Dr. Mohd Tabish Khan
(Guest Faculty)
Department of Arabic
University of Mumbai
لقد استحق الأديب والمفكر الهندي البارز انّابهاؤ ساتهی (Anna Bhau Sathe) أن يكتب اسمه بحروف من ذهب تقديراً لجهوده في مجالات التاريخ الاجتماعي والأدبي والثقافي وتطوير حركة المعرفة والتعليم في ولاية ماهاراشترا، لا يستطيع الباحث صرف النظر عن مساهمته القيمة في تقديم أدب اللغة الماراتهية من الساحة المحلية إلى الساحة العالمية وعرض قضاياها بجدية واستمرار ورفعِ رايتها دوليًا في بداية خمسينيات القرن العشرين، و يسعدنا تقديم تحياتنا إلى الكاتب ساهيتيراتنا(1) انّابهاؤ ساتهی بمناسبة الذكرى الرابعة و المئة لميلاده،
في سياق الأنشطة الأدبية الهندية في خمسينيات القرن العشرين، كان الأدباء البارزون مثل رابندراناث طاغور- أول فائز بجائزة نوبل من آسيا – ومُلك راج أناند، وراجا راؤ قد نجحوا في ترسيخ جذور الآداب الهندية في العالم الغربي من خلال كتاباتهم المتميزة والذي كتب باللغة الإنجليزية مباشرة، وبجانبهم يقوم الكاتب الشهير أنّابهاؤ ساتهی الذي قدم أفكاره في اللغات الإقليمية الهندية، ثم تمت ترجمته إلى لغات هندية أخرى والعديد من اللغات العالمية الأجنبية، وهذا شرف نادر قل أن يناله كاتب هندي لم يذق حلاوة التعليم المنتظم يوماً، بينما بينما نرى تخلف الكتاب الآخرين وعدم نجاحهم في تقديم آداب لغاتهم عرضاً متوازياً.
ولد أنّابهاؤ ساتهی في 1 أغسطس 1920 في واتيجون في مقاطعة سانغلي في أسرة فقيرة، وانتقل من واتيجون إلى مومباي بحثًا عن عمل. وبعد أن تم رفضه من التعليم في اليوم الثاني من المدرسة بسبب كونه من “المنبوذين”، أصبح أنّابهاؤ ساتهی من خلال تجاربه الذاتية رائدًا بلا منازع في الأدب الماراتهي. قد ترك أنّابهاؤ ساتهی يصل إلى 83 عملًا مدهشًا، وهي تشتمل على 35 رواية، و22 مجموعة قصصية، و3 مسرحيات، ورحلة أدبية، و13 مسرحية شعبية، و10 بوادا (نوع من أغنية بسيطة أو قصيدة قصصية ماراتيهة). قد سجّلت هذه الآثار الأدبية القيمة رقما قياسيا عالميًا استثنائيًا بحيث من أنتجها لم يلتحق بالمدرسة أبدا و قد أنتج أعمالًا أدبية ذات جدارة عالية و هي تتميز من دونها وترجمت باللغات العالمية في الستينيات.
صوّر أنّابهاؤ ساتهی واقع الحياة الريفية والحضرية في كتاباته، كما نجح في نقل الطبقات المنبوذة إلى مركز الهيكل الاجتماعي و زرع بذور أدب الطبقات المتخلفة المنبوذة من خلال تصوير قضاياهم والتمييز العرقي الذي يواجهونه كل يوم، ووفق إلى أدب مرموق يسلط الضوء على المجتمعات المحرومة، بعد أن كان يدور حول الطبقة الوسطى، مما زاد في الوعي بشأن هذه الفئات من المجتمع واستعطاف الهيئات الدولية.
من خلال منح فرص القيادة للأبطال والبطلات من الطبقات الدَنيا، تحدى أنّابهاؤ ساتهی النظام الطبقي و قام بإلغاء مركزية القيادة، على غرار مفهوم القيادة الشامل في حركة واركاري الهندية. إنه عالج المجتمع من خلال عمله على عدة مستويات في آن واحد. لقد عزز بكتاباته الأدبية حركة الفنون والثقافة والأدب وحركات العمال،وحركة ماهاراشترا المتكاملة (ساميكتا). وقد تم التعرف على هذه المساهمة عالميًا، حيث (1) يراد به من نال جائزة ساهتيه اكادمي للآداب، وهي أكبر جائزة للآداب المحلية في الهند، ارتبطت كتاباته بالمضطهدين في جميع أنحاء العالم كما جعلته كتاباته الواسعة عن الحياة الاجتماعية والثقافية في روسيا والصين واليابان وكوريا كاتبًا ذا مستوى عالمي بفهم عالمي عميق.
