Main Menu

الأنسنة في المشروع الفكري لمحمد أركون

الأستاذ محمد نعار        الأستاذ شريف نهاري

                                                        جامعة ابن خلدون ولاية تيارت الجزائر

 

ملخص :

يعتبر التفكير الانثربولوجي عند أهل الاشتغال في فضاء حقل الاناسة  نوعيا رغم اكتسابه صفة الورشة أو الورشات التي تشغل بال أصحابها ونستطيع القول أن بعضها اكتسب صفة  “المشروع”  من خلال العمل النقدي الذي بصم على المسار العملي لدى هؤلاء وعملنا في هذا المسار هو تخصيص هذه الورقة البحثية بعضا من  وشائج الاشتغال الالانثربولوجي عند محمد أركون وهو من الأسماء البارزة التي ينطبق عليها هذا صفة المشروع نحاول  أن نقف عند ملامح مشروعه من خلال ما كتبه وكتب عنه أو حوله عن مسألة الاناسة التي يطرحها بشدة عموما في حفرياته.

كلمات مفتاحية: انسنة ،فكر ، مقاربة ،تفاعل ،تواصل .

 

 

. مقدمة

يجري مفهوم الانسنة في حقيقة الأمر من إدراك الصورة الممنهجة التي يبدو عليها مشروع محمد أركون الفكري من خلال كتاباته والطرقة التي يتعامل بها في طرح الأفكار فمعرفة الانسنة قرين باستحضار هذا الأمر من خلال التنوع والانفتاح المنهجي الذي يبديه محمد أركون وربما من خلال تأثره بعدم إمكانية الإحاطة بكل شيء واستحالة ذلك حتى في إطار التنوع الذي يتمسك به لأنه كان قد فهم على انه انفلات وعدم معرفة بما يبديه تحديد محمد أركون من هذا المسار وما طبيعته تحديدا عنده نرى أن الانسنة بالمفهوم الانثربولوجي مسار جديد يعبر عن وجهة نظر وخلاصة تجارب ترى أن المعنى والتفسير الذي يكون معطى أو وجهة نظر ينبغي أن يكون منطلقها حواري ونسبي وبشكل كبير تحفظي إنها حالة تأويلية كما يراها البعض عند المفكر “بوصفها خلاصة تجارب جماعية في تأطير الفهم وبلوغ الدلالة. وبالتالي، فإن الحالة التأويلية تظهر بصفتها وجوداً معرفياً دائم التوسع والامتداد، وتمتلك آليات مختلفة. وقد ارتكزت آليات التأويل لدى أركون على مفاهيم عديدة،..”[1].(كيحل ،2012 مقال الكتروني  )يجري مفهوم الانسنة في حقيقة الأمر من إدراك الصورة الممنهجة التي يبدو عليها مشروع محمد أركون الفكري من خلال كتاباته والطرقة التي يتعامل بها في طرح الأفكار فمعرفة الانسنة قرين باستحضار هذا الأمر من خلال التنوع والانفتاح المنهجي الذي يبديه محمد أركون وربما من خلال تأثره بعدم إمكانية الإحاطة بكل شيء واستحالة ذلك حتى في إطار التنوع الذي يتمسك به لأنه كان قد فهم على انه انفلات وعدم معرفة بما يبديه تحديد محمد أركون من هذا المسار وما طبيعته تحديدا عنده نرى أن الانسنة بالمفهوم الانثربولوجي مسار جديد يعبر عن وجهة نظر وخلاصة تجارب ترى أن المعنى والتفسير الذي يكون معطى أو وجهة نظر ينبغي أن يكون منطلقها حواري ونسبي وبشكل كبير تحفظي إنها حالة تأويلية كما يراها البعض عند المفكر “بوصفها خلاصة تجارب جماعية في تأطير الفهم وبلوغ الدلالة. وبالتالي، فإن الحالة التأويلية تظهر بصفتها وجوداً معرفياً دائم التوسع والامتداد، وتمتلك آليات مختلفة. وقد ارتكزت آليات التأويل لدى أركون على مفاهيم عديدة،..”[2].(كيحل ،2012)

