الدكتور محمد سعيد الرحمن
الأستاذ المساعد ورئيس لقسم اللغة العربية, كلية لال غولا
(التابعة لجامعة كلياني) مرشدآباد, البنغال الغربية .
من المعروف أن طه حسين أديب مصري وله خدمة بارزة في الأدب العربي وهو كاتب عملاق في مجال الأدب واللغة العربية وكرس حياته كلها وجلها في إبلاغ الأدب العربي إلى أوج الكمال، حيث أنه عكف على دراسة العلوم والفنون الدينية واللغوية منذ نعومة أظهاره، وشارك في الحركات الأدبية والإصلاحية هدفا إلى إيقاظ الوعي عن الأدب العربي ونشره، وبكونه مولعا بالأدب العربي أنه عثر على الأدب الغربي والفرنسي، وبكونه أديبا بارزا وناقدا بارعا في العالم العربي أنه ألقى الضوء على واسع النطاق في الأدب العربي ونقده في كتبه المتنوعة ” في الشعر الجاهلي” حول الشعر الجاهلي و في كتاب عن ” حافظ وإبراهيم” وناقش عن التقليد القديم، وفي كتاب ” من حديث الشعر والنثر” ناقش فيه عن نشأة النثر العربي والشعر العباسي، وفي كتاب ” فصول في الأدب والنقد” ومع العثور على الأدب القديم والجديد أنه اتجه إلى تغيير البئية الأدبية إلى اطار الحداثة والثقافة الجديدة، وفكر عن الحياة الأدبية والثقافية والتعليمية ووضع برنامجا مفصلا في كتابه ” مستقبل الثقافة” كما تتجلى رغبته العلمية والأدبية في دراساته وكتاباته الجليلة في ” تجديد ذكرى أبي العلاء” الذي جاء بالتغيير الجديد بإسم ” مع أبي العلاء ” وصور فيه الجوانب النفسية والفلسفية الدقيقة، ثم اتجه إلى القصة وكتب عديدا من الكتب منها “أحلام شهرزاد” “وشجرة البؤس”، و”دعاء الكروان”، فطار صيته بكتابة القصة ” الأيام” في قالب سيرته الذاتية في أروع شكل وأمتع أسلوب، بسرد الأحداث والوقائع الطارية في حياته الكاملة التي تمس قلوب القارئين وتجبرهم على قراءة كتبه القيمة من الأدبية والنقدية وهوفي الواقع كاتب بارز وقاص حقيقي واجتماعي وناقد كبير في مجال الأدب العربي الحديث.
مولده و حياته ونشأته: ولد طه حسين سنة 1889م بمحافظة مغاغة في مصر العليا وكان مولودا صحيح البصر ففقد بصره، إذ هو في الثالثة من عمره، وكان منذ طفولته حاد الذهن حريصا على التعليم، وكان يكب مع فقدان البصر على العلم دراسة وتحصيلا، وتفوق على الآخرين المعاصرين في الدراسة، ونال الدرجات العلمية ثم حصل على التعاليم العليا في الجامعة المصرية بالقاهرة ونال فيها شهادة الدكتوراه الأولى في الآداب سنة 1914م على رسالته القيمة ” تجديد ذكرى أبي العلاء” كما أنه سافر إلى فرنسا ونال شهادة الدكتوراه الثانية في الفلسفة على رسالته” فلسفة ابن خلدون الاجتماعية” كما نال شهادة الدراسة العليا في التاريخ، وهو أديب له شخصية فذة ومشاركة عامة في مختلف المجالات حيث تم تعينه لأستاذ الآداب العربية في الجامعة المصرية عام 1925م، وقام بخدمة التدريس على الموضوعات المختلفة من الأدب والتاريخ والفلسفة والتربية، ونظرا لخدماته الجليلة عين عميدا لكلية الآداب في تلك الجامعة عام 1930م، كما أنه اختير وزيرا للتعليم بمصرعام 1950م، وبفضل إسهاماته المتعددة في الأمور المختلفة نال عديدا من الجوائز. منها منحت الأديب كلية ترينتي بجامعة أكسفورد درجة الدكتوراه الفخرية في الآداب عام 1952م. ومنها نال الأديب جائزة الدولة التقديرية للآداب عام 1958م.[1] وكان الكاتب أديبا اجتماعيا وقضى حياته الاجتماعية مع شريكة حياته السيدة “سوزان” فرنسية الأصل التي كانت تعاونه خلال دراسته في السوربون تزوجها عام 1917م إذ يقال ” أنه وجد عندها كل ما فقده، وقد وصفها فقال : إنها بدلته من البؤس نعيما ومن اليأس أملا، ومن الفقر غنى، ومن الشقاء سعادة وصفوا”.[2] وأنجب منها السيدة أمينة وتوفي الأديب طه حسين في 28 تشرين الأول (أكتوبر)سنة 1973م عن عمر يناهز الرابعة والثمانين
