الدكتور عبد الغفور الهدوي كاناتدي
أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية
كلية الجامعة الحكومية، كيرالا، الهند
{هذا هو الكتاب الذي طبعه ونشره المعهد المركزي لدراسات التاميل الكلاسيكية بتشاني والذي قام بإصداره رئيس وزراء الهند السيد مودي في 19 نوفمبر 2022 من ضمن احتفالات التاميل سانغامام التي انعقدت في بنارس.}
الترجمة هي جسر يتم من خلاله التواصل والتلاقح بين الثقافات، والمترجمون هم سفراء هذا التواصل والتبادل بين الأمم والشعوب. لقد تمت ترجمة مئات بل آلاف من المخطوطات والكتب من اللغات الهندية إلى اللغة العربية وبالعكس في قديم الزمان وحديثه، ممّا أدّى إلى توسيع مجالات التفاهم بين شعوب الثقافة العربية والثقافات الهندية. وتأتي في سلسلة هذا التبادل للقيم الثقافية بين الهند والأمم العربية عن طريق الترجمة، ترجمةُ “تِرُكُّرَلْ” (Thirukkural)، المنظوم الفلسفي الكلاسيكي في اللغة التاميلية، إلى اللغة العربية على يد الأستاذ بشير أحمد الجمالي، الأستاذ المتقاعد من مركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو بنيودلهي. وهذا الكتاب القيّم الذي يعتقد بأنه ألّف في القرن الأول قبل الميلاد، تمت ترجمته إلى أكثر من 50 لغة عالمية بما فيها اللغة العربية، وذلك لكونه ثَرِيًّا بتعاليم عالية وأخلاقيات نبيلة موجّهة لكافّة الناس، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو اللغوية أو الإقليمية. وإن سبقت ترجمةُ “تركرل” إلى اللغة العربية ثلاثَ مرّات من قبل، تتميّز الترجمة التي قام بها الأستاذ بشير الجمالي بميزات عديدة لا توجد في غيرها من التراجم العربية السابقة.
تِرُكُّݛَلْ: دستور أخلاقي للعالم
ممّا يدلّ على قيمة نصّ أدبيّ وعلوّ شأنه لدى المجتمع الإنساني قدرته على مجاوزة حدود الأزمنة والدهور، وكفاءته في التواصل مع الإنسان في جميع العصور والأمصار. فقلّما توجد في التاريخ البشريّ أمثال تلك النصوص الخالدة التي تكافح تيّارات الأزمنة ولا تزال تتداوله الأجيال من دون تقلّص شيء من قيمتها وأهميّتها. فـ”تِرُكُّݛَلْ”، العمل الأدبي الكلاسيكي في لغة تاميل الهندية هو أحد تلك الكنوز الأدبية النفيسة التي نجحت في تخطّي عتبات القرون، حيث إنّه لا يزال حتى بعد مضيّ أكثر من ألفي سنة على تأليفه يرشد الإنسان إلى معارف قيّمة وأخلاقيات سامية في حياته الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والروحانية.
يُعتقد أن الفيلسوف التاميلي المعروف بتِرُوَلُّوَرْ هو الذي قرض منظومة ” تِرُكُّݛَلْ”. ولكنّ الفترة التي عاش فيها تِرُوَلُّوَرْ والزمن الذي قام فيه بتأليف هذا العمل الأدبي الرائع قد اختلف فيهما العلماء والمؤرّخون، حيث ينسب بعضهم تأليفه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، والبعض الآخر إلى القرن الأول قبل الميلاد، حينما يردّ الآخرون تأليفه إلى ما بين 450 و500م. وعلى أيّ حال، يتفق العلماء على أن هذا الكتاب المقدّس قد مرّ على تأليفه أكثر من خمسة عشر قرنا.
تتكوّن منظومة تِرُكُّݛَلْ من 1330 بيتا شعريا يعرف بـ”كُرَلْ”، كلّ منها يشتمل على سبع كلمات تاميلية، أربع منها في المصراع الأوّل وثلاث في المصراع الثاني. وقد قسّمت الأبيات في تِرُكُّݛَلْ إلى ثلاثة أبواب، الأول منها يدور حول موضوع “الفضيلة” ويشتمل على 380 بيتا، والباب الثاني يعالج موضوع “الثروة” ويتكوّن من 700 بيتا، حينما يدور الباب الأخير حول “المحبّة” ويشتمل على 250 بيتا. وتحت كلّ من هذه الأبواب الثلاثة حول الموضوعات الثلاثة المذكورة، قسّمت الأبيات إلى أبواب فرعية يشتمل كلّ منها على 10 بيتا، ويدور حول ناحية معيّنة للموضوع الرئيسي للباب الذي يشتمل عليه.