يتشكل منظور الاناسة عند محمد أركون من منظورات متسامحة فهو ياخذ بمنظورات التوحيدي وابن مسكويه كما يأخذ عن فوكو وغيره من ثقافات أخرى لقد كان التوحيدي عبر مقولته المعلومة ” أن لإنسان أشكل على الإنسان” فالمقولة تبرز وتختزل صلتنا بالأخر من حيث إننا وجدنا في سياقات لم نكن قد اخترناها بحيث يجد الإنسان نفسه في زمن ومكان ما مع آخرين من نفس التفكير والثقافة وتجدنا إزاء آخرين من جنس واحد وثقافة أخرى فوجب أن يكون عقد ما يسير ويأطر علاقاتنا ليس التوحيدي وحده في دائرة اهتمامات محمد أركون بل نجده يحاور ابن سينا  في أمره هذا يقول عنه:”… نجد لدى ابن سينا الذي جاء بعد التوحيدي بذور فلسفة واعدة بنزعة إنسانية جديدة وشديدة الانفتاح،إنها نزعة إنسانية تشتمل في آن معا على ثلاثة أشياء:

 فهي تعترف بالنضال المشروع الذي يقوم به العقل من أجل التوصل إلى استقلاليته الذاتية.وهي تعترف بالرمزانية الذاتية. وهي تعترف أخيرا، بحق الإنسان في مواصلة البحث العلمي القائم على التجريب و العيان”.

كان لا بد أن تجد هذه الأفكار مصوغا لها وفضاء يحتويها ولكنها كانت نظرات استشرافية لم تلق أرضية تدافع عنها ولا تراكما يركم بعضه بعضا بل كانت محل شكوك وظنون لاعتبارات قد تكون موضوعية وحساسة لا نستطيع الحكم فيها لأن واقع اليوم يعكس صورة أقرب لما كان في تلك العصور ولنا أن نتخيل كيف استطاعت هذه الأفكار أن تصلنا لولا اشراقات واضاءات من تلك العصور  إنها اشراقات تبرز طبيعة تلقي مفهوم الاناسة اليوم بالمطالب نفسها وبظروف مغايرة انه ما دفع محمد أركون للاستماتة في الدفاع عنها وعالم اليوم مجند أكثر من أي وقت مضى للدفع بها   .

يجد اليوم صدى التوحيدي في مقولات مماثلة ومشاكلة قولا في رسمها خطا وفي مقامها حكما عند فلاسفة ومفكرين من الغرب على غرار مقولة شهيرة لشيلر “:”إن الإنسان لم يكن في أي زمن من تاريخه أكثر إشكالية ممّا هو عليه في الحاضر”. بالاستعانة اليوم بالمناهج العلمية تستطيع الأفكار أن تلزم الإنسان إدراكه بضرورة النظر في علاقته مع الأخر لان الخلل في عدم الوصول إلى فهم هذه العلاقة وطبيعتها يعود إلى فكر نسقي تاريخي ملزوم بشروط ثقافية متوارثة طالها التقديس ترى الأمور من نافذة واحدة يقول محمد أركون إن الأنظمة اللاهوتية تستمر في إهمال المقولات الأنثروبولوجية والجانب التاريخي الظرفي من السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي رسخت فيها الحقائق الإلهية المعصومة ،المقدسة والعقائدية ومن وجهة النظر هذه يمكن القول إن الأنظمة اللاهوتية تملأ الوظيفة الأيديولوجية نفسها التي يملِها جدار برلين”[3] (اركون ،2005، ص26)

. يقول أركون :” و هكذا ، نجد أن الموقف الديني للروح لا يسمح إلا بصيغة معينة من صيغ الأنسنة ، صيغة محصورة داخل جدران النظام العقائدي الخاص بكل ، و يقدمون مؤلف هذا النظام دائما على أساس أنه الإله المتعالي المليء بالنيات الطيبة و الحسنة تجاه الإنسان . و قد ظل هذا النظام الديني مُهيمنا على عقول البشر حتى ظهور الحداثة الفكرية و سلاحها المفضل : النقد التاريخي للنصوص ، كل النصوص بما فيها النصوص المقدسة[4] ( أركون موقع الكتروني )” . إن ارتباط الانسنة بنسق واحد والوصاية عليها في جهة ما هو الخطر عندما تكون على المستوى الديني أناس يحتكرون الحقيقة بمسميات ومنطلقات نسقية فكرية متوارثة لا تمثل حقيقة رسالة الدين  نلاحظ كيف يعمل محمد أركون على الاشتغال مع الفكرة ونورانياتها أينما حلت فقد لاحظنا وهو يتحدث فيما يبدو عن هجمة ضد هذه الأفكار ليس هجوما على الأشخاص بقدر الهجوم على خطر الأفكار التي يحملونها ويلزمونها إنها تلزم بلزومياتها إقصاء النوازل الاجتماعية والسياسية والسياق التاريخي العام  .

