Main Menu

أهمية أدب الأطفال الإسلامي وإمكاناته في بناء شخصية الأطفال المعاصرين

د. سلمان عارفي
الباحث السابق لمركز الدراسات العربية والإفريقية
كلية دراسات اللغة والأدب والثقافة
جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

المخلص

الإسلام منهج شامل ومتكامل للحياة، يزود كل إنسان بدون النظر إلى لونه وعرقه وديانته بما يحتاج إليه من أصول ومبادئ تساعده على تحقيق الأمن والسعادة وجميع معاني الخير والفضيلة في حياته الفردية والجماعية، لذلك لم يترك أي ناحية من نواحي الحياة إلا وبين لها تشريعات وقوانين إجمالاً وتفصيلاً، كما أنه إذا كان يعتني بالكبار فإنه يؤكد على العناية بالصغار، ويولي الاهتمام بحقوقهم والحفاظ على حياتهم، بل جعل رعايتهم من أهم الفرائض والواجبات الدينية للمسلمين، لأن الأطفال ثمرة أساسية للأسرة وأملها في المستقبل وزينة حياتها، يقول الله سبحانه وتعالى “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ..” (الكهف: 46)، ومن ثم اهتم الإسلام بالطفل اهتماماً واسعاً، وبين له بالتفصيل مجموعة من الأحكام والشرائع، والحقوق والواجبات، والأساليب التربوية المحكمة التي تساعد على تنشئته تنشئة صالحة قويمة، وتؤدي دوراً مهماً في بناء شخصيته وإعداده في المستقبل.

فالدين الذي ركز العناية بالأطفال ورعاهم رعاية شاملة لا يستطيع أن يهمل احتياجاتهم الفنية والوجدانية، لذلك هو يعترف بقيمة الأدب وفنونه ووسائله المؤثرة، التي تساعد على نقل الأفكار والاتجاهات وغرس معاني القيم والفضائل، وتنمية المعارف والقدرات، كما هو يشعر للإنسان بضرورة إمتاع النفس وتسلية الوجدان والخواطر، لكنه لا ينظر إلى الأدب عموماً وإلى أدب الأطفال خصوصاً كمجرد أداة التسلية والمتعة التي تتجاوز في كثير من الأحيان الحد المطلوب وتمهل غاية الأدب الأصيلة، بل هو يريد بحق الأطفال أدباً يمتاز بقيمته الفنية وغايته البناءة، ويشبع نفوسهم بما هو ممتع ونافع معاً، ويجمع بين كافة العوامل والمؤثرات التي تعين على تنمية شخصيتهم عقدياً وسلوكياً وتعليمياً وثقافياً ووجدانياً، ويكون لهم سلاحاً تربوياً مؤثراً بلباس فني ممتع، ولا شك أن مثل هذا الأدب لا يستطيع أن ينشأ إلا في ظل التصور الإسلامي الشامل، الذي يستلهم قوته وحيويته من ينابيع الكتاب والسنة، ويمتاز بالقيم والمبادئ الإنسانية المحكمة، ويحمل أصولاً ومناهج واضحة لتربية الأطفال والناشئين، فهذا التصور لا يحرم الطفل رغباته الذاتية ولا يطغى على اهتماماته ومشاعره الطفولية، كما هو لا يقيد أدبه بالعقائد والمواعظ والأصول الإسلامية المجردة، بل هو يحدد وظيفته وغايته، ويقوّم منهجه على أساس الحق والخير والعدل وعلى التوسط والاتزان، ويزود الطفل بما هو هادف ونافع، ويقيه من كل ما هو شر أو عابث لا طائل تحته، مع الاهتمام بتحقيق الأهداف الوجدانية والترفيهية لدى الطفل، وهذا هو أدب الأطفال الإسلامي.

أهمية أدب الأطفال الإسلامي وسماته:

من سمات أدب الأطفال الإسلامي أنه وسيلة تعبيرية مهمة يتعرف الطفل من خلالها على قيم إنسانية صحيحة، ويفهم الكون والإنسان والحياة بكل ما فيها من خبرات وتجارب، وقضايا ومشاكل، واتجاهات ومشاعر وفق التصور الإسلامي الصحيح، أي أن هذا الأدب يعطيه رؤية إسلامية قويمة يعيش في ظلها ويتفاعل معها، ويسترشد بها في جميع مواقف الحياة، وفي كل ما يواجه من أحوال وظروف، يهدف هذا الأدب أساساً إلى إشباع نفس الطفل بما هو خير ونافع أو إيجابي لدى الفطرة الإنسانية السليمة، وذلك ما توافقه العقيدة الإسلامية وتحث عليه، ومن ثم يدعو هذا الأدب جميع أطفال العالم إلى أسمى معاني الخير والفضيلة، ويبين لهم مفهوم الحب والجمال الحقيقي المكنون في مظاهر الكون والحياة، كما يصور الشر والرذيلة بجميع صورها وأشكالها من دون كتمان أو مجاملة، في قالب فني مؤثر يتميز بالخصائص والسمات الفنية المشتركة لدى الآداب كلها، فلا تفقده الإسلامية روح الجمال وقوة التعبير، وهو أدب أصيل تم صياغته من بنية إسلامية خالصة، كما هو أدب متجدد يوجد فيه الانفتاح والشمول، فلا يقتصر على موضوعات دينية بحتة، بل يعالج كل ما يستحدث من قضايا وأمور، ويفتح صدره لكافة الآداب التي تعبر عن الكلمة الطيبة، أو ترمي إلى الأهداف النبيلة، ولا تخالف دين الإسلام ومبادئه نظراً وتطبيقاً، ومن سمات هذا الأدب أيضاً أنه يقدم أمام الطفل صورة حقيقية لحياة المسلمين، فيعبر عن عقيدتهم وأخلاقهم وصفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم في ضوء التصور الإسلامي، ويتحدث عن تاريخهم وحضارتهم، كما هو ينزع إلى الواقعية المثالية، فيربط الطفل بحقائق العالم وأحداثه، ويبتعد عن الإيغال في الخيال، الذي يجسد للطفل بالعموم عالماً موهوماً عابثاً، ويقطع صلته بالعالم الحقيقي ويقضي كذلك على قدراته التفكيرية والتخيلية التي لا بد أن تكون له هادفة وبناءة في حياته العملية، وهو يحمل في جوهره فكرة تربوية تهدف إلى بناء شخصية الطفل من النواحي المختلفة من التربية العقدية والسلوكية والنفسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية والوجدانية والترفيهية وغيرها، فأدب الأطفال الإسلامي هو أدب أطفال ولكن بمنظور إسلامي وعلى مقاييس إسلامية، فليس من الضروي مثلاً أن يكون النص الأدبي للطفل يحمل عنواناً دينياً حتى يعتبر قصة إسلامية أو شعراً إسلامياً بل المهم أن يعبر ذلك النص عن قيم وأخلاق ومبادئ إنسانية نبيلة يؤيدها الإسلام ويدعو إليها.

وبهذا المعنى يعد أدب الأطفال الإسلامي؛ أدباً عالمياً، لأن عالمية الأدب لا تنحصر فقط في كونه مقبولاً لدى الناس بلغات متعددة، بل في حمله انسجاماً فكرياً متكاملاً، ورسالة عالمية خالدة لا تمحي بمرور الزمان، وإن الأدب الإسلامي يتميز بمثل هذه العالمية، حيث يلقى قبولاً مساوياً في كل بلد ومجمتع مسلم، بسبب لونه الإسلامي المتميز بوحدة العقيدة والإيمان، وذلك لأن الإسلامية تغلب على كل ما يوجد في شتى المجتمعات المسلمة من مفارقات لغوية وسياسية وثقافية، فالأدب الإسلامي يكون “إسلامياً” بشخصيته وهويته الكاملة سواء نشأ في العرب أو الهند أو تركيا أو أوروبا… إلخ، ولا يخضع لما يوجد في هذه البلاد من مؤثرات فكرية ولغوية وبيئية وثقافية، ولا يضعف في قوته وتأثيره حينما يخاطب المسلمين في هذه المجتمعات، كما أنه يحمل في طياته رسالة سماوية خالدة، فيدعو غير مباشر إلى الله عز وجل وإلى دينه الحنيف، لأنه يؤمن بأن الإسلام هو دين الإنسانية منذ أن خلق الإنسان على وجه الأرض، فيؤكد على وحدة الأخوة والديانة للإنسانية بأسرها، ويقضي على كافة النعرات القومية والوطنية والإقليمية التي تمزق أبناء البشر على أساس اللون والعرق، فهو بنظرته الإنسانية الشاملة يتصل بكل إنسان، ويرتبط بكل جماعة، ويخاطب كل فكر، ويتناول كل بيئة وثقافة، فهو أدب عالمي أولاً قبل أن يكون إسلامياً لاتصاله العميق بإنسان العالم كله، وبهذا الطريق يكون أقوى وأشمل في عالميته.