إسهاماته في الأدب العربي
يعتبر طه حسين أديبا عملاقا وفذا وعبقريا في الأدب العربي الحديث حيث أنه أثرى الأدب العربي بهزته العنيفة وآرائه القيمة وتدخلاته الجديدة في الأدب من الشعر والنثر، فنال مكانة مرموقة في مجال الأدب، إذ أنه كرس حياته كلها في العثور على الأدب العربي والغربي، فعكف على المشاكل الاجتماعية والفلسفية المتواجدة في الأدب اليوناني واللاتيني القديم، كما أنه عرف الأدب الفرنسي معرفة جيدة، وهذا ما أدى الأديب طه حسين إلى كتابة المقالات المختلفة وإجادتها على النهج الجديد، كما أن ذهنه الحاد وطبيعته النقدية أدته إلى انتقاد المجتمع المصري الذي كان يسير على النهج القديم، كمأ أنه نقد الأدب المصري والعربي وحاول أن يقنع الشعب عن الثقافة الجديدة والحضارة الغربية بكتابة الكتب المختلفة في قالب النثر، وألف عديدا من الكتب التي يصل عددها خمسة عشر مجلدا، ما يحتوي على المجالات المختلفة من التاريخ والسيرة الذاتية والفلسفة والاجتماع والقصة والرواية والنقد، إذ يمكن لنا القول أنه كان أديبا ومؤرخا وفلسفيا واجتماعيا وقاصا وروائيا وناقدا وصحافيا وسيأتي تفصيله بالتالي.
إسهامه في تطوير النثر العربي بالصحافة والترجمة
كان الأديب طه حسين رجلا ذا ثقافات متعددة من الثقافة الفرنسية واليونانية والعربية والمصرية التي تأثربها في فرنسا خلال دراسته في السوربون، حيث أنه كان يحضر في مختلف المحاضرات المعتمدة على التاريخ اليوناني والروماني القديم والقضايا الاجتماعية والفلسفية والأصول الأدبية اليونانية التي تفوق بها الأدباء الفرنسيون، فبدأ يكتب طه حسين عن الأدب اليوناني والقضايا الاجتماعية، إذ هو اختار موضوعا اجتماعيا لدراسته للدكتوراه على عنوان ” فلسفة ابن خلدون الاجتماعية” بالإضافة إلى أنه بدأ يكتب الكتب المترجمة من الفرنسية إلى العربية لكي يفهم المصريون والعرب ثقافة اليونان وآدابها وتاريخها، وأخرج كتابين هما: “صحف مختارة من الشعر التمثيلي عند اليونان” و” نظام الأثينيين” لأرسططاليس، كما أنه كتب كتابا مترجما باللغة العربية باسم” قصص تثيلية” الذي يعتمد على المسرحيات الفرنسية لطائفة من أشهر الكتاب الفرنسيين، كما نقل بعد ذلك مسرحية “أندروك” لراسين و” زاديج” لفولتير.علاوة على ذلك أنه ترجم كتابا في علم النفس ” روح التربية” من تأليف لوبون، من الفرنسية باللغة العربية، إضافة إلى ذلك أنه كتب عدة مقالات في مختلف الجرائد والصحف منها “الجريدة” و”كوكب الشرق” كما تولى على رئاسة التحرير في جريدة” الجمهورية” كما أصبح محررا لصحيفة ” السياسة” ونشر فيها قصة ملخصة من الأدب الفرنسي ثم نشر فيها بحثا في الشعر العربي وأخرج صحيفة” الوادي” وحول قلمه إلى إبراز القضايا الأدبية، ومن أبرز مقالاته القيمة وأروعها مقالته عن “ديكارت” ومذهبه في الشك واليقين، كما أنه حرر صحيفة ” الكاتب المصري” ولعب دورا بارزا في تطوير الصحافة العربية بنشر بعض المقالات تتناول الأدباء الغربيين وبعض الدراسات في الأدب العربي، وهكذا أنه طور النثر العربي عبر الترجمة وكتابة المقالة والبحث حول الأدب العربي واليوناني.[3]
إسهامه في تطوير النثر بالنقد
