، يدخل في كل مكان مثل البهيمة الهائمة ترعى فيها تشاء، ولا تفرق بين الصافي والعفن والطبيب والخبيث، ولا تبالي بالفرق بين المراعي الفائحة والقاذورات التنته. لا يحب الأجب الإسلامي هتك العورات، ولا إثارة الشهوات، فهو أدب هادف نافع.
خصائص الادب الإسلامي: ومن الخصائص والمميزات التي يتصف بها الأدب الإسلامي هي:
- الغائية: إن الأدب الإسلامي أدب غائي موجه، فالأديب المسلم لا يجعل فنية الأدب غاية بل يتخذ الأدب وسيلة إلى غاية، وهي ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في الصدور وتأصيل القيم الفاضلة في النفوس وتفجير ما يكمن في الذات الإنسانية من طاقات الخير والصلاح، والأدب الإسلامي ليس عبثيا، فليست الحياة والوجود والقدر والولادة والموت عبثا” (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا) [8]، فالأدب عند دعاة الأدب الإسلامي لا يمكن أن يكون بلا غاية ولا أن يكون هدفاً لذاته، كما لا يقبلون أن يصبح الأدب فناً لفن، يحدد صالح بيلو غاية الأديب المسلم فيذكر أن غايته “تغيير الحياة وتطويرها وترقيتها إلى المستوى الأصلح والأجمل عن طريق بذر العقيدة وترسيخها في الصدور، وغرس مبادئ الخير والجمال في النفوس والتباعد عن الرذيلة والقبح”.[9]
- الالتزام :الأدب الإسلامي أدب ملتزم بالتصور الإسلامي، غير أن هذا الالتزام لدى دعاة الأدب الإسلامي طوعي عفوي نابع من إيمان الأديب المسلم بعقيدته فهو ليس إلزاما قسريا يُفرَض على الأديب من الخارج كما في الواقعية الاشتراكية، وكما أنه ليس التزاما سلبيا هداما كما في الالتزام الوجودي، وهذا الالتزام عند الأديب المسلم لا يضيق مجال التجربة الأدبية كما يعتقد، وإنما يجب أن يسِم كلَّ موضوع تناوله الأديب بميسم التصور الإسلامي، ويبقى مجال الاختيار مفتوحاً أمام الأديب المسلم، فهو حين يعالج أزمة نفسية أو مشكلة اجتماعية لا يخرج عن دائرة الالتزام بمعتقداته الإسلامية التي آمن بها. ويقول محمد المجذوب: : “لا أستطيع أن أتصور أديباً على الحقيقة غير ملتزم، لأني أفهم الالتزام صدق التعبير عن واقع النفس والفكر ومن هنا يكون الالتزام انعكاساً للذات، وتتفاوت ألوان الالتزام فيكون أديب صالحاً وآخر فاسدًا وكل منهما ملتزم في نطاق صدقه في التعبير عن ذاته”[10] وبما أن المجتمع الإسلامي مجتمع يقوم على العقيدة والأخلاق أولاً فقد صار من واجبات الأديب المسلم أن يراعي هذه الحقيقة الأولى والأساسية وأن يضع في اعتباره أنه أديب مسلم لأن “الفنان الحقيقي هو ذلك الذي يمثل بفنه مثله العليا… وينظر دائماً إلى عالمه بالمقارنة مع مـثاله وقيمه ومبادئه” [11]. ومن ثم يشدد دعاة الأدب الإسلامي على أن الأديب المسلم ينبغي ألا يخرج على قيمه العليا ولا أن يجرحها ويؤذيها، وهذه هي أدنى درجات الالتزام، وأما الدرجة الأعلى والأرقى لديهم فهي أن يبرز هذه القيم العقدية والأخلاقية السائدة في مجتمعه فيحببها ويشيد بها.