كانت فترة الإنتاج الأدبي لأنّابهاؤ ساتهی مليئة بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية. فقد شهدت هذه الفترة نضال الهند من أجل الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني والحرب العالمية الثانية، وصراع حركة ماهاراشترا، على الرغم من أن حياته كانت مليئة بالحرمان والصعوبات والتجاهل، وقد أثرت بشكل كبير على مسيرته الاجتماعية، حيث بدأ عطاؤه الأدبي من عام 1942 إلى 1969، وكل ذلك في غضون 29 عامًا فقط.
في بداية حياته كان ميالاً إلى الماركسية، ولكن سرعان ما اعتنق الأيديولوجية الأمبيدكارية، مؤكداً في أدبه وأفعاله بأن الأيديولوجية الأمبيدكارية هي أكثر تأثيراً في السياق الهندي. إنه أهدى عمله الفني المميز “Fakira” إلى قلم الدكتور بابا صاحب أمبيدكار القوي الذي أنتج أعمالاً بارزة مثل: “إلغاء الطبقات”، و”بوذا وديناماته” و”مشكلة الروبية” كما قام بتدوين الدستور الهندي الديمقراطي، كتب أنّابهاؤ ساتهی”Jag Badal Ghaluni Ghav, Sangoon Gele Maj Bhimrao (जग बदल घालुनी घाव सांगून गेले मज भीमराव’)” (اضرب العالم لتغييره، قال لي بھيم راو) كأحد المخلصين لحركة بابا صاحب.
امتاز أدب أنّابهاؤ ساتهی بالتركيز الأساسي على الفئات المهمشة والمحرومة في المجتمع، ولكن أعماله تجاوزت الهوية الإقليمية، مقدمة أفكارًا وطنية، بينما جمعت المجتمعات التي تم محوها من الذاكرة العامة وربطتها بالمجتمع العالمي. لذلك نرى أن كتابات أنّابهاؤ ساتهی تلتزم تقاليد الشعراء الهنود مثل كبير، وتوكارام، وميراباي، فضلاً عن الشخصيات الأدبية الدولية مثل زورا نيل هيرستون، وسوجورنر تروث، وسعادت حسن منتو، وبابلو نيرودا، وعصمت جغتائي، وألدوس هكسلي. لقد سخر قلمه لتصوير حياة المضطهدين والمنكوبين في ولاية ماهاراشترا بشكل خاص وفي الهند بشكل عام، وهذا كان غير مألوف إلى حد كبير حتى الناطقين باللغة االماراتهية.
لقد عانى أنّابهاؤ ساتهی كثيراً التجاهل كأديب ماراتهي طوال مسيرته الأدبية ولكن يظل ربما الشخص الوحيد في تاريخ الأدب الماراتهي الذي شاهد بعينيه الرحلة العالمية لأعماله وأفكاره،.ففي عام 1961، عندما دُعي أنّابهاؤ للمرة الثانية من قبل الجمعية الثقافية الهندية-السوفيتية في روسيا، فشاهد الحب الهائل الذي أظهره الشعب الروسي تجاهه وتجاه أدبه. أثنى العديد من الكتاب والمسرحيين والمترجمين الدوليين على أعمال أنّابهاؤ ، مما أدى إلى ترجمة أدبه إلى اللغات الألمانية، والبولندية، والتشيكية، والروسية، والإنجليزية، والعديد من اللغات الهندية مثل الهندية، والتيلوغو، والكانادية، والتاميلية، والمالايالامية.
أكد أنّابهاؤ ساتهی في خطابه الافتتاحي في أول مؤتمر للأدب الداليتي الهندي (أدب الطبقة المهمشة) عام 1958قائلاً: “الأدب هو العين الثالثة للعالم”. لقد أنشأ أدبًا متيناً مبنيًا على المعرفة الصائبة التي تهدف إلى بناء المجتمع الهندي عن طريق التحول الاجتماعي،. كانت شخصية أنّابهاؤ ساتهی متعددة الأبعاد بالفعل.
يقول أنّابهاؤ ساتهی معبرًا عن موقفه الأدبي الإيديولوجي: “إيماني الثابت يكمن في بلدي، وشعبه، والنضال من أجل العدالة. أحلم بأن يكون هذا البلد سعيدًا ومزدهرًا، وأن تزدهر المساواة هنا. أحلم كل يوم بأن تصبح أرض ماهاراشترا جنة. وهذه الأحلام المباركة هي التي تلهم كتاباتي”.