يعتبر طه حسين ناقدا كبيرا في مجال الأدب العربي، إذ أن نقده يشمل مجالين، مجال الأول: هو نقد المجتمع المصري والعربي الذي يكتشف مجتمعا راكدا وجامدا لا يتأثر بثقافات أخرى راقية، والمجال الثاني:هو يحتوي على الأدب من حيث هو أن الأدب العربي لم يبلغ إلى الرقي بسبب الركاكة والتقليد القديم وعدم الانفتاح وعدم الاحتكاك والتبادل بالأدب الغربي، فطالع الكتب للكتاب البارعين فتأثر أفكار ديكارت وسانت بوف، وتلمذ بهما وأعجب بهما فأغرياه على إنكار بعض الأدب العربي، لذا هو يغلو في الشك عن أصالة الأدب العربي، فأول كتاب كتب طه حسين هو “الشعر الجاهلي”وعرض فيه نظرية الانتحال في الشعر الجاهلي، ودعا إلى حرية الفكر وجعل معظم الشعر الجاهلي أنه منتحل بعد الإسلام، إذ ثارت ثائرة الأدباء والكتاب ضد هذه الفكرة، ثم نشر بالحذف والإضافة إليه، وكتب ” في الأدب الجاهلي” [4] ولكنه لا يغلو في تطلب الحقيقة والإخلاص للتاريخ والأدب والفن، إلى جانب النهج العلمي في تحقيقه ونقده، له نقد أدبي تناول فيه عددا من الشخصيات الأدبية حيث اختار شخصية الشاعر المتنبي، وكتب عنه كتابا باسم ” مع المتنبي” وحاول نقد شعره وتحدث فيه عن حياة المتنبي وشعره وميزاته، كما أنه تناول شخصية أبي العلاء المعري وألف كتابين ” الأول باسم” مع أبي العلاء في سجنه” وتحدث فيه عن الجوانب النفسية والفلسفية للمعري والكتاب الآخر باسم” صوت أبي العلاء ” ما يشمل بعض قصائد أبي العلاء وأشعاره، وتحدث في ” حديث الأربعاء” عن شعر المجون واللهو في العهد ين الأموي والعباسي[5] فتناول في كتابه النقدي ” فصول في الأدب والنقد” عددا من الشخصيات الأدبية المعاصرة ونقد آثارهم الأدبية وحاول فيه إرشاد الأدباء إلى منهجه قائلا ” أن الأديب مهما يكن أمره، كائن اجتماعي لا يستطيع أن ينفرد ولا أن يستقل بحياته الأدبية، ولا يستقيم له أمر إلا إذا اشتدت الصلة بينه وبين الناس، فكان صدى لحياتهم، وكانوا صدى لإنتاجه”[6] فطه حسين يرى أن النقد وحده يستطيع أن ينهض الأدب من غفوته، ويرتقي به إلى المستوى اللائق، وكما أنه تناول الشعراء العباسين أمثال البحتري وابن المعتز ونقد أشعارهم في كتابه ” من حديث الشعر والنثر” إذ صرح في كتابه ” لحظات” نظرياته عن فن المسرحية، وأشار في الكتاب ” صوت باريس” تاريخ المسرحية الفرنسية، وفصل القول عن آرائه ونظرياته الأدبية والنقدية في كتابه” فصول في الأدب والنقد” وناقش عن الأمور الأدبية وقضايا النقد والأدب للإصلاح الأدبي في كتابيه” خصام ونقد” و” نقد وإصلاح” علاوة على أنه تحدث عن تاريخ الادب العربي ونشأته وتطوره في كتبه القيمة” منها ” تاريخ الأدب العربي” يشتمل على ثلاثة أجزاء، و” الحياة الأدبية في جزيرة العرب” ما يحتوي على القضايا الأدبية واختلافاتها في مختلف الزمن والمكان، وعلى مختلف ألوان الأدب على تباعد العصور وتباين الأجيال، وهذا كان من كتابات طه حسين النثرية ترمز إلى نقده عن الأدب، إضافة إلى ذلك أنه توجد هناك بعض الكتابات لطه حسين التي ترمز إلى نقده عن المجتمع وقضاياه الهامة ومن أهم كتابه هو” مستقبل الثقافة في مصر” وتحدث فيه عن القضايا الاجتماعية المصرية وقدم فيها بعض الاقتراحات للتقدم والرقي وللإصلاح الاجتماعي، ووضع للحياة الثقافية والتعليمية برنماجا مفصلا، كما أن كتابه ” قادة الفكر” يمثل عدة مراحل تطور الفكر الأدبي الثقافي عند العرب من الأدبية والفلسفية والسياسية والدينية. كما أنه ابرز في كتابه” مرآة الضمير الحديث” معايب الأخلاق المنتشرة في المجتمع المصري، و صور في “مرآة الإسلام” أوضاع العرب قبل الإسلام وحياة الني صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الأجمعين، وأبرز في كتابه” وعالج في كتابه ” المعذبون في الأرض” واقع الظلم والفساد السياسي الذين كان يعانيهما المجتمع المصري، إذ هو صورفي كتابه” بين بين” بعض القضايا فيما يتعلق بالحياة الإنسانية العامة والاجتماعية[7] وهكذا كان نقد الأديب طه حسين نقدا أدبيا واجتماعيا.