        ونظراً إلى ما سبق يمكن توزيع أدب الأطفال الإسلامي على قسمين: “أدب الأطفال الإسلامي الخاص”، و”أدب الأطفال الإسلامي العام”، فالأول خاص بمعنى أنه موجه بالخصوص لأطفال المسلمين، ويتميز بخصائصه وصفاته الإسلامية، فهو يستمد مضامينه مباشراً من قصص القرآن وروائع السيرة النبوية وتاريخ الإسلام بأمجاده وبطولاته ومن سير عظماء الإسلام ومآثرهم بهدف تربية الأطفال المسلمين على ثوابت العقيدة وأساسيات الإيمان لكي ينمو فيهم الإحساس بأهمية العقيدة الإسلامية وحب الانتماء إلى الدين الحنيف، لذلك يهدف هذا الأدب إلى “أن ينشأ الطفل (المسلم) على الإيمان باللّه وابتغاء مرضاته في كل المواقف والأحوال، وأن يعرف مبادئ الدين الأساسية متحرراً من الخرافات والتعجب، وأن يبني عقيدته على أسس سليمة من الفهم والممارسة عبادة وسلوكاً، وأن ينطبع على يقظة الضمير ويربى على الإيمان بالفضائل الخلقية والقيم الصالحة، وأن تنمى فيه العزيمة والمثابرة والقدرة على مواجهة الحياة بثقة وتفاؤل بنفسه وبربه”[1]، كما هو يتمكن من التعرف على أركان الإسلام وفرائضه وواجباته وأوامره ونواهيه، فمن خلال هذا الأدب يتلقى الطفل المسلم تعليمات الإسلام – غير مباشر – بأسلوب فني مشوق، ومن خصائص هذا الأدب أنه تسود عليه روح العقيدة والإيمان، ويغلبه الهدف التوجيهي والإصلاحي بجانب تحقيق الأهداف الأخرى، ويكون أدباً واقعياً بالنسبة للمسلمين لاعتماده على حقائق الإسلام، كما هو يتصف بالجد والرصانة لخلوه من الفكاهة والهزل.

        أما “أدب الأطفال الإسلامي العام” فهو يشمل جميع الآداب والفنون – قديماً وحديثاً – التي تنسجم مع تصور الإسلام، وتتفق مع قيمه ومبادئه، أو لا تتعارض على الأقل مع التصور الإسلامي، فمن سمات هذا الأدب أنه أدب إنساني عام ينطلق من المنظور الإسلامي الشامل للكون والإنسان والحياة، ويدعو جميع أطفال العالم إلى مجموعة القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية الرفيعة، التي تبشرهم بالأمن والخير وتهديهم إلى درب السعادة والنجاح في كافة مناحي الحياة، فهذا الأدب أيضاً يتميز بالطابع الإسلامي حيث يقدم فنون الأطفال ويعالج اهتماماتهم في ضوء الأسس الإسلامية السليمة، كما يوجد في هذا الأدب؛ الاتجاه الدعوي حيث يحمل في طياته بشكل غير مباشر رسالة الإسلام إلى جميع أطفال العالم، وفي كل من هذين الأدبين الإسلاميين: الخاص والعام؛ لا يشترط أن يكون الكاتب بالضرورة مسلماً، لأن الأساس في كليهما هو التوافق بالتصور الإسلامي أو عدم تعارضه، فإن وجد هذا الأساس يعد الأدب “إسلامياً” سواء كان صدر من أديب مسلم أو غير مسلم، غير أن أدب الأطفال الإسلامي الخاص (الذي يهدف بالخصوص إلى ترسيخ أهمية العقيدة الإسلامية نظراً وتطبيقاً في نفوس الناشئة المسلمة) يصدر عامةً عن الأدباء المسلمين.

إمكانات أدب الأطفال الإسلامي في تربية الأطفال المعاصرين:

إن عالم الطفولة اليوم يواجه عدداً من التحديات، أكبرها انتشار التكنولوجيا واقتحامها حياة الأطفال والناشئين، فنلاحظ أن الثقافة الرقمية التي باتت في متناول الجميع؛ قد سيطرت على عقول الصغار، وجذبت اهتماماتهم، فلم تعد القصص والأشعار والفنون الأدبية الأخرى تستهوي نفوسهم بل حلت محلها أنواع الهواتف الذكية ومواقع الإنترنت وتطبيقات التواصل الاجتماعي والألعاب الرقمية التي تشبع نهمهم عبر الشاشة، وإذا أمعننا النظر في هذه الظاهرة وجدنا أن الأطفال الذين يتراوح سنهم ما بين خمس وعشر سنوات؛ يتعرضون خاصة لهذا العالم الرقمي، وبالتالي يقعون أكثر عرضة لما يحف هذا العالم من مخاطر وسلبيات بسبب صغر سنهم وضعف مداركهم، فنشاهد أن معظم البرامج والمسلسلات الكرتونية المخصصة لأطفال هذه الفئة؛ لا تحمل موادا أدبية، ولا تتسم بميزات فنية مطلوبة، وبالعكس تحتوي على تسلية مفرطة أو مضامين عابثة تخلو في كثير من الأحيان عن القيم والدروس الأخلاقية، كما نرى أن كثيراً من الألعاب الرقمية وأفلام أنيميشن تبث للأطفال مشاهد القتل والإبادة للإنسان والمخلوقات الأخرى، فهم يستمتعون برؤية هذه المشاهد المدمرة، ويشعرون بنوع من التسلية النفسية والوجدانية، وإن لها في الواقع تأثيراً سلبياً عميقاً على شخصيتهم من الناحية الفكرية والنفسية والأخلاقية، وذلك ما نلاحظ في سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين، حيث هم يميلون في بعض الأحيان إلى أعمال العنف وإيذاء الآخرين، ولا يخفى على أحد ما وقع خلال السنوات الأخيرة من عدة أحداث القتل وإطلاق النار في المدارس الثانوية في بعض الولايات الأمريكية، وكان الجناة فيها أطفالاً مراهقين، فهذه الأحداث المفزعة التي تشكل أمراً بالغ القلق للوالدين والمربين؛ قد تكون لها أسباب نفسية وعائلية واجتماعية مختلفة، ولكن لا يمكن استبعاد ظاهرة التكنولوجيا المسيطرة كأحد العوامل الرئيسة وراء هذه الأحداث، ولا شك فإن الاستخدام المفرط للإنترنت قد أصبح أمراً شائعاً بين الأطفال والمراهقين، مما تسبب عن جلب كثير من الأضرار النفسية والصحية والسلوكية والاجتماعية في حياتهم، مثل القلق والتوتر والحزن والاكتئاب والحرمان من النوم والعزل الاجتماعي والكذب والغدر والخيانة والطمع، كما هم يتعودون على قلة التفاعل مع أفراد الأسرة والأصدقاء في العالم الخارج مما يؤدي إلى انهيار العلاقات الأسرية والاجتماعية، وكذلك هم يتعرضون لدعايات كاذبة تضللهم وتجعلهم ضحايا سهلة للأيدي الهالكة، فنلاحظ جرائم التنمر الإلكتروني (cyberbullying)، والمطاردة عبر الإنترنت وغيرها، كما يكون لهم مخاطر عالية للوقوع في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت (online scams) وهجمات التصيد الاحتيالي (phishing attacks)، مما يسبب غالباً في خسائر مالية.

وقد شكلت هذه الظاهرة التكنولوجية تحدياً كبيراً أمام أدباء الأطفال في العصر الحديث، حيث انصرف قدر هائل من الأطفال والناشئين من قراءة النصوص والإنتاجات الأدبية، مما يدل على واقع أدب الأطفال، ويشير إلى أن دائرته قد تقلصت إلى حد كبير بمحيط المدارس والمؤسسات التعليمية بشكل ما خصص للأطفال من كتب ومواد دراسية، لأنهم في العالم الخارج عن نطاق المدرسة؛ يعايشون هذه الثقافة الرقمية ويتعاملون معها في كل مواقف الحياة، ولا شك أنه لا يمكن الاستغناء في جانب آخر عن هذه التقنيات الحديثة نظرا لقيمتها وفائدتها في مختلف مجالات الحياة، خاصة في مجال التعليم والأدب والثقافة، حيث أصبحت أهم وسيلة تساعد على جمع المعلومات ونشرها، ونقل الأفكار والأيديولوجيات، وتسهيل عمليات القراءة والبحث والكتابة والتأليف بوقت أسرع وطريقة أفضل، كما أنها تسهم في الحفاظ على ثروة تراثية هائلة في الأدب والتاريخ والثقافة وفي مختلف العلوم والمعارف، وتحويل هذه المواد إلى أفلام وبرامج ثقافية وتربوية بجانب تحقيق الهدف الترفيهي والوجداني، ولكنه مع ذلك هو عالم تملأه ألوان المخاطر والتحديات – كما أشرنا –، ولأنه قد تحول إلى مجال التسلية والترفيه بالنسبة للناشئين، أكثر من أن يكون وسيلة للتعلم والمعرفة، فنلاحظ انتشاراً واسعاً للشركات والمؤسسات الإلكترونية التي تصمم المواقع والبرامج وتطبيقات اللعب للأطفال، وتنشرها نشراً غير واع لمجرد كسب الأموال الطائلة، ومن ثم يجب على الأسرة أن يكون لديها معرفة تامة بهذا العالم التكنولوجي وما له من إيجابيات وسلبيات قبل أن يخوض فيه الأطفال، لتساعدهم على اختيار محتويات مناسبة.