- الشمولية: الأدب الإسلامي ينظر إلى النفس الإنسانية نظرة شاملة متكاملة باعتبار الإنسان جسدًا وروحاً معا، ويتناوله تناولاً شاملاً بكل ما فيه، ومن كل جوانبه وزواياه، ولا ينظر إلى الجانب المادي وحده مع غض النظر عن الروح، لأن تصوير النفس الإنسانية بهذه الصورة إنما هو بخس لحقيقتها وتشويه لصورتها. فالأدب الإسلامي يعرض صورة الإنسان من جميع جوانبها المادية والمعنوية، يصورها بكل قيمها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية. يستوعب الأدب الإسلامي الحياة كلها ويتناول شتى قضاياها ومظاهرها ومشاكلها وفق التصور الإسلامي.
- الواقعية: ومن خصائص الأدب الإسلامي أنه يدعو إلى الواقعية، ولكن هذه الواقعية ليست واقعية المذاهب الفنية المعاصرة التي تحصر واقع الإنسان في حيز ضيق محدود وتنسى الواقع الإنساني الكبير الذي يتضمن حياة الإنسان كلها داخلياً وخارجياً زماناً ومكاناً، وروحاً ومادة. ينظر الأدب الإسلامي إلى الواقع نظرة أعم وأشمل، الأديب الإسلامي يصور كل ما يحدث في حياة البشر من تطورات اجتماعية واقتصادية وفكرية وروحية مراعيا مكانة الفرد ومكانة الجماعة، وجوانب القوة والضعف معاً، وهو في ذلك لا يجعل من الشر خيرا ومن الرذيلة فضيلة، إنه لا يسلط الضوء على جوانب الشر في الإنسان ويحصر همه فيها، إنه يعني أولا بالجوانب الخيرة الفاضلة في الفرد والمجتمع. ويرسم ما في الفرد من نقائص وعيوب وضعف وهبوط.
- الوضوح: إن الأدب الإسلامي أدب الوضوح فلا يجنح إلى إبهام مضلل أو سوداوية محيرة قاتلة،أو يأس مدمر، فالوضوح هو الأمان الذي يأوي إليه الحائرون والتائهون في بيداء الحياة المحرقة المخيفة[12]. يقول مصطفى عليان،:” والوضوح من لوازم الفكر البينة والرؤية الواضحة الجليلة وهو يكسب الكلام إشراقاً مميزًا، وشفافية يحول المعنى فيها دون التواء.. ولا محيص عن الالتزام بأسلوب هذه الصفات: الوضوح وبساطة التركيب”.[13]
- الإيجابية: ويرى دعاة الأدب الإسلامي أن أدبهم أدب إيجابي حيوي متطور، وتلك صفات استقاها من التصور الإسلامي بعامة، أنه يعترف بضعف الإنسان وسقوطه وانزلاقاته “وخلق الإنسان ضعيفا”[14]ويؤكد على أن الأدب الإسلامي ينمي استعلاء الإنسان ويحثه على النهوض والسمو، يغذي قوته على التغيير والتبديل، ويشكل منه مخلوقاً إيجابياً فاعلاً. هذا لا يعني لديهم بالطبع أن يقتصر الأدب الإسلامي على تصوير الإنسان في شأنه الإيجابي، بل إن الأدب الإسلامي يتناول الضعف والهبوط الذي يعتري الفرد أو المجتمع أو الأمة كلها، يصوره ويعالجه ولكن ذلك عند أولئك الدعاة لا يغدو هدفاً في حد ذاته، ويشددون على أن الأدب الإسلامي لا ينظر إلى الهبوط والضعف باعتبارهما بطولة تستحق الإعجاب والاقتداء، ولا حتى باعتبار المجرم ضحية كما تفعل المذاهب الأخرى، لتسوغ للمجرم جريمته مقدمة له المسوغات من ظروف بيئية واجتماعية واقتصادية اضطرته لاقتراف جريمته، فإن دعاة الأدب الإسلامي يقدمون أدباً تربوياً لا يرضى بسلبية الواقع ، ومهمة الأديب عندهم أن يغير السلبية ويحيلها إيجابية وخيرًا “وبذا يخرج من دائرة الأدب الإسلامي كل ما يدعو إلى الشر أو العنف أو الرذيلة أو الانحطاط الخلقي والسلوكي.[15]والأدب الإسلامي ليس أدب الدموع والآلام، ولا هو يشيع أحاسيس القلق والحزن والحرمان واليأس والتهوين من شأن الكفاح والعطاء. و يرون أن من إيجابية الأدب الإسلامي الأخذ بيد المتألمين واليائسين والمخطئين والمرضى نحو عالم الانطلاق والبسمة والسعادة، ولا يقدمون أدبا الذي يجعل الألم غاية في حد ذاته، وبذلك يتم للأدب الإسلامي إيجابيته وخيريته.
