Main Menu

أدب الأطفال في اللغة العربية: دراسة تاريخية

د. اعجاز أحمد

محاضر ضيف ، قسم اللغة العربية و آدابها

جامعة لكناؤ – لكناؤ  الهند

أدب الأطفال  فن مهم يلعب دورا هاما في تشكيل كيفية تفكير الطفل و خياله وعقيدته. و أدب الأطفال هوأحد الأنواع الأدبية المتجددة في الآداب الإنسانية،  فالطفولة هى المرحلة الأولى من مراحل العمر للإنسان، تبدأ من الولادة و تنتهي إلى البلوغ، كما يقول الله عزوجل: ” و إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستاذنوا كما استأذن الذين من قبلهم”. [1]

والطفل هو الولد حتى البلوغ ويستوى فيه الذكر و الأنثى ، والجمع: أطفال و الطفل : الصغير من كل شيء.[2]

و مرحلة الطفولة من أهم مراحل الحياة عند الإنسان، و أكثرها خطورة، فهي تتميز عن غيرها بصفات و خصائص و استعدادات، وهي أساس لمراحل الحياة التالية، وفيها جذور لمنابت التفتح الإنساني ففيها تتفتق مواهب الإنسان، و تبرز مؤهلاته و تنمو مداركه و تظهر مشاعره و تتبين إحساساته و تقوى استعداداته  و تتجاوب قابلياته مع الحياة سلبا أو إيجابيا، و تتخذ ميوله و اتجاهاته نحو الخير أو الشر، وفيها تأخذ شخصيته بالبناء والتكوين لتصبح – فيما بعد – متميزة عن غيرها من الشخصيات الأخرى.[3]

والطفولة أرض صالحة للاستنبات، فكل ما يغرس فيها من مكارم الأخلاق و محاسن الصفات وكل ما يبذر فيها من بذور الشر و الفساد أو الغي والضلال يؤتي أكله في مستقبل حياة الطفل، لذلك فهو يكتسب من بيئته العادات السارة و الضارة، و ياخذ السبل المستقيمة أو المنحرفة ، و هذا مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  بأن أبويه يهوَدانه أو ينصَرانه أو يمجسانه.[4]

و يشكل الأدب مكانة مهمة في حياتنا لما له من أثر عميق في النفس بفنونه المتنوعة و أساليبه الرائعة، وأدب الأطفال عندنا جزء حيوي  من أدبنا العربي إلا أنه  يهتم بشريحة معينة من المجتمع ألا وهم الأطفال، إذ يأتي هذا النوع من الأدب بأسلوب بسيط و مشوق، ويحمل مضمونا معينا  سواء صيغ بأسلوب المقالة أو بأسلوب القصة أو الأنشودة أو الحكاية.

وأدب الأطفال حديث جدا من حيث تاريخ الأدب ولم ينشأ إلا منذ قرنين من الزمن تقريبا ولا يعني ذلك أنه كان منعدما، لكن الكتابة الأدبية المتخصصة بالأطفال حديثة جدا، و بدلا منها وجدت الحكايات المنقولة شفاهة عبر الأجيال و على لسان الأجداد و الجدات.

تعريف أدب الأطفال:

أدب الأطفال بمعناه العام: وهو يعني الإنتاج العقلي المدوَن في كتب موجهة لهؤلاء الأطفال في شتى فروع المعرفة، مثل: كتب الأطفال العلمية المبسطة، و المصورة، وكتبهم الإعلامية، و دوائر المعارف الموجهة إلى الأطفال.

أدب الأطفال بمعناه الخاص: و هو يعني الكلام الجيد الذي يحدث في نفوس هؤلاء الأطفال متعة فنية سواء كان شعرا أو نثرا، وسواء كان شفويا بالكلام، أم تحريريا بالكتابة، مثل قصص الأطفال و مسرحياتهم وأناشيدهم وأغانيهم و ما إلى ذلك.[5]

اللغة والأسلوب في أدب الأطفال:

إن غالبية الأدباء الذين تطرّقوا لقضية اللغة والأسلوب في أدب الأطفال، يجمعون على ضرورة مراعاة لغة الطفل و قاموسه حسب مراحل العمر والنمو، مع محاولة الارتقاء التدريجي لهذه اللغة، وهذا بدوره ينعكس في الأمور التالية:

على صعيد الألفاظ والتراكيب اللغوية: استخدام الألفاظ والتراكيب السهلة، وتجنب الغريبة غير المألوفة منها، والإقلال من المفردات والتراكيب المجازية إلا ما جاء منها عفو الخاطر، واللجوء إلى تكرار في الألفاظ والتعابير.