ومن هنا تبرز أهمية أدب الأطفال الإسلامي في علاج ظاهرة التكنولوجيا المسيطرة، حيث أنه أدب هادف يدعو إلى البناء لا الهدم، ويميز بين الخطأ والصواب وبين النفع والضرر، ويحث على استخدام وسائل الحياة في إثراء الخير والرخاء والمنفعة، لذلك هو يربي الناشئين أولاً على الأهداف النبيلة التي يحث عليها الإسلام، لتنمو فيهم مشاعر الخير والفضيلة، ويكونوا دعاة الأمن والحق والصلاح تجاه أنفسهم ومجتمعهم، ولذلك يؤكد أدب الأطفال الإسلامي على حصول العلم باعتباره فريضة دينية، والعلم النافع بمعناه العام يسهم في بناء شخصية الأطفال من نواح متعددة، ويكون لهم وسيلة للنمو والازدهار في مجالات الحياة المختلفة، وفي هذا الإطار؛ يمكن للأسرة إقامة مكتبة خاصة للأطفال في المنزل، وتزويدها بكتب الأدب الإسلامي وغيرها من المؤلفات العالمية المفيدة في الأدب والتاريخ، ويجب تلقين الأطفال بالاستفادة من هذه الثروة المختارة، مع قضاء بعض الأوقات معهم في المكتبة، وبذلك سوف نتمكن من تعويدهم على القراءة والتعلم، مما ينمي فيهم تدريجياً أهمية هذه الكتب وما تحويه من موضوعات ومضامين، ويزيدهم شوقاً ورغبة إلى هذه المواد التاريخية والأدبية المفيدة، وبالتالي تتحقق لهم أهداف نبيلة أهمها حب الفضائل والمحاسن ونشر الأمن والرفاهية للجميع، وعندما يدخلون في العالم التكنولوجي بعد أن يتحلوا بمجموعة القيم والسلوكيات الحميدة؛ فلا يلتفتون إلى ما هو شر وعابث أو غير نافع بحقهم، بل يرغبون فيما طبع عليهم من معان جميلة وقيم هادفة بناءة، وهكذا هم يوظفون هذه التقنيات الحديثة في تنمية شخصياتهم دينياً وفكرياً وسلوكياً وتعليمياً وثقافياً ووطنياً، ومع ذلك يناسب أن تصحبهم رقابة الأسرة وإشرافها عند استخدام هذه الوسائل لأنها بلا شك سلاح ذو حدين.

وأدب الأطفال الإسلامي مفيد جداً في توضيح معنى الحياة، وتحديد مفهوم السعادة الحقيقية للأطفال والشباب المعاصرين، حيث أنهم – من خلال ما يقرأون ويسمعون ويشاهدون – يعانقون مجموعة من الأفكار والتصورات الخاطئة التي قوامها حصول المادة، مما يزيد فيهم نزعة الحرص والطمع والجشع، ويدعوهم إلى جمع المال بأي ثمن كأنه غاية محضة، كما يحبب لديهم الفردية والذاتية والأنانية كأنها عنوان المجد والعظمة، والعالم المعاصر يقدم لهم أمثلة الأثريا من رجال الأعمال والزعماء السياسيين وممثلي الأفلام الذين معظمهم نال هذه “السمعة العالمية المزعومة” على حساب الظلم والقهر والفساد، أو عن طريق الخيانة والمكر والخداع، ولا شك أن هذه الظاهرة المادية التي تتمثل بقوة في الآداب المعاصرة؛ تقضي على كثير من القيم والمثل الإنسانية، وتحرم الأطفال والشباب مفهوم الحياة وملذات السعادة الحقيقية، فأدب الأطفال الإسلامي بما أنه أدب هادف وبناء؛ يساعد كثيراً في علاج هذه الظاهرة، حيث يوضح للأطفال حقيقة المال بأنه وسيلة وليست غاية، وأن السعادة الحقيقية هي كسب المال عن طريق الخير لا الشر، وإنفاقه في وجوه تحقق الأمن والرخاء والسعادة للجميع، كما يؤكد أن الالتزام بالصدق والإخلاص والعدل والتعاون والتعاطف والإخاء والمودة والصبر والقناعة والطهارة والعفاف هي كلها في الواقع قمة السعادة الحقيقية في الحياة، وبذلك يخرجهم من سعادة مادية فانية إلى سعادة روحية خالدة.