تبقى تلك الاشراقات النورانية التي يستلهم منها أركون في انسنته من خلال معلم أخر وهو ابن مسكويه الذي ينظر اليه على انه من ينظرون إلى تطهير النفس من الشر ومن إبداء احترام مخلوقات الله ليس لزاما ولا أمرا ولا تسخيرا بل لأنها كذلك إنها مخلوقات الله وان احترام ذلك من التكريم الذي كرم به الله مخلوقاته لقد نظر محمد أركون في خطابه الصوفي تحديدا إحدى الركائز التي استطاعت ان تشع بنورانيتها فكر الانسنة في التفكير وفقه التعامل العربي والإسلامي المجيد لقد أيقن هؤلاء “… أن الإنسان إن رغب في معرفة نفسه،فلن يكون الأمر متاحا، إلا بشرط قبلي هو محاسبة النفس لكي يرتقي الشخص إلى دائرة الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي الخير الكثير، وما يمكن أن يستنتج أن العقل الإسلامي قد أدرك أن ما من معرفة تحظى بهذا الوصف إن لم تتحل بجملة من القواعد الأخلاقية ،والتي تكون بمثابة الروح التي تتحرّك في نطاقها المعرفة و تزدهر . إن المعرفة بلا روح، تفقد مباشرة أي اعتبار أو قيمة وبالتالي يضمحل أي معنى قد يلحق بها.”[5] (أركون ،موقع الكتروني )

ويقول أركون :” و هكذا ، نجد أن الموقف الديني للروح لا يسمح إلا بصيغة معينة من صيغ الأنسنة ، صيغة محصورة داخل جدران النظام العقائدي الخاص بكل ، و يقدمون مؤلف هذا النظام دائما على أساس أنه الإله المتعالي المليء بالنيات الطيبة و الحسنة تجاه الإنسان . و قد ظل هذا النظام الديني مُهيمنا على عقول البشر حتى ظهور الحداثة الفكرية و سلاحها المفضل : النقد التاريخي للنصوص ، كل النصوص بما فيها النصوص المقدسة ” . إن استشعار الإنسان بحضوره هو برساليته التي يقدمها خدمة للحظة التي يعيش فيها وان ضيق هذا التصور في جهة معينة هو ما يجعل الأمر صعبا وغير مفهوم وتبريرا ذلك يكون النظر الى الطرف المغاير عدوا وتصرفاته منافية لما هو ملزم به في تصوراته إن ضيق و انحصار نزعة الأنسنة ، بعيدا عن حركة التاريخ غير معتبر بان كل ما له صلة بالإنسان هو رابط بين وجود الإنسان والسياق الذي يحيط به من متغيرات ونوازل.

يشرح محمد اركون  تصوره في تعامله مع التراث  بقوله “لا يكفي أن نعمل جردا شاملا للتراث، ثم نقف مذهلين ومفتونين أمام غناه. إنه لأكثر حيوية وأهمية، أن نتساءل كيف نقرأه، أو كيف نعيد قراءته؟ إنه من غير الممكن أن نقيم روابط حيّة مع التراث ما لم نتمثل أو نضطلع بمسؤولية الحداثة كاملة”[6] (أركون ، 2005، ص26)

وهو ما تصبوا إليه الحداثة الغربية من خلال منظور مقصود بغربلة كما ينظر البعض من خلال  ميشال فوكو في البعد الإنساني ومن منظور التدافع ومن منظور جدلي أيضا  ” إن النزعة الإنسانية و الفكر الجدلي من خلال تأويل فوكو، متلازمان و لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر : الجدلي يستدعي النزعة الإنسانية،لأنها فلسفة للممارسة البشرية، و للتاريخ و للاستلاب، و النزعة الإنسانية تستدعي بدورها التاريخ ، لكونه كريما بالوعود بأن الكائن البشري سيتحقق في المستقبل كلية و بكيفية أصيلة”.[7]( أركون موقع الكتروني )

الانسنة : مفهومات وتطلعات .