على صعيد الجملة: استخدام الجمل القصيرة أو المتوسطة، وتجنب الجمل الطويلة المعقدة، واستخدام الجمل والألفاظ الدالة على المعاني الحسية و تجنب المجرد المعنوي.

و على صعيد الأساليب: تحرّي الوضوح والجمال والدقة وتجنب الإسراف في الزركشة والزخرف والمتكلف، وتجنب أسلوب التلميح والمجازات الغامضة الصعبة والاقتراب من خصائص ” لغة الكلام” والاستفادة من أسلوب الراوي في الحكايات الشعبية الشفهية.[6]

أهمية أدب الأطفال:

إن الأدب يهذب وجدان الأطفال لما يثير فيهم من العواطف الإنسانية  النبيلة، ومن خلال مواقف شخصيات القصة أو المسرحية التي يقرأها الطفل أو يسمعها أو يراها ممثلة فيندمج مع شخصياتها و يتفاعل معها، وبالإضافة إلى ذلك فالأدب يعود الأطفال على حسن الإصغاء، ويعودهم الجرأة في القول، ويهذب أذواقهم الأدبية، كما أنه يمتعهم و يجدد نشاطهم ويتيح لهم فرصا لاكتشاف الموهوبين منهم، ويعزز غرس الروح العلمية وحب الاكتشاف وكذلك الروح الوطنية، كما أنه يوجّه الأطفال إلى نوع معين من التعليم الذي تحتاجه الأمة في تخطيطها كالتعليم الزراعي والصناعي بإظهار مزايا هذا النوع من خلال سلوك محبب لأصحاب هذه المهن، ويثري الأدب لغة الأطفال من خلال ما يزودهم به من ألفاظ وكلمات جديدة، كما أنه ينمّي قدراتهم التعبيرية و يعوّدهم الطلاقة في الحديث والكلام لما يزودهم به من الخبرات المتنوعة. وهو يساعد على تحسين أداء الأطفال ويزودهم بقدر كبير من المعلومات التاريخية والجغرافية والدينية والحقائق العلمية.[7]

أهداف أدب الأطفال:

في الإسلام كل عمل ابن آدم مرهون بالغاية، ومرتبط بالباعث والنية التي تكمن ورائه فترسم أهدافه وغاياته، ولأدب الطفل أهدافه وغاياته، لأنه أدب إلى فئة محدودة ولغايات واضحة.

وغاية أدب الأطفال عند الحديدي: ” ليست هي إذكاء الخيال عند الصغار فقط، ولكنها تتعداه إلى تزويدهم بالمعلومات العلمية، والنظم السياسية والتقاليد الاجتماعية والعواطف الدينية والوطنية، وإلى توسيع قاموس اللغة عندهم، ومدهم بعادة التفكير المنظم، ووصلهم بركب الثقافة والحضارة من حولهم ومهمته تقوية إيمان الطفل والوطن والخير والعدالة و الإنسانية”.[8]

وفي هذه السطور جملة من الأهداف العامة والخاصة ولكن بعضها متداخل مع بعض، وقد تتعارض أحيانا، فضلا عن التعميم وعدم التحديد.

يمكن تحد هذه الأهداف بالأطر التالية:

  • الأهداف الاعتقادية
  • الأهداف التربوية
  • الأهداف التعليمية
  • الأهداف الجمالية
  • الأهداف الترويحية
  • الأهداف النمائية

مصادر أدب الأطفال:

تتعدد مصادر أدب الأطفال التي يفيد منها الكتاّب، كما تتباين سبل الاستفادة، وفي مقدمة هذه المصادر:

القرآن الكريم:  أهم مصدر أصيل لأدب و ثقافة الطفل، يمثل جذرا لا غنى عنه لكل مراحل الطفولة، ولمعظم كتاب الطفل، غنيّ بموضوعه وجماليات عرضه، والقيم و المبادئ المجسدة فيه، من شجاعة وصبر وحكمة وتسامح ودفاع عن الحق واحترام للمبدأ، قيم العدل والخير، والتراحم والعطف والحب بين الصغار والكبار، وحفظ الدماء والأرواح والنفوس، والسلام والجمال كلها – وكثير وغيرها – قيم ومبادئ أخلاقية تربوية، يذخر بها القرآن الكريم، ولابد أن يتشربها في سني عمره المبكرة، حتى ينشأ عليها، يستطيع كاتب قصة الطفل استلهامها من مادتها الأصلية وإعادة عرضها، بما يملك من وسائل وأدوات العرض الغني الجيد، ليشبع بها حاجات أجيال قادمة من الأطفال، وإلى الأبد.