يعدّ ” تِرُكُّݛَلْ” واحدا من أعظم الكتب التي ألّفت في الأخلاق والقيم النبيلة، ويتمّيز بشموليته وطبيعته العلمانية. ففي الباب الأوّل حول الفضيلة، يجري البحث عن الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها المرء مثل الصدق، الأمانة، حسن الضيافة، الإنصاف، الأدب، الجود، الزهد، الإخلاص، ضبط النفس، صلة الرحم وغيرها، وكذا يحذّر فيه عن الأخلاق الذميمة التي يجب تجنّبها في سبيل اكتساب الفضيلة مثل التكبر، الحسد، الطمع، الغيبة، عمل السوء، الظلم، الخيانة ونحوها. أما الباب الثاني فهو مجموعة واسعة من الموضوعات الاجتماعية والسياسية المختلفة، مثل المباحث عن عظمة الملوك، الوزراء، الضرائب، العدل، الحرب، الجيش، الحصون، عقوبة الإعدام، الزراعة، أهمية التعليم، آفات المسكرات، اكتساب المال ونحوها. وفي الباب الثالث حول “المحبّة” يبحث عن الآداب والأخلاقيات المتعلّقة بالصداقة والحبّ والعلاقات الجنسية والحياة الأسرية وما إليها.
ومن تتبّع تاريخ هذا الكتاب وأهميته، نرى أنه لم يزل ولا يزال يؤثّر بتعاليمه وإرشاداته ليس في المجتمع التاميلي فحسب، بل في كلّ مجتمع حظي للارتواء من معنيه الثرّ من خلال تراجمه في لغته. وهذا التأثر ليس منحصرا في مجال ديني أو ثقافي، بل يتعدّى إلى المجالات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفلسفية والروحية وغيرها. ولهذه الشمولية والطبيعة العلمانية، لا يزال تِرُكُّݛَلْ الأكثر ترجمة، والأكثر استشهادًا، والأكثر اقتباسًا من الأعمال الأدبية التاميلية بل الهندية الأخرى. وقد تمت ترجمة هذا النص الكلاسيكي إلى أكثر من 50 لغة هندية وغير هندية، مما يجعله أحد أكثر الأعمال القديمة ترجمةً وتداولا في العصر الحديث.
التراجم العربية لتِرُكُّݛَلْ:
بفضل الترجمات إلى اللغات المختلفة، انتشر تِرُكُّݛَلْ في معظم أنحاء العالم وحظي بقبول واسع من قبل الشعوب في أصقاع المعمورة. فمن اللغات التي تُرجم إليها تِرُكُّݛَلْ اللغة العربية، حيث نشرت فيها حتى الآن أربع ترجمات، بما فيها الترجمة الأخيرة التي قام بها الأستاذ بشير أحمد الجمالي. نشرت الترجمة الأولى لتِرُكُّݛَلْ باللغة العربية في عام 1976م على يد البرفيسور المرحوم محمد يوسف كوكان، الذي كان رئيس قسم اللغات العربية والفارسية والأردية في جامعة مدراس في تشيناي. وفي عام 2013 قام فريق برئاسة د. ذاكر حسين، الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية في جامعة مدراس بترجمة منظومة تِرُكُّݛَلْ إلى اللغة العربية بشكل نثري. أما الترجمة العربية الثالثة لها فكانت على يد السيد عمار حسن، أديب سوري الأصل، الذي قام بترجمتها إلى العربية بالاعتماد على إحدى ترجماته الإنجليزية. وتأتي في هذه السلسلة، الترجمة الأخيرة التي قام بها الأستاذ بشير أحمد الجمالي ونشرها المعهد المركزي لدراسات التاميل الكلاسيكية في عام 2022م.
