Main Menu

أمينة السعيد (1910-1995): الروائية الشهيرة وإحدى رائدات الحركة النسائية المصرية

                                                                                         د. عامر جمال

                                                                                                           أستاذ اللغة العربية

  بكلية ذاكر حسين دلهي 

                                                                                                                      نيو دلهي    

ملخص البحث:

                يركز هذا البحث على حياة وأعمال ونشاطات الروائية الشهيرة أمينة السعيد التي هي تشتهر بكونها رائدة الحركة النسائية مع هدى شعراوي في مصر في أوائل القرن العشرين . إن لهذه الشخصية أعمالا كثيرة في مجال الصحافة والأدب والدين. ففي هذا البحث نناقش روايتها “الجامحة” التي تعتبر أيضًا أول رواية نسوية بجانب ذكر أعمالها الأخرى ونشاطاتها الصحفية وما إلى ذلك.

يبدو من التاريخ أن مساهمة الرجل في مجال النثر والرواية أكثر من مساهمة المرأة ويعتقد معظم النقاد والمؤرخين أن الرجل هو أول من جرب حظه في مجال الرواية وهو رائد نوع الرواية العربية رغم أنه هو بنفسه اعتمد على الأعمال النثرية للكتاب الغربيين. فرواية “زينب” التي كتبها محمد حسين هيكل يعتبرها معظم النقاد العرب أول رواية عربية في تاريخ الأدب العربي ولكن بثينه شعبان الأستاذة بجامعة دمشق، سوريا ترفض هذه النظرية وهي تدعي أن الرواية “حسن العواقب” التي كتبتها زينب فواز، الكاتبة اللبنانية، هي أول رواية عربية صدرت في القاهرة عام 1899م قبل رواية “زينب” بحوالي 15 عامًا. وهي تقول قبل أن نُشرت رواية زينب عام 1914م ، كانت زينب فواز ، مع عفيفة كرم وفريدة عطية ، قد كتبن ونشرن إحدى عشرة رواية.1

على كل حال ، ومهما كانت الحقيقة، نعلم من هنا بأن المرأة التي هي مقيدة بأصفاد المنزل وواجباته خرجت وناضلت وأعطت انطباعها في مجال الأدب. وساهم في مجال الأدب العربي كثير من النساء وتركن بصماتهن في كل دول العالم العربي تقريبًا. ومنهن مي زيادة وفدوى طوقان وسهير القلماوي وألفت إدليبي وليلى بعلبكي وهدى بركات وأليفة رفعت وأحلام مستغانمي وأهداف سويف ودرية شفيق وعائشة عبد الرحمن وسميرة المانع وفادية الفقير وليلى أبو زيد وحنان الشيخ وليانة بدر وغادة السمان وعالية ممدوح وحميدة نعناع وحنان الشيخ ومي غصوب ألخ. وهناك عدد من الأكاديميات البارزات مثل زينب الغزالي ونوال السعداوي وفاطمة المرنيسي اللواتي كتبن من بين مواضيع أخرى عن مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي.

فهذه الشخصيات قمن بالإسهام في مجال الأدب العربي وخاصة في مجال الرواية. والجدير بالذكر أنه يوجد في مصر نفسها العديد من النساء اللواتي حققن مكانة مميزة في مجال الرواية بثراء مذهل وتنوع وإبداع في أعمال الكتابة. وفي أعمالهن تناولن موضوعات مختلفة ، فالكاتبة تنغمس أحيانا في تصوير نفسها وأحيانًا تكون تعبيراتها من أجل الفردية وأحيانا تصور القضايا التي تتعلق بالرجل والمجتمع أيضا. فتمتلئ روايات جميعهن بجانب الموضوع المتعلق بالنساء، القضايا الاجتماعية الأخرى مثل الظلم الاجتماعي والقمع الإمبريالي. وكل ما شعرن وجرّبن في حياتهن سواء أكان ذلك جيدًا أو سيئًا فقد ذكرن كل ذلك بمساعدة رواياتهن. فاستخدمن أقلامهن ورفعن أصواتهن لتحرير أنفسهن من المصاعب التي يواجهنها. فساعدتهن نضالاتهن النسوية في الوصول إلى الحرية والتحرر من القهر والفظائع.