- الموضوعية: ينفي دعاة الأدب الإسلامي مايقوله مخالفون من ضيق مجال الأدب الإسلامي وقلة موضوعاته، ويؤكدون دوماً على إن مجالات الأدب الإسلامي فسيحة جدًا، تشمل كل حقائق الوجود. فالأدب الإسلامي ليس الأدب الذي يتحدث عن حقائق العقيدة وليس أدب المواعظ والإرشادات، وليس ضرورياً أن يكون المضمون الإسلامي تعبيرًا عن الإسلام وأحكامه وشخصياته وتاريخه وإن جاز أن يتناولها بالطبع. إن الأدب الإسلامي لدى دعاته يعبر عن الكون والوجود والحياة، يتأمل في النفس الإنسانية ويشخص الظواهر البيئية والطبيعية، كل ذلك وغيره ينبع من نظرة إيمانية ورؤية إسلامية. والأدب الإسلامي يوظف المواقف الإسلامية بصفتها مواقف إنسانية، ويجسد الرمز التاريخي ويحيي الشخصيات، كما يطوع الأدب الإسلامي النظريات العلمية ويعرضها بشكل أدبي حي، أي إن رسالة الأديب الإسلامي إخلاقية وفنية معاً. ويحذر دعاة الأدب الإسلامي من خطورة أن ينحصر الأديب الإسلامي في موضوعات التاريخ الإسلامي وحده. ولذا فلا عجب أن يقدم الأديب المسلم عملا أدبيا تدور أحداثه في عصر سابق للإسلام وفي عالم غير عالم الإسلام. فإن مجالات الفن الإسلامي هي كل مجالات الوجود مرسومة من خلال النفس المؤمنة. ينظر الأديب المسلم إلى الإنسان عنصرا إيجابيا في هذا الوجود فيه الخير والشر، القوة والضعف، وفي ميدان الصراع بين الإنسان والشيطان يجد الأديب المسلم آفاقا واسعة وجوانب رائعة وحقولا خصبة للإبداع.
إن مجالات الأدب الإسلامي وموضوعاته تكاد لا تحصر، وللأديب المسلم أن يختار منها ما يشاء ولكنه مقيد بقيد واحد، وهو ألا يصطدم بالمفاهيم الإسلامية عن الكون والحياة والإنسان، لأن التصور الإسلامي هو التصور الصحيح المنسجم مع فطرة الكون والإنسان، وكل تصور يصطدم به أو يعارضه فهو تصور منحرف خاطئ، يقول محمد قطب عن حرية الأديب المسلم وتعدد الموضوعات أمامه: “هو حر في اختيار النسب والأبعاد والظلال في كل لوحة مفردة يرسمها، مادام لا يخرج عن النسب العامة التي ترسمها مفاهيم القرآن الكونية الكبيرة”[16].
ويقول عبدالرحمن رأفت الباشا: إن موضوع هذا الأدب رحب الآفاق متعدد الجوانب، فهو يشمل الإنسان بعواطفه وأشواقه وآماله وآلامه، وحسناته وسيئاته، ودنياه وآخرته كما يشمل الحياة بكل ما فيها من سعادة وشقاء ومقومات وقيم، وهو يشتمل على الكون بره وبحره وأرضه وسمائه، كما يشتمل على الطبيعة بطيرها السابح وحيوانها السارح ربيعها الجميل، وشتائها العاصف.[17]
ويفتح دعاة الأدب الإسلامي الباب على مصراعيه للأدباء ليشمل أدبهم الموضوعات كافة لأن الموضوع الفني في الأدب الإسلامي ثمرة للفكر المؤمن والعاطفة والموهبة المؤمنة .