وأدب الأطفال الإسلامي يسهم جداً في القضاء على ظاهرة الخيال المفرط الذي أوجده العالم التكنولوجي العلمي، فنلاحظ أطفال اليوم الذين هم أسارى الإنترنت؛ يقعون فريسة الأوهام والأخيلة الكاذبة عبر كثير من البرامج والمسلسلات الكرتونية وألعاب الإنترنت، التي تصور لهم على اسم الترفيه عالماً موهوماً للمخلوقات والكائنات الغريبة من الوحوش والحيوانات المفترسة والتنين وغيرها، التي لا وجود لها في العالم الحقيقي، مما يؤثر على عقولهم وأفكارهم سلباً، حيث هم يزدادون بعداً وانقطاعاً عن عالم الواقع، ويفقدون بالتدريج قوة الوعي والتفكير والاستنتاج حول ظروف العالم الحقيقي وما يجري فيه من أحداث، يقول الشاعر سليمان العيسى: “أنا لا أؤمن بكل ما يسمى المبالغات والتهويل والخوارق التي تملأ عقول الصغار في معظم ما يقرؤون وما يسمعون وما يشاهدون، هذه العوالم الوهمية ليست أكثر من خدعة نخدع بها أطفالنا، ونشوه بها عقولهم الصغيرة وفكرهم وثقافتهم، الحقيقة هي أثمن ما نقدمه للطفل، وأقصد الحقيقة بثوبها العلمي والأدبي والفني، وفي رأيي أن “سوبرمان” وأمثاله تشويه وتسميم لعقل الطفل وما أظن مثل هذه الثقافة المريضة التافهة وضعت للأطفال عن حسن نية”[2]، ولأن الطفل في سنواته المبكرة خاصة يكون محدود الثقافة والخبرة، لكنه يحمل خيالاً واسعاً طالما لا يصل إليه الكبار، فهو في هذه المرحلة العمرية؛ يعيش في دنيا الخيال، ويحب دائماً أن يستمتع بخياله المطلق، وينطلق به إلى آفاق لا محددوة، من دون أن يلتفت إلى حقائق ما حوله، ومن دون أن يميز بين الخيال الصحيح والخيال المغلوط، ومن ثم لا بد من تغذية خياله بأفكار وتصورات سليمة قريبة من الواقع، لكي لا يتلوث خياله بتصورات خاطئة مضلة تفسد عليه قوة تفكيره وإدراكه في العالم الحقيقي، لأنه بمثابة كوب فارغة يمكن أن تملأ بكل رطب ويابس، لذلك يهتم أدب الأطفال الإسلامي بإثراء خيال الطفل بما هو نافع وبنّاء، فيزوده بقصص وحكايات تربط الطفل بعالم الحقيقة والواقع، ويقدم له كذلك أمثلة ونماذج إنسانية حقيقية، مما يطلق خياله في وجهة صحيحة هادفة، ويحميه من الزيغ والفساد، ويكوّن لديه شخصية متزنة، ويساعده على فهم حقائق الكون والحياة، كما ينمي قوة وعيه وتفكيره لمواجهة كثير من المحن والمعضلات والبحث عن حلولها في الحياة العملية، إضافة إلى ذلك؛ يمد هذا الأدب خيال الطفل بالزاد الروحي والإيماني، الزاد الذي يزخره تراثنا الإسلامي العظيم، وقد بين الدكتور نجيب الكيلاني بعض توجيهات مهمة يجب رعايتها خلال كتابة القصة من أجل الحفاظ على خيال الطفل، وهي كما يلي:

  1. مراعاة نفسية الطفل، والمؤثرات التي تفعل فعلها فيها، والنتائج المرتبة عن قصص الرعب والخوف والصدف المثيرة، والمفاجأة التي لا ترتبط بمنطق.
  2. ربط الخيال بهدف عالٍ يثري خبرة الطفل وثقافته، ويوسع آفاقه، ويساهم في إنماء قدراته الإبداعية.
  3. أن يغرس الخيال نوعاً من العلاقة بين خبرات القصة والخبرات الإنسانية العامة.
  4. ارتباط الخيال بما هو صحيح في سنن الكون وبما هو ممكن أو جائز أو نسبي.
  5. يدخل في نطاق الخيال ما يشبه المعجزة أو الكرامة، في إطار الاشتراطات المعروفة.
  6. إن جرعات القصص الخيالي يجب أن تتناقص مع نمو الطفل العقلي، وازدياد خبراته، فكلما ازدادت سنوات عمر الطفل الطبيعي، كلما مال نحو القصص الذي يرتبط بالبيئة والواقع.[3]