وبين هؤلاء الأديبات شخصية بارعة فذة وهي الأديبة أمينة السعيد إني، في هذه المقالة الوجيزة، أركز على حياتها ومساهمتها في مجال الأدب وخاصة في مجال الرواية العربية فهي من رائدات الحركة النسائية المصرية أيضا.  إنها ولدت في القاهرة لأسرة من الطبقة الوسطى عام 1914. ثم انتقل والدها الطبيب الدكتور أحمد السعيد ووالدتها زينب طلعة مع عائلتهما إلى أسيوط المشهورة بتقاليدها القاسية وسوء معاملتها بالنساء ، والتي أثبتت أنها فتحت أعينها على عدم المساواة. كانت هي واحدة من ستة أشقاء لها أربع شقيقات وشقيق.2 وهي تعتبر صحفية وكاتبة مصرية ، وكانت واحدة من رواد الحركة النسوية في مصر. أسست أول مجلة نسائية “حواء” ​​في مصر عام 1954م التي أصبحت نموذجًا للمجلات النسائية المرموقة في البلدان الأخرى الناطقة باللغة العربية ، وظلت محررة لها خلال الفترة من 1954 إلى 1969.3

                حينما كانت أمينة في الرابعة عشرة من عمرها ، انضمت إلى قسم الشباب في الاتحاد النسوي المصري. كما حظيت بامتياز بكونها واحدة من أوائل النساء اللواتي التحقن بجامعة فؤاد الأول في عام 1931م (جامعة فؤاد الأول سميت بجامعة القاهرة في عام 1952م). وكانت أمينة من تلاميذ هدى شعراوي وأثبتت ذلك بخلع الحجاب وكذلك النهوض بقضية الرياضة النسائية من خلال الجرأة على لعب التنس في حرم الجامعة. فإنها نجحت في تأليف الروايات والسيرة الذاتية وأدب الرحلات  وعملت أثناء فترة دراستها محررة فرعية وباحثة في مجلة “كوكب الشرق” ومجلة أخرى “ساعة الأسبوعية”. إنها أكملت دراسة البكالوريوس عام 1935 وبعد ذلك التحقت بمجلة “المصور” وبدأت في كتابة الأعمدة لها. فما زالت  تواصل عملها بتفانٍ كامل طوال عمرها حتى فترة وجيزة قبل وفاتها. وفي عام 1973، أصبحت أمينة محررة ذلك المنشور وبعد ثلاث سنوات أصبحت رئيسة مجموعة النشر التي تصدره وظلت في هذا المنصب حتى عام 1985. وفي عام 1956 تم انتخابها لعضوية اللجنة التنفيذية لنقابة الصحفيين بعد أن دعمت اعتصام درية شفيق وإضرابها عن الطعام اعتراضًا على رقابة العقيد ناصر. وعندما أجبر العقيد ناصر الاتحاد النسوي على الانكماش إلى مؤسسة غير سياسية وخيرية منظمة حوّلت أمينة السعيد محتويات عمودها الأكثر شهرة ، “إسألوني” من معاناة عمة إلى ساحة نقاش سياسي. 4

                عملت أمينة السعيد أيضًا في مناصب أخرى مثل الأمينة العامة للاتحاد النسائي العربي (1958-1969) ونائبة رئيس اتحاد الصحفيين المصريين (1959-1970) كما كانت ممثلة مصر في عدد من المؤتمرات الدولية. نالت أمينة عدة جوائز والوسامات ومن بين الجوائز التي حصلت عليها كان الوسام الأول للجمهورية (1975) والنجمة العالمية (1979) والجائزة الوطنية للفنون (1982). 5

حدثت ثورة 1919 وكانت في طفولتها ولقد رأت نقطة تحول في الحركات النسوية عندما خرجت آلاف النساء بقيادة نسويات أسطوريات مثل هدى شعراوي إلى الشوارع. فرأت أمينة السعيد أن هؤلاء النسويات المصريات اللواتي اقتصرن على ساحات النقاش الفكري المعتادة وأعمدة الصحف خرجن الآن إلى الشوارع والمدارس وأماكن العمل. وكان لهذه الحركات الكثير من الإمكانات لدرجة أنها تجاوزت مصر إلى بقية بلدان الشرق الأوسط والعديد من الدول الإسلامية.

وتزوجت أمينة من الأستاذ عبد الله زين العابدين ، ورغم أن زوجها كان مليونيراً من الطبقة الأرستقراطية شبه الإقطاعية ، إلا أنها أصرت على إعطائه نصف راتبها الشهري من أجل إدارة المنزل ، لأن عقد زواجهما كان على أساس المساواة. وفي عام 1946م انضمت أمينة السعيد إلى شعراوي عندما هددت الأخيرة اللاعب المستهتر الملك فاروق الأول بحملة صحفية. وعندما طلق الملك فاروق زوجته الأولى الشهيرة الملكة فريدة ذهبت كلتاهما لتهنئة فريدة على “تحريرها” بموكب. وكان ذلك الحدث غير مسبوق ولم يكن موضع استياء ولم يواجه تحديًا خطيرًا حيث تم إبعاد الأصوليين المسلمين ليس بقوة الدولة ولكن من خلال الاتجاهات الاجتماعية المستنيرة التي ساهمت فيها الحركات النسائية.