فقصص القرآن الكريم – على سبيل المثال – كثيرة متنوعة مشوقة ثرية الموضوعات متنوعة أساليب العرض و طرائقه، فمنها قصص حول الأنبياء والرسل، وقصص تتعلق ببعض الصحابة والصحابيات والنساء، وأخرى حول بعض الحيوانات  والطيور، وللطفل حول عدد من المواد القصصية في القرآن، وقصص أخرى حول أحداث الزمن القديم، وأحداث إسلامية وغزوات، وأخرى حول رجال و أقوام باد عهدهم بسبب من أفعالهم فضلا عن صور العاصين في جهنم، وصور المؤمنين في الجنة، وصور الإحسان والتسامح والعدل، وجزاء المؤمنين العاملين بها في طاعة الله، وصور العصاة والسارقين والرافضين لأوامر الله وجزائهم بما يدعم قيمة الجزاء العادل والتمسك المعتدل القويم بأسس عبادة الله.

وكلها – وغيرها كثير – مواد أصلية يمكن أن تجسد في عروض قصصية ذات مستويات فنية مناسبة ناضجة مع حسن التوظيف للمضامين والأفكار، فتغذى عقل و وجدان ونفسية الطفل، وتشبع اهتماماته، وتثبت في وجدان العميق قيما تبقى معه طوال حياته.

وكلها عناصر يستثمرها الكاتب الجيد في أشكال فنية لأدب الطفل عامة والقصة منه بخاصة، فضلا عن استثمار الجانب الخيالى لينمي خيال الطفل، ويعينه على التصور واستحضار الصورة والتفكير السليم في مشكلاته اليومية، من خلال مادة القصص القرآني.[9]

الحديث النبوي والسيرة النبوية وسير الصحابة:

وما يندرج في إطارها من تاريخ الإسلام والغزوات والهجرات والبطولات الإسلامية والخلفاء الراشدين وسيرهم وأقوالهم وخطبهم وغيرها فهى جميعا تتضمن من الأحداث والبطولات وصور الشخصيات نماذج تجتذب الطفل وتشبع اهتماماته وتلبيّ شوقه ورغبته للمغامرة والبطولة، كما تقدم له نماذج مادية ومعنوية من شخصيات وأفعال وقيم ومبادئ تملأ نفسية الطفل وتشبع حاجاتها، فتغرس فيها بسهولة ويسر، وتحصنه من الاضطراب، وشرود النفس والوجدان والعقل، حيث تبنى فيه أسس الشخصية السوية المعتدلة التى تأخذ من كل ثقافة بطرف، دون أن تهتز مجموعة قيمه الأصلية المعتدلة.

فالأحاديث النبوية الشريفة مصدر ثريّ بالحكمة والموعظة والأحكام وصور السلوك القويم المعتدل، يمكن استلهام هذه الأحاديث وتوظيفها في بنيات قصصية مناسبة للطفل، في مراحله المختلفة مع تجسيد الشخصيات والأحداث والتوظيف المناسب لبلاغة لغة الأحاديث في صور موجزة قصصية كاشفة، يتوافر لها البناء الفني والعرض السليم.[10]

المصادر التراثية:

وهي كل ما وصلنا من التراث مكتوبا باللغة العربية، غيرالقرآن الكريم، والحديث الشريف، والسيرة النبوية وسير الصحابة وأخبارهم، ومنها العربي الأصل، ومنها المنقول أو المترجم إلى الأدب العربي، من آداب أخرى، كالهندية والفارسية مثل كليلة و دمنة، وقصص ألف ليلة وليلة.

الترجمة:

الترجمة مصدر مهم من مصادر أدب الطفل، سواء ترجمت للكبار ثم قدمت للأطفال، أو ترجمت للأطفال مباشرة من لغاتها الأصلية، وقد التفت  الكتاب المهتمون بأدب الطفل إلى القصص العالمية، فاقتبسوا منها، ونقلوا روائعها بصورة موجزة مبسطة  ليتاح للأطفال الانفتاح على الأدب العالمي وهم في هذه المرحلة المبكرة من أعمار سعيا إلى تكوينهم ثقافيا وأدبيا.