فالترجمات الأربع، وإن أدّى كلّ منها مهمّة واحدة وهي تعريف هذا الإبداع الكلاسيكي للعالم العربي، يمتاز كلّ منها بأسلوبه الخاصّ وميزات لا توجد في الترجمات الأخرى. فالترجمتان اللتان قام بهما البروفيسور محمد يوسف كوكان والفريق تحت رئاسة د. ذاكر حسين كانتا في شكل نثريّ. ولكنّ الأستاذ محمد يوسف كان غير تاميلي الأصل، حينما كان الفريق تحت د. ذاكر حسين مكوّنا ممّن كانت اللغة التاميلية لغتهم الأمّ. فلذا يمكننا اعتبار ترجمة البروفيسور كوكان بكونها الترجمة العربية الأولى لتِرُكُّݛَلْ على الإطلاق، وترجمة د. ذاكر حسين وفريقه أوّل ترجمة مباشرة من لغة تاميل لكون هؤلاء المترجمين من ناطقي اللغة التاميلية، لغة تِرُكُّݛَلْ. أمّا الترجمة التي قام بها السيد عمار حسن، يمكننا عدّها كأول ترجمة لمنظومة تِرُكُّݛَلْ في صورة شعرية، بغضّ النظر عن كونها ترجمة غير مباشرة، لكون المترجم عربي الأصل غير واقف على مكامن لغة تاميل. أمّا الترجمة الأخيرة لتِرُكُّݛَلْ التي قام بها الأستاذ الجمالي فهي تمتاز بكونها أول ترجمة شعرية لتِرُكُّݛَلْ على يد عالم من أصل تاميلي، كما أنّها تتمتّع بالإضافة إلى هذه الخاصية بمزايا أخرى كما سنبيّنه.
ميزات ترجمة الأستاذ بشير الجمالي لتِرُكُّݛَلْ:
ترجمات الإبداعات الأدبية، من أو إلى أيّ لغة كانت، إنّما تعدّ بارعة وناجحة إذا ما استطاعت أن تنقل مفهوم النصّ الأصليّ إلى اللغة الأخرى دون فقدان شيء مما يحمله من عناصر ثقافية للغة التي يترجم منها، لأنّ الترجمة ليست عبارة عن ترجمة الكلمات أو التعبيرات من لغة إلى أخرى، بل هي عبارة عن نقل مفهوم معيّن مع سياقه الثقافي في لغته الأصلية إلى السياق الثقافي للغة المترجم إليها. وإنّما يستطيع المترجم أن يؤدّي هذه المهمة الكبرى فقط إذا كان متضلّعا بثقافتي اللغتين، اللغة الأصلية للنصّ واللغة التي يترجم إليها. فمن خلال تصفّح صفحات ترجمة تِرُكُّݛَلْ للدكتور الجمالي، يمكننا الفهم بسهولة أنّ هذا المترجم يتحلّى بهذا الشرط المهمّ للمترجمين، لأنّ اللغة التاميلية هي لغته الأمّ، فهو ماهر في فكّ رموزها والإحاطة بعناصر ثقافتها، واللغة العربية هي لغة عالجها لأكثر من ثلاثين سنة، حيث كان أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة جواهرلال نهرو لسنوات طويلة، كما وفّق لعدّة سنوات للعيش في الثقافة العربية حينما كان يخدم في مصر كمدير لمركز مولانا آزاد للثقافة الهندية بالقاهرة. فهذا الإلمام العميق للمترجم باللغتين وثقافتهما قد ساعده بكثير في حسن أداء ترجمة هذا النصّ الكلاسيكي إلى إحدى اللغات العالمية الغنية بالنصوص الأدبية الكلاسيكية المتنوّعة.
سبق أن ذكرنا بأن ” تِرُكُّݛَلْ” يحتوي على 1330 بيتا شعريا. ففي ترجمة الأستاذ بشير، إنّه لم يكتف بإيراد الترجمة الشعرية لكلّ بيت من الأبيات، بل جمع عند ترجمة كلّ بيت عناصر أربعة تجعل هذه الترجمة فريدة في نوعها من بين التراجم الأخرى. فلم يقم المترجم بترجمة كلّ بيت على الترتيب كما فعله المترجمون الآخرون، بل أتى أوّلا بالنصّ الأصليّ في اللغة التاميلية وحروفها، ثم قام بالتعريب الصوتي للبيت التاميلي كي يتمكّن من لا يعرف الأبجدية التاميلية ممن يفهم الحروف العربية قراءة النص التاميلي، وبعده أتى بترجمة البيت في العربية بشكل شعري، وأخيرا وضع ترجمة الأبيات نثرا كي يتسهّل فهم مفاد الأبيات واضحا. ويجدر بالذكر أن المترجم عندما قام بترجمة الأبيات التاميلية بشكل الأبيات العربية اعتنى بخاصية يتميّز بها وضع الأبيات في تِرُكُّݛَلْ، وذلك جعل السطر الأوّل من البيت أطول من سطره الثاني. أما عند الترجمة النثرية، حاول أن يوجز ويختصر الشرح النثري بحيث لا يتجاوز أكثر من سطرين، لكن دون أن يؤدّي إلى أي غموض أو خفاء.