إسهامه في كتابة السيرة الذاتية
كتب الكاتب طه حسين عديدا من الكتب الأدبية التي تحتوي على السيرة الذاتية له ومن أهمها وأروعها هو”الأيام” الذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء ففي الجزأ الأول يقص الكاتب البيئة التي نمت طفولته فيها، ثم صور فيه نشأته وحياته التعليمة وأسرته وحوادث الزمن وبلاياه التي تألم به الكاتب أسرته، بينما تحدث في الجزأ الثالث مراحل تعليمه في الأزهر، ثم تحدث عن الأمور الطارئة أمامه كالأعمى، وما واجه من الصعوبات في حالة النوم واليقظة، وماطرأ على ذهنه من الضجر والملل خلال حياته الضيقة في الأزهر، وهذا الكتاب يمس القلوب ويثير العواطف، بما فيه من سلاسة وعذوبة وصفاء وقدرة على تصوير واقع الحياة بالأسلوب الرائع الجذاب،[8] إذ كتب طه حسين كتبا أخرى عن حياته وسيرته الذاتية منها الكتاب ” الصيف” الذي صور فيه رحلته في البحر ومخيلته في الشباب، كما ذكر في كتابه” رحلة الربيع” أحوال رحلته إلى أوروبا، وإذ كتب كتابا باسم ” القصر المسحور” يشير إلى لقائه مع رائد المسرحية توفيق الحكيم، كما أن كتابه “أديب” يرمز على خلقه وإنسانيته ومعاملته مع الناس، وهكذا لعب الأديب طه حسين دورا مهما في تطوير النثر العربي بكتابة السيرة الذاتية.
إسهامه في كتابة القصة والرواية
ضحى طه نفسه حسين في خدمة الأدب العربي، وأجاد في كتابة القصة والرواية العربية، ونال قبولا فائقا بين أوساط الأدباء بروعة قصصه ورواياته ومعالجة القضايا المصرية الوطنية فيها، إذ هو صور في كتابه للقصة ” شجرة البؤس” التقاليد القديمة والمشاكل والآلام للطبقة الفقيرة التي تواجهها في الحياة اليومية في مصر، كما أنه صور في كتابه” أحلام شهرزاد” مشاكل العصر ونظام الطبقات في عصر شهرزاد وشهريار، فصور في روايته “دعاء الكروان” حياة الفلاحين المصرين والأوضاع الريفية في مصر، وأوضاع تعليم المرأة في الريف خاصة وفي مصر عامة،[9] وهو في سرد قصصه كاتب إنساني واجتماعي.
خلاصة القول طه أديب بارع ناقد أدبي واجتماعي وروائي وقاص كبير ومؤرخ عظيم، الذي طور بأدبه ونقده النثر العربي ونال قبولا فائقا ومكانة عظيمة،فطار صيته بين أوساط الأدباء والكتاب بعميد الأدب العربي.
الهوامش
– حنا الفاخورين الجامع في الأدب العربي الحديث، ص-336-337، دارجيل، بيروت، لبنان،1986[1]
– الدكتور شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي المعاصر في مصر، دار المعرف، القاهرة 1961[2]
– نفس المصدر، ص، 279-280-282-283[3]
4- عبد الملك، المنهج الدراسي لاختبار أهلية منصب المحاضر في الجامعة الهندية، ص 42، مركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهرلال نهرو نيو دلهي،غير مطبوع
5- محمد يوسف، البحث الجامعي لنيل شهادة ماقبل الدكتوراه في جامعة جواهرلال نهرو، “الدكتور طه حسين بصفته مترجما ذاتيا “دراسة تحليلية” 2008،
حنا الفاخورين الجامع في الأدب العربي الحديث، ص-349، دارجيل، بيروت، لبنان،1986 6-
7-محمد يوسف، البحث الجامعي لنيل شهادة ماقبل الدكتوراه في جامعة جواهرلال نهرو، “الدكتور طه حسين بصفته مترجما ذاتيا “دراسة تحليلية”عام 2008م.
الدكتور شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي المعاصر في مصر، ص-284، 285،286ن دار المعرف، القاهرة 1961م.[8]