يرى البعض أن توصيف الانسنة في المجتمع الإنساني ارتبط بالتصور اليوناني عندما سوق هذا المجتمع لحضارته انطلاقا من ثقافة الحوار التحاجج الجدل والفلسفة من خلال فضاءات عامة ومؤسسات رسمية ودساتير وكذا ثقافة مكتسبة بين الأفراد تتحدد من خلال حواراتهم وحجاجهم المصالح وطبيعة التعاملات ” نلحظ ذلك في الاجتماعات العامة و في قاعات المحاكم ، فاللقاءات كانت تجرى وجها لوجه و تستدعي التمكن من فنون الخطابة لقصد إفحام الخصم و بالتالي كسب النفوذ و القوة , و لم يقتصر هذا التمكن على القدرة في الإفحام الخطابي فحسب ، بل تجاوزه ليعني امتلاك القدرة العقلية على الفهم و على عرض الاستدلالات العقلية و نقدها و حتى يتحقق هذا التمكن فعلا ينبغي أن يكون هذا التعليم المتوازن قد اشتمل على تلك الفنون السبعة الحرة ، أما المفردة التي تمّ اختيارها من قبل شيشرون ، لتدل على هذا التعليم فكلمة HUMANITAS و على إثره صار مصطلح عصر النهضة في بدياته الأولى قد تميز باشتغاله باللغات و الآداب الكلاسيكية ، أي بما يسمى في اللغة اللاتينية ب :STUDIA HUMANITAS . “[8] (أركون موقع الكتروني )

يرى محمد أركون أن مصطلح الانسنة من المصطلحات التي وجد فيها صعوبة في تنزيلها بمفاهيمها وتصوراتها عن الحضارات الغربية وواقعها في الحضارة العربية بعيدا عن تصور الإسلام لها وما قدمه في هذا الميدان وربما يرى محمد اركون ـ نقول ربما ـ  أن الأسماء التي أوردها والتي راها تشكل اشراقات الانسنة في العالم العربي والإسلامي والتي اشرنا اليها سابقا هي ضمن هذه الحاضنة  يقول : ” يلاحظ القارئ أني لا أعرف كيف استقر على قرار فيما يخص ترجمة الكلمة الأجنبية ” هيومانزم ” فتارة أترجمها بالفلسفة الإنسانية ، و تارة بالنزعة الإنسانية ، و تارة بالاتجاه الأنسي و تارة بالأنسية و تارة الإنساني و العقلاني في الساحة العربية ” , و يعزي ذلك إلى صعوبة ترجمة الفكر أو نقله من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية ربما ما أتينا إلى أن يكون رأيا في حق الأستاذ يستند إلى المفهوم كما هو عليه في الغرب من حيث مقولة حقوق الإنسان التي سنذكرها في مقامها [9].

..المنهج عند محمد أركون  في ضوء الانسنة:

اشرنا إشارة سابقة إلى هذا الملمح الذي ميز منطلق تفكير محمد أركون بين تعدد وانفتاح وهو ما راى فيه البعض تساهلا وضبابية في مسار ومنهج الأستاذ في تفكيره ونعتبر أن الاناسة تجيب عن تساؤلات هؤلاء في هذا المنحى من التجربة الفكرية والمشرعية نؤكد لمحمد أركون كما اشرنا إلى موقفه من التراث يقول مثلال في مقام أخر “… إنه ناتج عن الممارسة التاريخية للفاعلين اجتماعيا شديدي التنوّع والاختلاف من أندونيسيا إلى إيران إلى أقصى المغرب”[10] (مسرحي ،2015 ،ص 22) تؤكد بدورها هذا الملمح والاستنتاجي لدور الفضاء الاناسي في تعاطي الأستاذ مع المنهج ومع الأفكار .

إحدى المناهج التي اتبعها الأستاذ عطفا على محاورته مع التراث المناهج اللسانية وهي تطرح ربما إشكالا وانفصالا مع موضوع الانسة في الشق النسقي إذ يقوم التحليل اللساني على أساس قراءة مركبة للغة وأن نولي اللغة المقام الأول في تحديد طبيعة أي قراءة (أي بالتداول اللساني المعروف دراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها ) وهو ما تقرر مع الدراسات اللسانية الحديثة خصوصا مع المدرسة السويسرية والفرنسية ثم الانكلو سكسونية من خلال المدرسة البريطانية والأمريكية في تعميق هذه القاعدة بل والاجتهاد فيها من خلال جهود هاتين المدرستين بالأخص إذ تقوم الفكرة في ما تتيحه اللغة من توجيهات وتخريجات في صورة تسمى  ” خطابا “.