تميز هذه المميزات الأدب الإسلامي عن الآداب الأخرى، ولو قورن بين المذاهب الأدبية الغربية و اتجاه الأدب الإسلامي لتتبين النقاط الفارقة بين الأدب الإسلامي والآداب الأخرى.
بين الأدب الإسلامي والمذاهب الأدبية الأخرى:
إن التطور سنة الحياة والكون، والطبعية الإنسانية تأبى الاستقرار والثبات. يحدث هذا التطور في الفكر والأدب والفن،إذ لا يوجد أي أدب من الآداب في العالم لم يشهده التطور سواء كان هذا التطور كبيرا أدى إلى إثراء هذا الأدب بأنواع أدبية جديدة ، أو كان ضعيفا اكتفى فيه هذا الأدب بتغيير بعض ملامحه، ولما كان من أبرز ملامح التطور الأدبي مع ظهور أجناس أدبية متنوعة واتجاهات جديدة في الفكر والأدب. وذلك لكثرة الأجناس الأدبية التي ظهرت في الأدب العربي التي لم يعرفها في عصوره القديمة كالرواية والقصةالقصيرة والمسرحية والمقالة والشعر الحر وقصيدة النثر وما إلى ذلك. وهذا التطور لا يأتي عفويا ولا مفاجئا،وإنما يخضع لعوامل عدة من بينها المذاهب الأدبية وعالمية الأدب. أما بالنسبة المذاهب الأدبية، فقد ظهرت في العصر الحديث المذاهب الأدبية والحركات الشعرية التي أثرت في الفكر العربي المعاصر،ومنها الكلاسكيةالجديدة والرومانسية والرمزية والواقعية والوجودية .
الكلاسيكية:
- إن المذهب الكلاسيكي في الأدب أدب وثني، لأن هذا المذهب يحاكي أدب قدماء الإغريق والرومان وهو أدب وثني يدين بتعدد الآلهة، والإسلام جاء ليقطع جذر الوثنية ويطهر الأرض عن درن الشرك والكفران.
- الكلاسيكيون يهتمون بالجانب المادي من حياة الإنسان، وأما الجوانب الروحية فلا يهتم بها هذا المذهب. ولكن الأدب الإسلامي يعطي الحياة المادية حقها كما يعطي الروح حقها أيضا.
- إن الأدب الكلاسييكي يقوم على تصوير النماذج البشرية والأحداث والواقعية بخيرها وشرها ولا يميز بين الخير والشر ويترك ذلك للقارئ. لكن الأدب الإسلامي يصور الخير والشر مع الهدف إلى التزيين بالخير وتنزيهه في النفوس والتنديد بالشر واجتثاثه من القلوب.
- والأدب الكلاسيكي لا يعالج المشكلات الاجتماعية والسياسية، فإنه منصرف إلى النفس البشرية وتصوير العادات الاجتماعية. والأدب الاسلامي أدب واقعي عملي يعالج مشكلات المجتمع وقضاياه المختلفة وكما يعالج أشواق النفس ومطامحها.
- نجد الأدب الكلاسيكي يهدف إلى ارضاء الطبقة العليا من الناس، وأما الأدب الإسلامي فهو يهدف إلى جميع طبقات الناس، يصور أفراحهم وأحزانهم ويعالج مشكلاتهم.
الرومانسية:
- المذهب الرومانسي أدب المآتم والأحزان، يزين الإنطواء على النفس ومداواة الأحزان بما فيه من سلبية. والأدب الإسلامي أدب إيجابي وبناء، يُدخِل في نفوس القراء الثقة بالله عزوجل والإيمان لحكمته والرضاء لقضايه وقدره.