وربما كانت ترجمة رفاعة الطهطاوى  لمغامرات تليماك أولى محاولات الترجمة للأطفال من الفرنسية، تليها ترجمة محمد عثمان جلال عن لافونتين  (العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ ) رغم أنه قصد بها الكبار، ثم محاولة إبراهيم العرب ( آداب العرب ) التي كتبها على نهج خرافات لافونتين، خصيصا للأطفال.

أعقب هذا محاولات عديدة، أهمها محاولة أحمد شوقي التي تدل على وعي وبصر بأهمية أدب الأطفال في إضاءة حياتهم، وتبصيرهم بمجتمعهم وتقديم خبرات تعينهم على السلوك في حياة يسودها الإقلاع والاستعمار حيث كتب أشعارا قصصية على ألسنة الحيوان والطيور، متأثرا بما ثقّف وعرف في أوربا عامة، وبالأديب الفرنسي لافونتين بدرجة كبيرة، وتقديم الآداب العالمية للطفل عن  طريق الاقتباس أو التبسيط أو التلخيص أو الترجمة – شبه المباشرة – من شأنه أن يثري أدب الأطفال في العالم العربي، ويربط بين الأجيال الماضية والقادمة ثقافة وفكرا في دول ذات معارف وعلوم وتقدم حضاري، كما يثري تجربة كاتب الأطفال ويعمقها، في تجارب مماثلة من تأليفه.

وقد ترجم كامل الكيلاني رحلات جلفر لجوناثان سويفت في أربعة أجزاء يشغل كل جزء منها رحلة من رحلات جلفر الأربع كما كتب الكيلاني كثيرا من القصص العالمي للأطفال، كثيرا من المترجمات للأطفال.[11]

نشأة أدب الأطفال:

كان المحور الذي يرتكز عليه أدب الأطفال قديما هو الأساطير التى بنيت عليها القصص التى كانت تروى شفويا وبعد ذلك تقدمت القصص لتصبح لها تأثير على الجماعة مثل الولاء للقبيلة والحفاظ على التقاليد وكان الهدف هو غرس السلوك في نفوس الأطفال.

أما أول القصص المكتوبة التى عرفتها البشرية فهي القصص المكتوبة على الورق البردي. وبقيت القصص عبارة عن حكايات وأساطير إلى جاء الإسلام حيث ظهرت القصص الدينية المتمثلة بأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وأخبار المسلمين والغزوات والانتصارات، وقصص الأنبياء وقصص الأمم والشعوب التى وردت في القرآن الكريم كما أدت الفتوحات الإسلامية إلى دخول قصص كثيرة من الشعوب والأمم غير العربية مثل الفارسية والرومانية واليونانية والهندية والأسبانية، وكان معظمها أساطير وخرافات وقصص حيوانات، ثم بدأت الترجمة فترجم كتاب كليلة ودمنة وكتاب ألف ليلة وليلة مع إضافات جديدة تابعة من الخيال العربي، مثل قصة حي بن يقظان وقصة سيف بن ذي يزن وقصة عنترة بن شداد. وعندما بدأ العرب يكتبون قصصهم وأخبارهم في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي دونوا وكتبوا كل شئ مما جعلها من أغنى مصادر أدب الأطفال العربي.

ظهور أدب الأطفال بشكل مصطلح:  

بدأ أدب الأطفال في العصر الحديث في فرنسا وذلك في القرن السابع عشر، وكان الكاتب لا يكتب اسمه خشية الحط من قدره أمام الناس، إلى أن جاء الشاعر الفرنسي تشارلزبيرو وكتب قصصا للأطفال بعنوان حكايات أمي الأوزة وكتب له إسما مستعارا. لكنه لاحظ الإقبال الشديد على قصصه فألف مجموعة أخرى بعنوان أقاصيص وحكايات الماضى وكتب اسمه واضحا. وبعد تشارلز بيرو جاءت محاولات كتابية للأطفال من سيدة فرنسية اسمها لبرتس ومن قصصها مخزن الأطفال وظهرت كتابة أدب الأطفال بشكل جديد في فرنسا في القرن الثامن عشر وذلك بظهور جان جاك روسو. وكتابه ” إميل” الذي اهتم بدراسة الطفل كإنسان قائم بذاته وشخصيته المستقلة، وبعد ذلك تمت ترجمت قصص ألف ليلة وليلة إلى اللغة الفرنسية، وبعد ذلك أيضا صدرت أول صحيفة للأطفال في العالم بإسم صديق الأطفال.[12]