وفي عام 1962 بدأت أمينة في عمودها في مجلة المصور هجوماً وحشياً على حكومة العقيد ناصر أسفر عن هدم منزل هدى شعراوي من قبل المطورين وبناء فندق فخم. وبهذا العمل الشجاع أصبحت تعرف بين الصحفيين المصريين بـ “التي لا تعرف الخوف”. وأمينة لم تخش أيّا من هؤلاء الدكتاتوريين ولم تصبح قط لسان حال النظام بل بعد أن أصبحت رئيسة تحرير مجلة المصور عام 1973م وأصبحت رئيسة مجموعة دار الهلال للنشر التي أنتجتها عام 1976م. وأصبحت أكثر قوة ونشاطًا في الدفاع عن حقوق المرأة حيث شهدت السبعينيات بداية المد الإسلامي الأصولي. 6

عندما تقاعدت أمينة السعيد في عام 1985م لم تترك كتابة عمودها الأسبوعي حتى توقف بسبب المرض في شهر مايو حتى الساعات القليلة الماضية من معركتها التي استمرت خمس سنوات مع السرطان. كانت تقدم المشورة لممثلي المنظمات النسائية غير الحكومية بشأن أفضل استراتيجية للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة العالمي للمرأة في بكين وتوفيت هذه الشخصية الرائدة في القاهرة في 13 أغسطس 1995م.

                ومن خلال سيرتها الذاتية علمنا أن أمينة السعيد كانت نسائية عظيمة مثل معلمتها شعراوي. على الرغم من أنها كتبت الكثير من الأعمدة في الصحف إنها كتبت بعض الروايات باللغة العربية مما جعلها أيضًا شخصية رائدة في مجال الأدب ومن أعمالها “أوراق الخريف” وهي مجموعة قصص قصيرة التي تم نشرها في القاهرة في عام 1943م ورواية “الجامحة” نشرت في القاهرة في عام 1950م ورواية “وجوه في الظلام” التي نشرت في القاهرة في عام 1963م ومجموعة القصص القصيرة “الهدف الكبير”  تم نشرها في القاهرة في عام 1985م. والآن نناقش روايتها “الجامحة” والتي هي أول رواية نسوية عربية وفيها اختارت أن تنظر إلى مجتمعها. 7

 

الجامحة:

رواية “الجامحة” التي كتبتها أمينة السعيد هي روايتها الأولى التي تعتبر أيضًا أول رواية نسوية. ركزت هذه الرواية على النمو العاطفي وتحقيق الذات لأميرة  الفنانة. ولهذه الرواية عنصر جديد آخر وذلك أن القصة كاملة تُروى من وجهة نظر شخصية أنثوية تعبر عن هويتها وتعيها. 8

هذه الرواية تصور بطلة اسمها أميرة. هي امرأة فقدت والدتها عندما ولدت فقام والدها بتربيتها ورعايتها. وهو يريد أن تكون قوية وأن تسترشد بالعقل وحده ولا تدع “العاطفة الضعيفة” تلعب أي دور في حياتها. عندما كانت لا تزال صغيرة ، يشرح والدها فلسفته بالكلمات: “العالم لا يعترف بالضعيف، والبقاء فيه هو للقوي. إذا كنت لا تستطيعين أن تكوني قوية ، فعلى الأقل تظاهري بأنك قوية. لا تقبلي إهانة من أحد  حتى ولو كان هو أقرب شخص لك. إذا ضربتك فتاة ، ردّي عليها ؛ وإذا لعنتك ، العنيها مائة ضعف ما كنت تعانين من هذا فسوف تُرضين كبريائك “9