- الأدب الرومانسي يحرر الأديب من قيود العقل ويؤمن بالعاطفة والخيال. أما الأدب الإسلامي فيسير مع العاطفة والعقل معا. فالعاطفة يبدع فنه والعقل يضبط خطاه ويحفظ توازنه.
- غاية الأدب الرومانسي هي المتعة. أما الأدب الإسلامي فلا بد من أن تتوافر فيه الفائدة العملية والمتعة النفسية فهو نافع وممتع في نفس الوقت.
- كثير من الرومانسيين يظنون أن الموضوع لا يتحمل الأهمية في الأدب، بل المهم هو طريقة المعالجة. ولكن الأدب الإسلامي يرفض هذا الفكر، والموضوع له مكان مرموق في الأدب الإسلامي.
- الأدب الرومانسي يقدس الآلام ويعتبرها مطهرة للنفس. وأصحاب هذا الاتجاه من الأدب يخفون وراء هذا الادعاء الانحلال الخلقي وارتكاب الرذائل. والأدب الإسلامي يكره التصنع والتعمل ويحارب الانحلال الخلقي ويكافح ارتكاب الرذائل.
الواقعية
- إن الواقعية الأدبية جاءت من النظرية الفلسية التي ترى أن الحياة قد بنيت على الشر. وأن ما يبدو من مظاهر الخير ليس إلا طلاء زائفا يموه واقع الحياة ويخفي طبيعة الإنسان الحقيقية .
والأدب الإسلامي يرفض هذه النظرية رفضا كليا ويقول إن في الحياة الخير الجزيل الأصيل الذي يفيض عليها الطمأنينة والرضا والمرحمة. وفي الحياة الشر المستطير الذي يقاوم هذا الخير ويناضله. وجمييع المذاهب السماوية تكافح الشر وتعزز الخير.
- إن مهمة الأديب الواقعي هو التصوير فحسب، فتفوقه وبراعته تظهر في حسن اختيار المشهد وحسن تصويره. والأدب الإسلامي غايته ليست تصوير الواقع، بل هدفه في اختيار المشاهد الخيرة هو تحبيبه إلى النفوس. وإذا يختار المشاهد الشريرة فهدفه أن يقلع ذلك الشر من القلوب ويكرهها إياها.
- ثم إن دعاة هذا المذهب دعوا الشباب والشابات إلى التحلل من الأخلاق إذا أرادوا التفوق والنجاح، وزعموا بأنهم دعوا إليه ليفتحوا عيون الشباب المغمضة ويبصرهم بالحقائق التي تخفى عليهم. والأديب المسلم يرفض ذلك رفضا كليا لأن الخسة لا يمكن أن تصير ذكاء عبقرية والدناءة هدفا مطمحا. ولأن الأدب الإسلامي لا يقول للشباب والشابات “إذا أردتم أن تبلغوا الثراء فلا بد لكم من أن تلوثوا أيديكم وكل ما عليكم بعد ذلك أن تعرفوا كيف تغسلونها”.[18]
الوجودية
- الوجودية مذهب هدام، يدعو إلى القضاء على الجهود التي بذلتها البشرية عبر التاريخ الطويل للارتقاء، لأن اتباع هذا المذهب يرون أن الوجود الحقيقي للانسان لا يتم إلا إذا أطلق العنان لرغباته وافسح المجال أمام شهواته غير متقيد بدين أو سلوك. ولكن جميع الأديان وخاصة الإسلام يحض الإنسان على السيطرة على رغباته وشهواته واطماعه.
- الوجوديون ينادون بأنه لا جبر للأشخاص ولا الزام لهم ولا دين يحكمهم وأنهم يخضعون لسلطة الضمير فحسب. ولكنهم ينسون أن الضمائر تختلف من إنسان إلى إنسان وتتبدل من حين إلى حين آخر، وأن العقول قد ترى الخير شرا والمنكر معروفا. وإن الحكم في ذلك كله إنما هو لله سبحانه وتعالى.