تُعزز الأسس الإيديولوجية لأدب أنّابهاؤ ساتهی الوعي بالوطنية الهندية وتعمل كتيار دائم للتقاليد المجيدة للهند غير المنقسمة. تتغير الأفكار الأدبية الراسخة والمعايير والقيم النقدية باستمرار، لكن على مدار الثمانية الأخيرة من العقود الماضية، أثبت الأدب الكلاسيكي لأنّابهاؤ ساتهی فائدته وملاءمته، وأصبحت أهميته تتزايد يومًا بعد يوم.
بجانب كونه مصلحًا اجتماعيًا، وقاصا، وفيلسوفًا، وقائدًا لحركات الرفاه الاجتماعي، كان أيضًا مشهورًا بلقب “شاعر شيف جي” بأنه غنى أغنية ماراتهية في موسكو خلال زيارته لروسيا. علق الدكتور بابوراو جوراف، الناقد المعروف، قائلًا: “تتجاوز قصص أنّابهاؤ سبع بحار، متخطية الطبقات والطوائف والأديان والدول والأزمان والحدود واللغات، مما يجعله جوهرة عالمية أعطت الأدب الماراتهي هوية دولية.”
لا يظهر أدب أنّابهاؤ ساتهی أي نوع من الرتابة. على العكس فهو مليء بتنوع الموضوعات، وغناء المحتوىات، وثراء التجارب، ودوام النضال والكفاح،. لقد كتب النقاد على نطاق واسع عن أعماله ودرسوها. خالية من الهياكل التقليدية، يصور أدبه حياة الإنسان بشكل واقعي، أحيانًا بتمرد وأحيانًا يتناغم. يشمل أدبه القيم الأساسية كالأخلاق والاقرار بالأخوة العالمية، واحترام الإنسانية، والفخر بالأوطان، وحرية البلاد، وعفة النساء، واحترام الرجال لذاتهم، وكرامة الإنسان. إن الوعي الاجتماعي هو الهدف الرئيسي من كتابات أنّابهاؤ الأدبية.
صوت المنبوذين : أنّابهاؤ ساتهی صحافيا:
اشتهر أنّابهاؤ ساتهی كمفكر بارز، وكاتب محنك، وصحفي شجاع، وقد تناول بقوة قضايا عامة الناس وأصبح صوتا قوياً لهم و لكل ما يتعلق بهم. وبذلك أصبح صحفيا مؤثرا في الصحافة والدورية “يوغانتر”. لقد قام بكتابة مقالات صحفية تدل على بلااعته بكل بمهارة على العناوين المختلفة مثل الاستقلال الهندي، الحكم البريطاني واستغلال الهنود، التضخم، الهوية الماراتهية، الثقافة، جوانب مختلفة من الحياة الإنسانية في مومباي، الفساد المتزايد، والقانون والنظام.
كتب أنّابهاؤ ساتهی مقالا بعنوان “حياة الداليت على شفا الموت”، و نُشر في 16 يوليو 1944 في مجلة “لوك يودها” فطار صيته وهو معروف بشكل واسع. تعكس أعماله الأدبية تأثيرًا فكريًا ونظريًا عميقًا، حيث تُظهر نضالات الحياة الإنسانية وحياة أولئك المهمشين ثقافياص متجاوزًا حدود الخيال، والترفيه، والفنتازيا، يغمر أدب أنّابهاؤ نفسه في الواقعية ويصبح إنسانيًا بشكل واسع. يكتب: “ما أعيشه، وأراه، وأشعر به، هو ما أكتبه. لا أستطيع أن أطير بجناحي الخيالي. أعتبر نفسي ضفدعًا في هذا الشأن. جميع شخصياتي قد دخلت حياتي بأي طريقة أو بأخرى. شعبي حقيقي، وهم أحياء.”
يوضح أنّابهاؤ ساتهی معبرًا عن ما يرجو من الأدب: “نريد أدبًا نقيًا مثل نهر الغانج. نريد الازدهار والشمولية بشكل عام. نحن فخورون بالتقاليد العظيمة للأدب الماراتهي. لأن أصل الأدب الماراتهي جاء من كفاح حياتنا الخاصة. عندما أصبح ظل الداليت لا يُحتمل، ثار كتابنا مصرين على أن يحصل الجميع على المعرفة، لأن المعرفة هي الخلاص. إن كتّابنا هم من قدموا ‘الديانيسوي’ الجميلة إلى ماهاراشترا بلغة الداليت، مؤكدين أنه يجب أن يكون الناس قادرين على العيش ككائنات إنسانية… وكذلك إيكناث الذي لم يكتفِ بلمس ولكن أيضًا يرفع الطفل المفقود من ماهارا تحت الحرارة الشديدة.”