        كما أن أدب الأطفال الإسلامي يؤدي دوراً مهماً في تحديد معنى الحب الصافي بين الرجل والمرأة، وتوضيح مكانة المرأة في ضوء تعاليم الإسلام وقيمه المتميزة، فلا شك أننا نعيش في عصر قد تشوه فيه مفهوم الحب تماماً، وانحطت فيه مكانة المرأة، بسبب كثير من العوامل والمؤثرات السلبية التي تقتحم حياة الأطفال والشباب وتهدم سلوكهم وأخلاقهم، فنرى انتشاراً واسعاً للأفلام والفيديوهات الإباحية التي يوفرها عالم الإنترنت من دون قيد وحذر، وصدور الكتب والمجلات التي تشتمل على صور ومواد جنسية مثيرة، وشيوع الثقافة المنحرفة الواردة خاصة من المجتمعات الغربية، مما يسبب عن دحض مكارم الأخلاق، وهدم القيم النبيلة، ويؤدي إلى تعميم الخلاعة والمجون وإثارة ميل للشهوات في الشباب، كما يشوه لهم صورة المرأة، ويفسد عيلهم معنى الحب الجميل، ومن الملاحظ أن موضوع “الجنس” أصبح سائداً على الساحة الأدبية المعاصرة، فنجد شيوعاً واسعاً للروايات الجنسية في كل من البلاد الغربية والعربية، على اسم “الفن والإبداع” أو كـ “ضرورة التربية الجنسية”، ونجد كذلك “أدب اليافعين” في بلاد الغرب خاصة، وهي روايات يبدعها الشباب اليافعون وتضم بأغلبها قصص حبهم وتجارب حياتهم الجنسية، (وقد أشار الباحث إلى هذه النماذج في الباب الثاني تحت عنوان “مفهوم آخر لأدب الأطفال في الغرب”)، فهذه الآداب والفنون قد أصبحت اليوم “ثقافة العصر الحديث”، فتمنح عليها الجوائز العليا باعتبارها “أروع النماذج الأدبية”، مع أن المجتمع المثقف يواجه مكشوفاً ما تحمل هذه الآداب من نتائج سيئة على الفرد والجماعة، ولا شك أن الأدب وحده ليس مسوؤلاً عن تفشي المجون والخلاعة، إنما هو المجتمع الذي لا ينكر هذا المجون، يقول أحمد حسن الزيات: “ليس على المرء من حرج أن يماجن صحبه الأدنين في مجلسه الخاص، وليس عليه من حرج أن يعري في غرفة نومه أو في حمام بيته، وإنما الحرج كله أن يماجن في ملأ أو يعري في شارع، والذين يسمعونه مفحشاً ولا يعترضون، أو يرونه عارياً ولا يعرضون؛ لا يقلون مجوناً ولا جنوناً عنه، فالمسألة في أدب المجون مسألة ضمير في الكاتب والناشر، وكرامة في القارئ والناظر، إن الطبيعة موضوع الفن؛ وإن الحياة مادة الأدب، والفنان الحق يصور بحق، والأديب الصادق يعبر بصدق، فإذا شئتم أن يطهر أدبكم من المجون والبذاءة، فطهروا مجتمعكم من الفجور والرياء، إن الأدب صورة، جمالها من جمال الأصل، وقبحها من قبحه”[4]، ولا يعني ذلك أن نقبل الأدب بكل ما فيه من وقاحة وفجور بمجرد أنه يعبر بالصدق عن أحوال المجتمع، لأن الأدب ليست وظيفته إرضاء الشهوات والغرائز، وإنما وظيفته إشباع الوجدانات بالعواطف الجميلة والأحاسيس الطيبة التي تستهوي لها الفطرة الإنسانية السليمة.