- ثم إن الوجودية تدعو كل فرد إلى التخلص من القيم المتوارثة البالية ويدعو إلى قيم جديدة يختارها الإنسان لنفسه بنفسه ويلتزم بها. والإسلام يلزم المسلمين بأحكام ربانية ثابتة راسخة لا تتغير أسسها ولا تتبدل .
- فكثير من الشباب وجدوا في هذا المذهب سندا فلسفيا، فوقعوا في دروب الرذائل وأباحوا لأنفسهم ما حرمه جميع الديانات.
وهكذا فإن الوجودية تقول أن الحياة هي الفترة ما بين الميلاد والموت، ولذا كان عليه أن يقبل على متع الحياة أشد الاقبال. والإسلام يدين بأن الدنيا هي وسيلة ليصل الإنسان إلى الآخرة.
استنتاج البحث:
المذاهب الأدبية الغربية ارتبطت نشأتها بحالات نفسية معيَّنة، وبظروف سياسية واقتصادية واجتماعية خاصة، وعكست فلسفة مرَّت به الحضارة الغربية. نشأت المذاهب الأدبية الغربية وكأنها تنشأ ردَّات أفعال على أفكار سابقة، كأن كل مذهب جديد ينقض ما قبله أو يسفِّهُه ويلغيه، وقد كان التطرف سمةً واضحة في كل مذهب من المذاهب الغربية، وسُرعانَ ما كان يَتبيَّن عَوارُه بسبب هذا التطرف، فتظهر الحاجة إلى غيره، فيظهر مذهب جديد يكون ردَّة فعل على ما سبقه، ولذلك يوجد فيه أيضا التطرف والغلو. فكانت الرومانسية ثورة عارمة على كل ما كانت تنادي به الكلاسيكية، ونقضًا تامًّا لجميع مبادئها وأصولها، ولذا لا يوجد سبيل توسُّطٍ أو التقاء بينهما. وإذا كان التطرف والغلو سمة لجميع المذاهب الأدبة الغربية، أصبحت الوسطيَّة هي المنهج الذي دعا إليه اللاتجاه الإسلامي. إن هذه الوسطية الإسلامية في الأدب تسعى إلى استثمارِ الحُسن الموجود في كل عنصر من عناصر العمل الأدبي، وتوظيفِه في الإبداع، ليكون هذا الإبداع خيِّرًا إيجابيًّا، فيه المتعة والفائدة، والجمال والنفع، وما يخاطب العقل والحسَّ والوجدان، وما يخاطب الروح والجسد، وما يخاطب بني البشر في جميع مستوياتهم. وهذه الوسطية هي سبيل مواجهة التطرف الذي قام عليه الفكر الغربيُّ، كما تجلَّى ذلك في مذاهبه الأدبية المختلفة. يحرص الأدب الإسلامي أشد الحرص على مضمونه الفكري النابع من قيم الإسلام العريقة ويجعل من ذلك المضمون ومن الشكل الفني نسيجاً واحداً معبراً أصدق تعبير. وهو يستوعب الحياة بكل ما فيها ويتناول شتى قضاياها ومظاهرها ومشاكلها،لأن الأدب الإسلامي أدب الضمير الحي والوجدان السليم والتصور الصحيح والخيال البناء والعواطف المستقيمة لا ينجرف إلى انحراف نفسي أو اعتلال شعوري، أو مرض فلسفي تفشت جراثيمه في الماء والهواء والفنون. يعرض الأدب الإسلامي صورة الإنسان من جميع جوانبها المادية والمعنوية ويصورها بكل قيمها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والروحية.
