د. إعجاز أحمد
إن البحث في تربية الطفل لن يكون موضوعيا وعلميا إن لم ينطلق من مفاهيم الإسلام وأحكامه التي اهتمت بالإنسان عموما – والطفولة بشكل خاص – و تربية الطفل لن تتحدد معالمها وسماتها بحق إن لم نتعرف على رأى الإسلام في هذا المجال، لأن هذا الدين منهج للإنسانية، من أهم سماته التكامل والشمومل، ينظم حياة الإنسانية، ويتعهدها منذ الولادة حتى الوفاة فالدين ليس مناسك وشعائر فقط، بل هو نظام وتشريع وتربية هو وجدان وعمل، لأنه ينبع من أعماق الفطرة التي تتطلع إلى اكتشاف سر الوجود وكنه الكائنات. (1)
أما تربية الطفل فقد جمع الله سبحانه و تعالى قواعدها في الآيات الآتية: ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عاميين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي، ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبير. يا بنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر و اصبر ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك و أغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ). (2)
إن هذه الآيات تشتمل على القواعد التربوية الآتية، لتنشئة الطفل و تربيته الفاضلة التي يرضاها الله سبحانه وتعالى:
- توحيد الله سبحانه و تنزيهه عن الشرك لأن الشرك ظلم عظيم
- شكر الله على نعمه باتباع أوامره و اجتناب نواهيه
- مصاحبة الوالدين بالحلم والاحتمال والبر والصلة
- اتباع سبيل المؤمنين في الدعوة إلى الدين
- الإيمان باليوم الآخر والرجوع إلى الله الذي سيحاسب على كل عمل
- الاعتقاد بأن الله مطلع على كل شئ وكل عمل مهما كان صغيرا من خير أو شر، ومهما كان مجهولا أو خفيا عن الناس، وأن الله سيحاسب عليه يوم القيامة، أى أنه لا يضيع من عمل الإنسان شئيا، و يؤكد هذا المعنى قوله تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ). (3)
- التأكيد على إقامة الصلاة
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- الصبر على المحن
- السلوك المتواضع في الحياة
- خفض الصوت عند الحديث
لو أمعنا النظر في هذه القواعد التربوية رأيناه شاملة لجميع الفضائل التى يحرص المربون على غرسها في نفس الطفل والتى تجعل منه إنسانا صالحا، أو تعده للحياة إعداد مثاليا في عقيدته وسلوكه ومعاملته، ومن ناحية أخرى إذا قارننا هذه القواعد التربوية بمبادئ التربية الحديثة – في هذا العصر – التى توصل إليها كبار المربين والمفكرين الأجانب، فإننا لا نجدهم اتوا بشئ جديد، وأن القرآن الكريم قد سبقهم إلى ذلك منذ قرون إنه كلام الله رب العالمين.
فالمبادئ الحديثة للتربية تشمل النواحي الآتي:
- الناحية الدينية
- الناحية العاطفية والإنفعالية
- الناحية العقلية
- الناحية الجسمية
- الناحية الاجتماعية
- الناحية الخلقية
وهذه المبادئ موجودة بشكل ضمني في القواعد التربوية ، وإن دعاة التربية الحديثة لم يأتوا بجديد.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه الأطفال ويقدم لهم النصائح في الظروف الملائمة عندما يلاحظ شذوذا من طفل أو تصرفا مخالفا للآداب العامة أو القوانين التربوية ، فيقول كلمة في الوقت المناسب فتقع النصيحة من الطفل موقع القبول والاقتناع وتأثر في نفسه التأثير المطلوب.
ففي مجال آداب الطعام، روي عن عمر بن أبى سلمة رضى الله ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدى تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ). (4)
بهذه الكلمات المعدودات رسم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الغلام ولكل من يطلع على هذه الكلمات آداب تناول الطعام ليعتاد على ذلك ويأكل بطريقة محببة إلى النفس مثيرة لرضى الآخرين منسجمة مع الذوق السليم.
ولم تقتصر تربية الطفل على أمور العقيدة والعبادة، بل كانت تربية شاملة تربط بين العقيدة والحياة.. ولم تكن نظرة التربية الإسلامية إلى الناحية الروحية نظرة فلسفية، أو نظرية، وإنما كانت نظرة واقعية عملية تهدف إلى تكون شخصية إنسانية متكاملة من جميع النواحي: الروحية والأخلاقية والعقلية والجسمية والإسلام هو الذي وضع المعالم الواضحة الراسخة التى تضيئ الطريق لتربية الأطفال، وتوضح السبل أمام الباحثين لمعرفة خطوات الدرب، وأساليب التربية بل لمعرفة الأساس في التربية والأهداف الثابتة لها، بالنظر إلى حقيقة الطبيعة الإنسانية المكرمة، المخلوقة المسؤولة عن أمانة عظيمة. (5)
الهوامش
(1) سيد قطب، خصائص التصور الإسلامي و مقوماته، ص 1-2 دارالشرق
(2) سورة لقمان، الآية 13- 19
(3) سورة زلزال، الآية 7- 8
(4) رواه البخارى فى كتاب الأطعمة
(5) الطفولة في الإسلام مكانتها وأسس تربية الطفل، ص 69 – 73