ولفهم كيفية ترتيب المترجم للعناصر المختلفة بإزاء الأبيات في تِرُكُّݛَلْ، ننظر، على سبيل المثال، في ترجمته للبيت الأوّل:
“1. அகர முதல எழுத்தெல்லாம் ஆதி
பகவன் முதற்றே உலகு.
اَحَرَ مُدَلَ يۧضُتّۧلاَّمْ آدِ
بَحَوَنْ مُدَڑْݛۧيْ اُلَحُ
(1) بالألف بدأت حروف الألسن
وبالله بدأ الكون
بدأت حروف (أبجد) جميع اللغات بالألف، كذا بدأ الكون كله بالله. كما يكون الألف أول الحروف كلها ويختلط بها ويندمج فيها ويحركها جميعا كذا يكون الله مصدر الوجود وخالق كل المخلوقات والمحيط بها ومحركها جميعا ظاهرا وباطنا.”
فهذا هو الترتيب الذي اتبعها المترجم مع كلّ بيت من الأبيات الواردة في المصدر المترجَم. ولاتباعه هذا الترتيب الرائع مع جمع العناصر الأربعة مع كل بيت، تفوق هذه الترجمة على التراجم العربية السابقة نفعا وفائدة.
وممّا يميّز أسلوب المترجم في ترجمته دقّته في اختيار الكلمات مع مراعاة وضوحها وبساطتها. فـ” تِرُكُّݛَلْ” هو مؤلّف كلاسيكي يشتمل على كثير من الكلمات الكلاسيكية الغريبة التي لا وجود لها في لغة تاميل الحديثة. فرغم هذا الغموض والعقدة في كلمات بعض الأبيات في الكتاب المصدر، اعتنى المترجم أن يجعل ترجمته سهلةً وواضحة دون تطرّق شيء من الصعوبة التي توجد في الكتاب الأصلي إلى ترجمته. ولأداء هذه المهمّة، استوعب أوّلا بقلبه وعقله مفهوم الأبيات ومكامن معانيها باستخدام التفسيرات المشهورة لهذا الكتاب، ثم اختار للترجمة كلمات عربية سهلة وفصيحة وركّبها تركيبا بليغا يتّضح من خلاله مراد الأبيات دون غموض أو خفاء. أمّا الشرح النثري الموجز الذي يأتي به المترجم بعد كل ترجمة شعرية ليفصّل المعاني الواردة في الأبيات ويجعلها أكثر شفافية ووضوحا.
ومن تحليل الأبيات المترجمة في هذا الكتاب، يمكننا الفهم بأنّ المترجم قد حاول ألا ينحرف عن النصّ التاميلي في ترجمته، حيث أتى بترجمة كلّ بيت في سطرين بحيث يقابل السطر الأوّل من الترجمة المصراع الأوّل من البيت التاميلي والسطر الثاني المصراع الثاني منه، وهذا مع اشتمال كلّ سطر كلمات أو تعبيرات تقابل الكلمات الواردة في السطر الذي يقابله. فلذا، نرى الترجمة الشعرية تتبع نمط تِرُكُّݛَلْ في جعل المصراع الثاني أقصر بقدر ربع للسطر الأوّل. فللاحتفاظ على هذه الميزة لتِرُكُّݛَلْ في ترجمته الشعرية، نرى الأشعار العربية خارجة عن البحور الشعرية القديمة في اللغة العربية. ولكن، رغم خروجها عن الأوزان العربية، نجد في تلك الأبيات العربية المترجمة نغمة تناسب نغمة الأبيات التاميلية الأصلية، كما نجد كلّ بيت شعري ينتهي على رويّ واحد. ولإحاطة لروعة هذه الترجمة الشعرية ودقّتها ننظر في بعض من الأبيات المترجمة:
– “أدب الفضيلة أن يكون قلب الفرد
صافيا من دنس الحسد” (161)
– “خُلقُ العطاء دون إبلاغ الفقر
فقط عند النبلاء مستقرّ” (223)
– “من عاش وقلبه لم يفكر قط كذبا
قد دام في قلوب الناس عذبا” (294)
– “الصداقة ليست ابتسامة الوجوه بين الأفراد
إنّما الصداقة ابتسامة القلوب بالوداد” (786)
– “نظرتها المتبادلة كأنّها جيش يهاجمني
“إذ هي قادرة بمفردها على هجمي” (1082)
فهذه الأبيات وإن هي خارجة عن البحور الخليلية، نجد فيها موسيقى خاصّة عذبة للألسن ومطربة للآذان.