الهوامش:
[1]– سيد قطب، النقد الأدبي: أصوله ومناهجه ، الدار العربية، بيروت،عام 1966م ص. 103
[2]– المرجع السابق، ص، 104
[3]– سيد قطب، في التاريخ.فكرة ومنهاج، دار الشروق، بيروت، ص. 15
[4]– محمد قطب منهج الفن الإسلامي، دار الشروق، بيروت، ط. 4، 1400م، ص. 119
[5]محمد حسين بريغش، في الأدب الإسلامي، دار الزرقاء الأردن، 1985مص. 105
[6]– نجيب الكيلاني، الإسلامية والمذاهب الأدبية، مكتبة النور، ليبيا، ط، 1، 1963م، ص. 35
[7]– نجيب الكيلاني، مدخل إلى الأدب الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م ص. 44
[8]– القرآن الكريم، سورة المؤمنون. آية 115
[9]– م صالح بيلو، ن قضايا الأدب الإسلامي، دار المنار السعودية، 1985م ص. 73
[10]– تحفة اللبيب، محمد المجذوب، النادي الأدبي، المدينة المنورة، ط.1، 1404ه، ص. 322
[11]– ا نجيب الكيلاني، الإسلامية والمذاهب الأدبية، المكتبة النور، ليبيا، ط، 1، 1963م، ص. 53
[12]– نجيب الكيلاني ،مدخل إلى الأدب الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م ص. 36
[13]– مصطفى عليان، مقدمة في دراسة الأدب الإسلامي، دار المنارة، جدة، ط.1، 1405م، ص.123
[14]– سورة النساء، الآية. 38
[15]– ماجد بن محمد الماجد، مجلة الفيصل، ندوة الأدب الإسلامي…ما هو؟، ص. 87 (نقلا عن الأدب الإسلامي… مراجعات في النشأة والخصائص، د جامعة ملك سعود، رياض)
[16]– محمد قطب، منهج الفن الإسلامي، دار الشروق، بيروت، ط. 4، 1400م، ص. 142
[17]– د ماجد بن محمد الماجد مجلة كلية اللغة العربية، 1401ه، 332 (نقلا عن الأدب الإسلامي… مراجعات في النشأة والخصائص، ، جامعة ملك سعود، رياض)
[18] عبد الرحمن رأفت الباشا، نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، دار الأدب الإسلامي للنشر والتوزيع، مصر، 2014ص، 134
المراجع والمصادر:
- أبو الحسن علي الندوي، الأدب الإسلامي وصلته بالحياة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985م
- أحمد محمد علي، الأدب الإسلامي ضرورة، دار الصحوة القاهرة، مصر ،1991م
- سعيد عبدا الماجد الخوري، أبو الحسن علي الندي رائد اأدب الإسلامي، مؤسسة الرسالة، بيروت 2001م
- صالح محمد عبيدي، الخطاب النظري للأدب الإسلامي، راية أدباء الشام ، لندن، 2004م
- شكري عزيزالمافي،محاضرات في نظرية الأدب، دار البعث،قصطنتية، 1984م
- شلتاغ عبود شرارة، النلامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي، دار المعارف، دمشق، 1992م
- صالح ادم بيلو، من قضايا الأدب الإسلامي،
- الطاهر أحمد مكي، الملامح العامة لنظرية الأدب الإسلامي، دار امدرمان، الاسكندرية، مصر، 1984م
- عباس محجوب، الأدب الإسلامي وقضاياه المفاهيمية، دار جرار لللكتب الحديثةـ عمان، 2004م
- عبد الرحمن رأفت الباشا، نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، دار الأدب الإسلامي للنشر والتوزيع، مصر، 2014
- عبد الحميد بوزينة، نظرية الأدب في ضوء الإسلام، دار البشير عمان ، الأردن، 1990م
- عدنان علي رضا النحوي، الأدب الإسلامي، موضوعاته ومصطلحاته، دار النحوي، 1995م
- عماد الدين خليل، مدخل لنظرية الأدب الإسلامي، مؤسسة اللرسالة، بيروت، 1985م
- محمد حسين بريغش، في الأدب الإسلامي، دار الزرقاء الأردن، 1985م
- محمد الحسناوي، في الأدب والأدب الإسلامي، امتبرالإسلانمي، بيروت، 1986م
- محمد قطب، منهج الفن الإسلامي، دار الشوق، 1983م
- مروزق بن تباك، اشكالية الأدب الإسلامي، دار الفكر ، بيروت، 2009م
- نجيب الكيلاني، الإسلامية والمذاهب الأدبية، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1987م