                وفي طفولتها كانت مدمرة في موقفها لأنها اعتادت على تمزيق دميتها وتدميرها. لقد اتخذت نفس موقفها تجاه المدرسة وعاملت الطلاب الآخرين كما لو كانت تعامل دميتها. جعلت فاطمة صديقتها التي رفضها الآخرون. احتضنت أميرة فاطمة وهي تعانق دميتها ، لكن هذه الصداقة لم تدم طويلاً ، وانتهى بها الأمر في النهاية بالتخلي عن فاطمة مما أدى إلى تدميرها كما قامت بتدمير الدمية التي كانت تخدمها. ولأنها أرادت تطوير موهبتها الفنية اتجهت نحو معهد فني حيث بدأت مشاعرها العاطفية تنمو مع زميلها الطالب محمود ومع معلمها. ولم تستطع رؤية محمود كزوج محتمل لأنه كان فقيراً وواحد من “أولئك الذين وصفهم والدها بأنهم أعضاء في إنسان غامض تعمل فقط من أجل العيش دون أي هدف كبير لتحقيقه” 10 فلذلك اختارت أن تتزوج مع معلمها وبعد فترة من زواجها بدأت أميرة تشعر بالملل والافتقار إلى الهدف ووجدت طريقها للخروج من هذه المشاكل من خلال تنمية موهبتها الفنية مرة أخرى. فعادت إلى المعهد حيث التقت محمود مرّة أخرى الذي أحدث عاصفة في قلبها ولكن الشعور بالذنب منعها من خيانة زوجها.

وتحتوي رواية “الجامحة” على العديد من الموضوعات التي استخدمتها روايات النساء وطورنها في الخمسينيات والستينيات. وأحد هذه الموضوعات هو دور الأسرة ولا سيما أفرادها الذكور في تشكيل عالم المرأة – وهذا ليس مفاجئًا لأن أنشطة النساء ونطاق حركتهن اقتصرت في الغالب على المجال الخاص. كما ترعرعت أميرة من قبل والدها جعلتها تعاليمه ونصائحه المفرطة في التركيز غير قادرة على تطوير أي علاقات ذات مغزى مع الآخرين ولم تتطور عواطفها لأنها لا تستطيع أن تحب العلاقات العاطفية أو تحافظ عليها. وكان يمكنها أن تجعل صديقتها فقط الأشياء الجامدة مثل دميتها في طفولتها ونجمة تعرفت عليها مع زوجها بعد زواجها. وكانت تشعر بالراحة مع وجود النجمة ولكن زوجها يزعجها وهي تخافه. 11

وتظهر روايات النساء البحث عن الهوية الشخصية بشكل عام. وفي هذه الرواية تم اكتشاف مهارة أميرة الفنية في الرواية عن نفسها بعد أن تغلبت على حزن كسر دميتها وأظهرت شعورها من خلال رسم صورة لها. وتوقفت عن رسم الصورة بعد الزواج ولكنها بدأت عندما لم تجد الرضا في حياتها الزوجية.12 حيث أدركت أن الحزن والاستياء لا يمكن زوالهما إلا بكونها أماً فلذلك بدأت بالرغبة والشوق لطفل يمكن أن يجعل حياتها سعيدة من خلال جعلها تضحك بوجهه المبتسم ونبرة صوته اللطيفة. ولعل هذا الشوق دفعها إلى درجة اعتبار الأمومة هي البركة الوحيدة للزواج. 13

 

الهوامش:

1 Vioces Revealed, Bouthaina Shaaban, Lynne Rienner Publishers, London, 2009, P 22

2  Feminists, Islam, and Nation, Margot Badran, Princeton University Press, 1994, P 289

3  Arab Women  Novelists, Joseph T. Zeidan, State University of New York Press, 1995, P93

&    https://gate.ahram.org.eg/News/2722225.aspx,

4  Feminists, Islam, and Nation, Margot Badran, Princeton University Press, 1994, P 186

5  Britannica.com/EBchecked/topic/516537/Aminah-al-Said , &

6  http://www.arabwomenwriters.com/index.php?option=com_content&view=article&id=128&Itemid=126

7  Intersections, Gender, Nation, and Community in Arab Women’s Novels, Edited by Lisa Suhair Majaj, Paula W. Sunderman, and     Therese Saliba, Syracuse University Press, 2002, P 56-57

8  Arab Women  Novelists, Joseph T. Zeidan, State Univ. of New York Press, 1995, P 94

9   الجامحة, أمينه السعيد, 1950, ص 21

10  Ibid, P 151

11  Arab Women  Novelists, Joseph T. Zeidan, State Univ. of New York Press, 1995, P 95

12 Voices Revealed (Arab Women Novelists 1898-2000), Bouthaina Shaaban, Lynne Rienner Publishers, London, 2009, P 62

13 Arab Women  Novelists, Joseph T. Zeidan, State Univ. of New York Press, 1995, P 96

المصادر:

  • مجلة الراوي، أهم 25 امرأة مصرية أثرن في تاريخ مصر
  • شبكة بوابة الأهرام (https://gate.ahram.org.eg/News/2722225.aspx)
  • مسيرة المرأة المصرية :علامات ومواقف تأليف هدى الصدة و عماد أبو غازي، المراجعة و التقديم جابر عصفور.
  • ثلاث نساء من مصر /رجاء النقاش (كتاب)