أدب الأطفال في مصر:

بدأ ظهور أدب الأطفال حديثا في البلاد العربية في زمن محمد علي باشا في مصر عن طريق الترجمة، وكان أول من ترجم كتابا للأطفال عن الإنجليزية هو رفاعة الطهطاوي وكان مسؤولا عن التعليم. ثم أخذ بترجمة قصص وحكايات كثيرة عن الغربية فترجم قصصا ترعى حكايات الأطفال ثم أدخل قراءات القصص في المناهج المدرسية.

ولكن الخطوة الكبيرة في كتابة أدب الأطفال في العالم العربي الحديث كانت على يد الشاعر المبدع أحمد شوقي لأنه كان أول من ألف أدبا للأطفال باللغة العربية، واستفاد فيما كتبه للأطفال من قراءاته في الفرنسية ولاسيما حكايات لافونتين الشهيرة.

ولقد كتب أكثر من خمسين قصة شعرية للأطفال، ونظم أكثر من عشرة أناشيد أو أغنيات، اتسمت كلها بسهولة الأسلوب وتسلسل الأحداث ووضوح الهدف التربوي إلى جانب التسلية والترفيه.[13]

ثم جاء كامل الكيلاني الذي يعده أكثر الباحثين الأب الشرعي لأدب الأطفال في اللغة العربية وزعيم مدرسة الكاتبين للناشئة في البلاد العربية كلها.

واهتم الكيلاني بتحبيب اللغة العربية للأطفال، وكان يتدرج في الكتابة حسب سنوات العمر، ويحاول إيقاظ مواهبهم واستعداداتهم ويقوي ميولهم وطموحهم وينتهي بهم إلى حب القراءة والمثابرة عليها. وترك سلاسل كثيرة فظهرت ( مكتبة الطفل) بأكثر من مائتي قصة، وأخذ من التراث العربي والإسلامي، ومن الثقافات الأخرى الغربية والشرقية، وكتب في السيرة النبوية ” مجموعة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.

يقول عنه عبد التواب يوسف و هو كاتب مشهور من كتاب أدب الطفل: ” وأشهد أنه رائد ورائع بكل المقاييس. وأنه صاحب منهج فيما قدم، ولم يعتمد على أدب الغرب فحسب، بل إن أعماله العربية تشهد له بالوعي، كما كان له فضل السبق في تقديم أعمال أفريقية وهندية لأطفالنا جنبا إلى جنب جاليفر وروبنسون كروزو”.[14]

ثم ظهر عدد من الأدباء والشعراء منهم: محمد الهراوي، عثمان جلال، حامد القصبي، محمود أبو الوفاء، عبد الرحيم الساعاتي، عبد الحميد جودة السحار، عطية الإبراشي، سيد قطب، محمد أحمد برانق، عبد اللطيف عاشور، محمد سليم، عطية زهري، أحمد مختارالبزرة، إبراهيم عزور، وصفي آل وصفي، أحمد نجيب، أحمد بهجب، نبيلة راشد، جمال أبو رية، إبراهيم شعراوي و نادر أبو الفتوح وغيرهم.

في الجزائر:

اهتمت الجزائر بأدب الأطفال منذ الثلاثينيات من القرن العشرين على جميع الأصعدة والمستويات وتأثر هذا الأدب بالثقافتين الغربية والعربية المشرقية على حد سواء. وقد قدمت الجزائر في أدب الأطفال انتاجات إبداعية كثيرة.

وقد ظهرت كوكبة من الشعراء الجزائريين الذين كتبوا للأطفال من بين هؤلاء نستحضر: محمد الأخضر السانحي، محمد عبد القادرالسانحي، محمد ناصر، يحي مسعودي، بوزيد حرز الله، جمال الطاهري، محمد العيد آل خليفة، محمد الهادي السنوسي الزاهري، ومفدى زكريا صاحب النشيد الوطني الجزائري ” قسما بالنازلات”.