ومن ثم يلتزم أدب الطفل الإسلامي بترويج مكارم الأخلاق وتنمية المشاعر والأحاسيس الجميلة، ويؤكد على رفض الفواحش والمنكرات بجميع أشكالها، لينشأ الأطفال والشباب على الحياء والعفة والطهارة، ويترسخ لديهم معنى نبيل عن الحب والعلاقة بين الجنسين، وتنمو فيهم أهمية الكرامة والشرف تجاه المرأة، فالإسلام لم ينظر إلى المرأة أبداً على أنها لعبة أو متاع أو كائن جنسي، بل نظر إليها كأم رؤومة وزوجة صالحة وأخت عفيفة وبنت طاهرة، وقد بين القرآن أنها سكينة ومودة ورحمة، لذلك أحب لها الإسلام أن تلتزم بالبيت وتتمسك بالحجاب وتبني العلاقة برجل في إطار الشريعة في شكل الزواج، تعظيماً لذاتها وحفاظاً على شرفها وحياتها، وهكذا كبح الإسلام جميع الغرائز والشهوات التي تطغى عليها وتدحض كرامتها، وإن الطفل إذا نتأمل في نفسيته خلال سنواته المبكرة خاصة بغض النظر عن مجمتعه وديانته؛ نجد أنه يحمل قلبا طاهراً وإحساساً لطيفاً نحو الحب، الذي يتمثل أمامه بدايةً في مختلف المظاهر والأشكال، فيظهر له مثلاً في علاقته مع الأم والأب والإخوان والأخوات وغيرهم من أفراد الأسرة، وكذلك في علاقته مع الجيران والأصدقاء، كما يتمثل في رغبته إلى الطعام والشراب واللعب وغيره، وبعد أن ينمو عقله ويشتد اختلاطه بالمجتمع وأفراده ويحصل له مزيد من الخبرة والثقافة، يطلع على معنى آخر للحب، ما يتصل بالعلاقة بين الرجل والمرأة، فالطفل لا يدرك عموماً – حتى الحادية أو الثانية عشرة من عمره – عن هذه العلاقة المخصوصة، غير أنه يرى أمامه أموراً شائكة قد تُسر إليه عن هذه العلاقة، لكن طبيعته الصافية تنظر إليها دائماً بنظرة الخجل والحياء، وتحدث نفسه الزكية أنها أمور يجب إخفاءها ولا يناسب عرضها، هذه هي الفطرة الإسلامية السليمة التي تصحب كل الطفل في أكثر مراحل عمره إن وفرت له بيئة صالحة، لذلك يؤكد أدب الطفل الإسلامي على رعاية نفسية الأطفال، ويهتم بإثراءها وتنميتها في وجهة صحيحة، لتساعدهم على التمييز بين الخير والشر والحسن والقبح، وتحميهم من الزيغ والانحراف، ولا شك أن الأدب يحتاج إلى مجتمع صالح، ليكون أدبا نافعاً.

الهوامش

[1] فاطمة، ميموني، “قراءة في كتاب: الأدب الإسلامي للأطفال للدكتور إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي“، (ورقة بحثية، 2017 – 2018، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة ابن خلدون، الجزائر) ص: 8.

[2] دربك، علياء، “أدب الطفل المسلم في مواجهة العولمة – التصور الإسلامي لأدب الأطفال تخطيط لمستقبل مضيء“، (استطلاع)، مجلة “الأدب الإسلامي”، المجلد 10، العدد 40، 2004م، مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الرياض، ص:53.

[3] الكيلاني، نجيب، “أدب الأطفال في ضوء الإسلام“، (ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1998م) ص: 126 – 127.

[4] الزيات، أحمد حسن، “أدب المجون (3)”، مقالة تتوفر على موقع: الأنطولوجيا.كوم، تاريخ النشر: 2 يوليو 2018م، تاريخ الزيارة 4/5/2023م، رابط المقال: https://alantologia.com/blogs/10555/ .

المصادر والمراجع:

  • دربك، علياء، “أدب الطفل المسلم في مواجهة العولمة – التصور الإسلامي لأدب الأطفال تخطيط لمستقبل مضيء“، (استطلاع)، مجلة “الأدب الإسلامي”، المجلد 10، العدد 40، 2004م، مكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
  • الزيات، أحمد حسن، “أدب المجون (3)”، مقالة تتوفر على موقع: الأنطولوجيا.كوم، تاريخ النشر: 2 يوليو 2018م، تاريخ الزيارة 4/5/2023م، رابط المقال: https://alantologia.com/blogs/10555/ .
  • فاطمة، ميموني، “قراءة في كتاب: الأدب الإسلامي للأطفال للدكتور إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي“، (ورقة بحثية، 2017 – 2018، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة والأدب العربي، جامعة ابن خلدون، الجزائر)
  • الكيلاني، نجيب، “أدب الأطفال في ضوء الإسلام“، (ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1998م)