غير أن القاعدة تغيرت على الأقل في شق أخر رغم بقاء هذا التيار موجودا ومسيطرا إلى الآن بحيث يرى منتقدوه أنه قراءة محدودة انغلقت على نفسها رغم ايجابياته الموضوعية التي لا يقع عليها الخلاف لكنها جعلت من النص تقريبا في خطاب واحد وهو ما يعود بنا إلى انتقادات وجهها المنظور اللساني هذا إلى غيره وبالتالي يكن القول إن الدرس اللساني سمح بمراجعات كبرى ..من ايجابيات هذا الطرح في تغيير قراءاته ضمن الإطار المرجعي الأساس هذه التغييرات التي كان من ورائها الطرح الانجلو سكسوني وهو ما يراه محمد أركون في قاعدة المقام والمقال يقول في ذلك مثلا” وإنما هي تركيب أو أثر ناتج عن تركيب لفظي أو معنوي قد ينهار لاحقا لكي يحل محله تركيب جديد، أي حقيقة جديدة”[11](أركون ، 1998 ،ص 166)

إن الأهمية التي يمكن أن يستخلصها الباحث في هذا الطرح من خلال أولى النتائج المبشرة من خلال تعزيز الشرط التاريخي في فعل القراءة وهو ما كان ضمن مسمى التزامن أو السانكرونية التي ترى إمكانية  استخلاص خطاب من النص يمثله بناء على اللغة التي تحتويه وهكذا كان الأمر مع اللغة عموما واستهدفت حتى النصوص المقدسة في الغرب

– التفكيك Déconstruction : إستراتيجية Stratégie، براعة ودهاء.Stratagème في فحص النصوص والموضوعات .

– ممارسات تأويلية قائمة على الحفر والتنقيب والتفكيك  .

– استعمال دولوزي: المفكر يخلق المفاهيم عبر حركة المفهوم .

وعليه حسب وجهة النظر هذه بالنسبة لهؤلاء “يغدو النص الديني عند أركون ممارسة خطابية Pratique Discursive، خاضعة لآليات التأويل القائمة على التفكيك Déconstruction، ممارسة استلهمها أركون من فلاسفة الحداثة و ما بعد الحداثة الأوربية ولم يجد أي حرج في التعامل مع هذه الآلية.

ماذا يعنيه أركون من التفكيك وهو يشير إلى الطبقات التي مرت عليها القراءة في حقبات متراكبة إنه ”  يمثل آلية مهمة لاختراق وتعرية Dévoiler طبقات النص التي حاولت أن تختفي من وراء النظريات المختلفة، والتشكيلات الإيديولوجية المتنوعة، لأجل نزع البداهة ورداء القداسة عن النص… إني في قراءتي للفكر الإسلامي يشير أركون أحرص على الالتزام بمبادئ المعرفة العلمية و احترام حقوقها مهما يكن الثمن الإيديولوجي و السيكولوجي و الاجتماعي غير أنه ثمة صعوبات تواجه أركون في قراءاته التطبيقية على النص. “[12] ( أركون ص 12)

ينتهي في هذا المقام محمد أركون بالإقرار بنسبية الأحكام يقول في هذا السياق ” ينبغي أن نقبل شيئا أساسيا يعبر عن منجزات الحداثة العقلية، ألا وهي نسبية الحقيقة. ونسبية الحقيقة تتعارض جذريا مع مطلق الحقيقة، أو الاعتقاد بوجود الحقيقة كما ساد سابقا في كل الأوساط الدينية”[13] (أركون ، 226)

الحداثة تطرح مشروعا يتعلق بالأفكار لتي يقدمها كل طرف بخصوصياته وتاريخه الخاص يتناغم فيها فعل التحديث بالمبرر والإجابات التي تحتويها خصوصية المشروع الحداثي التنموي والأخلاقي والقيمي لهذا البلد أو ذاك في تناغم إنها ” ممارسة علمية متعددة الاختصاصات وهذا ناتج عن اهتماماتها المعاصرة، فهي تريد أن تكون متضامنة مع نجاحات الفكر المعاصر ومخاطره والمتطلبات الخاصة بموضوع دراستها”[14]  (أركون 1986 ص57)الحاثة المطلوبة بتحقيق الإنساني وقيمه وإرساء العدالة كمنطلق وهدف منشود ومقصود لذاته أي بتثمينه وممارسته على كافة الأصعدة بما يحقق شعار حقوق الإنسان المطلوبة والمشروعة التي تحترم ولا تلزم فعندا نرى إلزام الأمم بأفكار حق الإجهاض والجندرية وحق المثلية ..برادع الاتفاقيات الدولية نكون هنا ليس مع حداثة قيم بل بإلزام قيم لا يقع عليها الاتفاق “ينبغي على الحداثة كمشروع إنساني أن تصحح إرادة المعرفة الهادفة إلى السيطرة والاستغلال والهيمنة ولكن كيف؟ عن طريق الإدخال الفعلي: أي الفلسفي والقانوني لحقوق الروح في حقوق الإنسان”[15] ( أركون 1998 ص 144 145)