قسما  بالنازلات  الماحقات              و الدماء  الزاكيات  الطاهرات

والبنود اللامعات الخافقات               في الجبال الشامخات الشاهقات

ولقد أوردنا هذا النشيد الوطني باعتباره من أحسن الأناشيد الوطنية في العالم العربي لحنا وإيقاعا وتقطيعا وتعبيرا وتصويرا وتنعيما.[15]

عرف أدب الأطفال الجزائري في مجال قصة و رواية وحكاية ومن هؤلاء الكتاب: رابح خدوسي، جميلة زنيبر، خلاص جيلاني، محمد الصالح حرز الله، عبد العزير، عبد الحميد سقاي و عبد الوهاب حقى وغيرهم.

في الكويت:

تعتبر الكويت من الدول الخليجية السابقة إلى خدمة الأطفال قصصا وشعرا وصحافة، والدليل على ذلك كثرة الصحف والجرائد والمجلات التي كانت تصدر على نشر الثقافة العربية القومية والكويتية. بل يمكن القول إن مسرح الطفل بالكويت قد شهد انتعاشا كبيرا وازدهارا منقطع النظير لم تشهده الدول الخليجية الأخرى. فقد انطلق في سنة 1978م مع أول عمل مسرحى وهو السندباد البحرى تحت إشراف مؤسسة البدر للإنتاج الفني ( عواطف بدر) و إخراج منصور المنصور.

ولم يقتصر أدب الأطفال بالكويت على الشعر والمسرح والقصة فحسب، بل نلاحظ اهتماما كبيرا من قبل الدولة والمبدعين الخواص بمجلات طفولية أخرى كإنشاء معارض الفن التشكيلي ، وتلحين الأغاني وتأليف الأناشيد وتركيب الأوبرتيات المشهدية والدرامية، ووضع البرامج الإذاعية والتلفزية الطفلية، ونشر كتب المعارف الأدبية والفنية والعلمية والتقنية والتربوية والنقدية التي تخدم الطفل الكويتي بصفة خاصة والطفل العربي بصفة عامة.

وظهرت بالكويت مجموعة من الأعمال القصصية والروايات والحكايت الشعبية الموجهة إلى الأطفال والفتيان على حد سواء. ومن أهم الأدباء والشعراء: مثل أحمد بن خالد المشاري، مساعد الرفاعي، عبدالله سنان، خالد الفرج، فهد العسكر، بزة الباطني وأمل عبد الجبار الرندي وغيرهم.

وصدرت بالكويت مجموعة من الصحف من جرائد ومجلات متخصصة للأطفال. ومن أهم المجلات المعروفة في البلد نذكر: “مجلة سعد”  وهي أولى مجلة كويتية للأطفال. وبعد ذلك صدرت مجلة ” براعم  الإيمان ” عام 1975م عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.  ومجلة ” افتح يا سمسم ” عام 1980م، و مجلة ” العربي الصغير” عام 1986م على غرار مجلة ” العربي العلمي” و تشرف عليها وزارة الإعلام الكويتية.

وظهرت بالكويت بعد ذلك مجلات أخرى كمجلة ” ماما ياسمين” عام 1986م، و مجلة ” أزهار” عام 1988م ، و مجلة ” دانة” عام 1989م، و ” مجلة كويتنا” عام 1991م، و مجلة ” جندي المستقبل” عام 1991م، و مجلة” الأصدقاء” عام 1994م، و مجلة ” أوقات” عام 1994م،  و مجلة ” القاصر” 1998م. و مجلة ” شاهين”  عام 1998م، و ” مجلة الشرطي الصغير ” التابعة لوزارة الداخلية.

في البحرين:

تعد البحرين من أهم الدول الخليجية التى أعطت أهمية كبرى لأدب الأطفال منذ فترة مبكرة في مجال المسرح والقصص والشعر والأناشيد والصحافة وتأليف كتب المعارف والفنون والموسوعات.

ومن أهم كتاب الأطفال في دولة البحرين لابد من ذكر: عبد القادرعقيل، خلف أحمد خلف، إبراهيم بشمي، علي الشرقاوي، إبراهيم سند، يوسف عبد الغفار، مصطفى السيد، سعيد محمد،  حمدة خمسين و فريدة خنجي و أخرين.