وممّا يميّز هذه الترجمة أيضا ما أتى به الأستاذ الجمالي من مقدّمة رائعة تشير إلى تاريخ تِرُكُّݛَلْ وأهميته والمنهج الذي اتّبعه في إعداد ترجمته لهذا العمل الكلاسيكي. ففي هذه المقدّمة يناقش المترجم عن تِرُوَلّوَرْ، مؤلّف تِرُكُّݛَلْ وعن احتمال كونه نبيّا من أنبياء الله تعالى إلى القوم الدرافيدي. فالمترجم يحاول إثبات هذه الدعوى بقوله تعالى “ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولا” (16:36)، وبقوله “ولكلّ قوم هادٍ” (7:13). فهاتان الآيتان وغيرهما من الآيات القرآنية تنصّ بأنّ الله قد أرسل إلى كلّ أمّة نبيّا من عنده، مع أنّه لم يعرف في التاريخ نبيّ أرسل إلى الأمّة الدرافيدية. ولا تخالف هذه الدعوى انقطاع النبوّة مع بعثة نبيّنا محمّد ﷺ، لأنّه يعتقد أنّ تِرُوَلُوَرْ عاش قبل بعثته ﷺ بقرون. ويدلّ على صحّة هذه الدعوى كتاب ” تِرُكُّݛَلْ” نفسه، وذلك لاشتماله على كثير من التعاليم النيّرة التي أتى بها الأنبياء إلى أممهم ويشتمل عليها القرآن الكريم مثل التوحيد ومكارم الأخلاق، واجتناب المحرمات.
وممّا يزيد قيمة هذه الترجمة وفائدتها الملحقات التي أوردها المترجم في أواخر هذا الكتاب. ففي الملحق الأوّل قام بترتيب المصطلحات التاميلية التي وردت في أبيات تِرُكُّݛَلْ أبجديا، مع ذكر تعريبها الصوتي ومعانيها العربية، والإشارة إلى رقمها التسلسلي من البداية. ولا شكّ أنّ هذه القائمة المعجمية لمفيدة للغاية، لا سيّما لمن يراجع تِرُكُّݛَلْ للاطلاع على معاني الكلمات التاميلية الكلاسيكية التي لا وجود لها في المعاملات الراهنة. أمّا الملحق الثاني فهو عبارة عن فهرس لأولى الكلمات لأبيات ” تِرُكُّݛَلْ” بترتيب الحروف التاميلية، حيث رتّب المترجم الكلمات الأولى لكلّ من 1330 بيتا حسب الأبجدية التاميلية، مع ذكر تعريبها الصوتي ورقم الأبيات التي ابتدأت بها. وفي الملحق الأخير أتى المترجم فهرسا شاملا في اللغة العربية للمواضيع التي نوقش عنها في هذا الكتاب.
فبالجملة، إنّ الأستاذ بشير أحمد الجمالي قد قام من خلال ترجمة منظومة تِرُكُّݛَلْ من اللغة التاميلية إلى اللغة العربية، خدمةً عظيمة ليس في تاريخ الثقافة التاميلية فحسب، بل في تاريخ الثقافة الهندية أيضا. فكلّ سطر من هذا الكتاب في شكله العربي يدلّ على مدى تأثّر المترجم بالأفكار السامية الموجودة في تِرُكُّݛَلْ، وكذا على شغفه باللغات والآداب. فلا شكّ أنّ هذه الخدمة ليست خدمة للغة التاميلية أو آدابها أو ثقافتها فحسب، بل هي خدمة عظيمة للبشرية جمعاء. تقبلها الله منه قبولا حسنا وجزاه أحسن الجزاء