أنّابهاؤ ساتهی ككاتب إنساني عالمي:
تميزت صحافة أنّابهاؤ ساتهی بالالتزام بالحق والشجاعة الأخلاقية للدفاع عن الحرية. خلال حركة ماهاراشترا المتكاملة، وصراع تحريرغوا، وحركة “اركع الهند”، شارك أنّابهاؤ بنشاط وساهم من خلال الكتابة المنتظمة في الدوريات مثل “يوغانتر”، و”لوك يودها”، و”لوكساهيتي”، مما ساعد بشكل كبير في تقدم هذه الحركات. كان يحمل إيمانًا عميقًا بالإنسانية، حيث اعتبر أن “الإنسان هو النحات لحياة الإنسان، والحياة نفسها بالكامل في أيدي البشر، وقيمة الحياة الإنسانية هي القيمة العليا”. تؤكد هذه الفلسفة أن البشر هم من يخلقون معايير الحقيقة والباطل، والأخلاق واللامبالاة، والنقاء والنجاسة، والصواب والخطأ.
تم التعرف حاليا على أن أنّابهاؤ ساتهی قام بتنظيم اجتماعَين لتقديم التعازي في غوراغاون، مومباي بمناسبة اغتيال مارتن لوثر كينغ جونيور في عام 1968 في تينيسي. وأثناء حديثه إلى الحضور، أعلن أن مارتن لوثر كينغ جونيور كان البطل الحقيقي لنا جميعًا وللجماهير الداليتية في الهند (الضباط العسكريون المتقاعدون، الدكتور هوشاجي هادوليكار).
تدعم هذه الفلسفة، أو الكتابات المستوحاة منها، بشكل حقيقي أيديولوجية الإنسانية. الأفكار الإنسانية التي بدأت في أوروبا في القرن الخامس عشر أثرت بشكل عميق على أدب أنّابهاؤ ساتهی. تعكس أعماله فلسفة العيش حياة أخلاقية، وحبًا عميقًا للطبيعة، والوطن، والإنسانية، والتسامح الديني. تظهر الفلسفة الإنسانية العالمية بوضوح في أدب أنّابهاؤ ساتهی.
أنّابهاؤ ساتهی كممثل:
تم إنتاج سبع أفلام تجارية استنادًا إلى روايات أنّابهاؤ ساتهی مثل “فايجايانتا”، و”شيخالاتي كمال”، و”وارانيشي فاغ”، و”فقيرة”، وغيرها. فازت رواية “فقيرة” بجائزة أفضل رواية من حكومة ماهاراشترا في عام 1961. ومن المثير للاهتمام أن أنّابهاؤ ساتهی كتب السيناريو ولعب بنفسه دور نيلو مانغ في الفيلم “فقيرة” الذي استند إلى روايته الخاصة.
أنّابهاؤ ساتهی كمنشد:
لم يكتف أنّابهاؤ ساتهی بالكتابة بل أدلى دلوه في مجال الشعر. فقصائده وأغانيه مثل “تقليد ماهاراشترا”، و”أغنية ستالينغراد”، و”عمال المطاحن في مومباي”، و”مازهي ماينا غافاكادي راهيل” (ماهاراشترا المتكاملة)، و”جاغ بادال غالوني غاف” (اضرب لتغيير العالم)، و”مومباي تشي لافاني” (أغنية مومباي)، وكل هذه الأغاني والأناشيد قد أسرت عقول الجمهور وأثرت في حركة التحرير.
وبناءً على ذلك، يجب الاعتراف بأن أنّابهاؤ ساتهی هو أحد القلائل من الشخصيات الأدبية الماراتهية الذين جلبوا الشرف للأدب الماراتهي في الخارج من خمسينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا. إلى جميع الحقائق المذكورة عقد مؤتمران دوليان في موسكو في عامي 2019 و2022 في روسيا، وكجزء من هذه المؤتمرات الدولية حول أدب أنّابهاؤ ساتهی ، تم تركيب تمثاله في مكتبة مارغريتا رودومينو للغات الأجنبية في موسكو في سبتمبر 2022، و ذلك بحضور 328 من العلماء الهنود، وأبرز السياسيين من ماهاراشترا وروسيا. هناك طلب متزايد أيضًا أن يمنح أنّابهاؤ ساتهی أعلى جائزة مدنية في الهند، وهي جائزة بهارات راتنا.