في المملكة العربية السعودية:

إن الكتابة في مجال الطفل جاءت متأخرة في السعودية وصدرت بعض المجلات الخاصة بالطفولة مثل مجلة حسن التى أصدرتها دار عكاظ و مجلة الجيل الجديد و مجلة الشبل و مجلة باسم و مجلة ماجد و مجلة براعم الإيمان و مجلة حمد و سحر و ظهر عدد من الكتاب مثل عزيز ضياء، علوي الصافي و يعقوب إسحاق وغبرهم.

في قطر:

من الطبيعي أن يكون لقطر باعتبارها من الدول الخليجية الفنية – على الرغم من قلة سكانها وصغر مساحتها – اهتمام كبير بأدب الأطفال قصصا و شعرا وصحافة ومسرحا.

و أن يكون لها عناية مشهودة لها في مجال تأليف الموسوعات المعجمية وكتب المعارف والفنون والآداب واللغة.

ومن هنا كثير من كتاب قطر و مبدعيها قد كتبوا مجموعة من النصوص القصصية الموجهة إلى الأطفال لتحريك وجدانهم  العاطفي والإنفعالي، و تحفيز مخيلتهم الإبداعية والقرائية. ومن أهم كتاب  القصص في قطر نستحضر: حصة العوضى التى كتبت بوحدها 18 قصة للأطفال، وأتبعتها بثلاث مجموعات قصص للأطفال باللغتين: العربية و الإنجليزية وقد قامت الفنانة أمل العاثم بتصميم الغلاف و وضع الرسوم الداخلية.

هناك مجموعة من دور الطبع والنشر بقطر التي اهتمت بأدب الأطفال طبعا ونشرا وتوزيعا. ومن أهم هذه الدور نذكر: شركة الخليج للنشر والطباعة، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث.

أولت قطر أدب الأطفال أهمية كبرى وعناية خاصة عندما خصصت مجموعة من الجوائز المادية والمعنوية لتكريم خدام أدب الأطفال سواء من داخل دولة قطر أم من خارجها. وهكذا أعلن المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في قطر عن تخصيص جائزة الدولة لأدب الطفل منذ عام 2005م.[16]

في الإمارات العربية المتحدة:

من أهم الدول الخليجية التى اهتمت بأدب الأطفال مسرحا وشعرا وصحافة وقصصا وإعلاما وإذاعة لابد من استحضار دولة الإمارات العربية المتحدة التى أولت طفولتها بالخصوص عناية جلى على المستوى النفسي والإجتماعي والتربوي والثقافي والفني والجمالي والديني والأخلاقي.

واستطاعت في وقت وجيز أن تبذل مجهودات كبرى للرفع من مستوى الطفولة الخليجية بصفة خاصة والطفولة العربية بصفة عامة، ولاسيما بمجلتها الرائدة ” ماجد ” التى أصبحت مجلة ناجحة لها مكانة هامة بين أطفال العالم العربي. بل لها حظوة محمودة بين القراء الكبار والمثقفين  المتعطشين إلى المعارف الموسوعية المتنوعة.

وتهتم الإمارات العربية المتحدة بشعر الأطفال من خلال البرامج الدراسية والمقررات التعليمية التى تركز كثيرا على الأناشيد والقصائد و المقطوعات الشعرية القومية والوطنية والتعليمية والأخلاقية والوصفية والبيئية.

و الإمارات العربية لها اهتمام بقصص الأطفال كما يتجلى ذلك واضحا في كتابات القاصة الإماراتية و تتميز هذه القصص بأبعادها التربوية والتعليمية والأخلاقية وتتسم أيضا بالخاصيته  الحكائية الشعبية والسمات الخرافية والفانطاستيكية.

وصدرت بالإمارات العربية المتحدة مجموعة من الصحف من جرائد ومجلات متخصصة في أدب الأطفال. ومن أهم المجلات المعروفة في البلد نذكر: مجلة ” ماجد” الأسبوعية التي تعرف عليها الطفل الإماراتي عام 1979م، وتصدر كل أربعاء عن شركة أبو ظبي للإعلام ، ويسهر على تحريرها كل من أحمد عمر، وفاطمة سيف و لبيب خير الله.

و توجد صحف أخرى للأطفال بالإمارات العربية المتحدة  تتخذ  اللغة الإنجليزية لسانا لها كمجلة ” يانغ تايمز” و ” مجلة جونيور نيوز”.