نلاحظ طبيعة كلام الأستاذ محمد أركون في قوله مع توجيهات تقديمنا في أن تكرس العدالة وقد أعجبني كثيرا توجيه وتخريج لهذا لمفهوم العدالة وحق الإنسان في النص القرآني من خلال التشريع بأحد المحللين  ” ثمة خطاب تشريعي، وخطاب ديني وخطاب معرفي، رمزي ومجازي. توجد كل هذه المستويات وكلها مـتضمنة في النص نفسه تشتغل بصفتها محور تشكيل علاقتها بمستويات متفرقة. لماذا؟ ذلك أن النص القرآني هو كلام يرافق فعل وليس كلام من أجل الفعل أو متعلق بالفعل أي هو الكلمة التي تقول ما تفعل وفي نفس الوقت تنجز فيه فعلا ما. وهنا تكمن حسب أركون قوة اللغة الدينية[16].( مسرحي ص 33)

. خاتمة

تقوم فكرة الانسنة على مشروع التحاور والتسامح وتكريس القيم الإنسانية في العدالة كمقام أول وفق الاحترام والحوار والتعايش في ضوء التعايش الذي نحن ملزمون بتسخيره والتقيد به استمرارا للوجود ويشكل كل خطاب في المعمورة عند طائفة أو شعب أو مجموعة الاحترام والتقدير في حدود التفاعل والتعامل المتبادل بالعدل فحتى المجتمع الغربي لم يقم على فكر الانسنة التي هي مشروع لم يكتمل إلا مع النصف الثاني من القرن العشرين ولهذا وجب الاحترام فالاحترام ثم الاحترام  يقول فوكو :” …فليس هناك من فلسفة،من خيار سياسي أو أخلاقي من علم تجريبي مهما كان نوعه،من دراسة لجسم،من تحليل للإحساس أو المتخيلة أو الأهواء، صادفت يوما، في القرن التاسع عشر أو الثامن عشر،شيئا يشبه الإنسان؛ذلك لأن الإنسان لم يكن موجودا آنذاك (و لا الحياة و لا اللغة و لا العمل ولم تكن العلوم الإنسانية لتظهر عندما تقرر، تحت تأثير عقلانية ملحة أو مشكلة علمية لم تلاق حلاّ أو لسبب عملي آخر، إدخال الإنسان (طوعا أو كرها و بنجاح نسبي) في عداد المواضيع العلمية  التي ربّما لم يثبت بعد إطلاقا إمكان إدراجها بينها؛بل ظهرت يوم فرض الإنسان نفسه في الثقافة الغربية باعتباره هو من يجب التفكير به و هو ما يجب يُعرف في آن معا” [17].

                                        

. قائمة المراجع

  • أركون محمد، (2005)القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، تر. هاشم صالح، ط2، دار الطليعة، بيروت،
  • محمد أركون الفكر الإسلامي، قراءة علمية.- ترجمة هاشم صالح، ط2. المركز الثقافي العربي،
  •  محمد أركون الإسلام والحداثة ـ مجلة التبيين ـ  تر. هاشم صالح، العدد 2، 3، الجزائر، الجمعية الثقافية الجاحظية.
  • محمد أركون، (1986)تاريخية الفكر العربي الاسلامي،، تاريخية الفكر العربي الاسلامي، تر. هاشم صالح، ط1،مركز الإنماء القومي، بيروت،. ص57.
  • محمد أركون(1998) قضايا في نقد العقل الديني، تر. هاشم صالح، ط1، دار الطليعة، بيروت،.
  • مسرحي فارح،(2015 .) المرجعية الفكرية لمشروع محمد أركون الحداثي، أصولها وحدودها، ط1، إصدارات الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية، الجزائر،

نزعة الأنسنة باعتبارها تعقلا و قدرة على الفعل –  -https://labopheno.com/lms/logos-revu/l-3-4/course/ansana-