وقد سهرت دولة الإمارات العربية المتحدة على تنشيط مجموعة من معارض كتب الأطفال داخل الإمارات وخارجها كما هو شأن مؤسسة محمد بن راشد مكتوم التى أطلقت عام 2009م معرض دبي الدولي لكتب الطفل لتحفيز الطفل الإماراتي على القراءة الذاتية والتعليم الشخصي.

في الهند:

نجد في الهند كتبا للأطفال ألفها مؤلفون في اللغة العربية من حيث محتوياتها النصية من النظم والنثر. اتناول بالذكر أولا من بين هؤلاء المؤلفين أبا الحسن علي الحسني الندوي الذي له إسهام كبير في مجال أدب الأطفال العربي في الهند. إنه ألف كتبا عديدة لتنمية مواهب الأطفال و تقويتها في الأساليب المختلفة للغة العربية، ومن بين هذه الكتب كان ” قصص النبيين” الذي قامت بنشر طبعه الأخير مؤسسة الصحافة والنشر بندوة العلماء الواقعة في لكناؤ – الهند عام 2010م وهذا الكتاب في خمسة أجزاء.

ألف الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي سلسلة أخرى بإسم ” القراءة الراشدة” وقامت بنشر طبعها الأخير مؤسسة الصحافة والنشر بندوة العلماء لكناؤ – الهند عام 2009م وهذا الكتاب في ثلاثة أجزاء.

وألف الأستاذ وحيد الزمان الكيرانوي سلسلة القراءة الواضحة. ونشرتها المكتبة الحسينية بديوبند في يناير 2005م. وهذا الكتاب في ثلاثة أجزاء ذات الحجم  الصغير. استفاد المؤلف من الكتب العربية الصادرة في البلدان العربية كما هو يقول في كلمة المؤلف للجزء الثاني:

” فهذا جزء ثان من القراءة الواضحة أعددته كسابقه على منهج حديث لتعليم اللغة العربية مستعينا بكتب المطالعة الحديثة التي صدرت أخيرا في البلاد العربية”.[17]

اللغة العربية الوظيفية:  أعدها كل من الأستاذ شفيق أحمد خان الندوي والأستاذة فرحانة الصديقي والأستاذ حبيب الله خان، وقام بنشره لأول مرة في أبريل 2002م المجلس القومي لترويج اللغة الأردية نيو دلهي. وطبع الكتاب عدة مرات حتى عام 2010م. وتتكون سلسلة اللغة العربية الوظيفية من ثماني وحداث في  أربع مجلدات وهي تشتمل على 64 درسا مع أدلة خاصة بها في 8 وحدات بصورة مستقلة ومنفصلة باللغتين العربية والأردية.

أساس اللغة العربية لتعليم غير الناطقين بها: ألف هذه المجموعة كل من الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي والأستاذ محسن العثماني الندوي والأستاذ محمد نعمان الندوي  وسيد عبد الماجد الغوري وقامت بنشرها في عام 2007م المكتبة الندوية بدارالعلوم لندوة العلماء لكناؤ – الهند. لم يتم طباعة الجزئين الثاني والثالث بعد.

ويوجد كتاب أخرون في الهند مثل شفيع الدين نير، ومائل خيرآبادى، وإسماعيل ميرتي ممن أسهموا في أدب الأطفال في اللغة الأردية وترجمت من الأردية إلى عدد من اللغات ومنها ” أول قطرة للمطر، براعة الطفل، والخاتم المزيف وهي قصائد شعرية.

الهوامش

[1] القرآن الكريم ، سورة النور، الآية 59

[2]  لسان العرب،  ابن منظور ، ج 8 ، ص 174 ، دار صادر بيروت

[3] أدب الأطفال أهدافه و سماته ، محمد حسن بريغش، ص 12، ط: 2 ، مؤسسة الرسالة بيروت 1996

[4] الطفل المثالي في الإسلام ، أحمد الخطيب، ص 7 ، ط: 1 ، المكتب الإسلامي، بيروت  1980.

[5] تأثير ألف ليلة و ليلة على أدب الأطفال العربي، يحيى رافع، ص 9، دار الهدى، العراق 2001م.

[6] القصة الواقعية للأطفال في أدب سليم خوري، أبو محمود، ص 30 ، دار الهدى، العراق 2001م.

[7] أدب الأطفال دراسة و تطبيق، عبد الفتاح أبو معال، ص 21-22 ، دارالشرق للنشر والتوزيع، عمان الأردن 1988م.

[8] في أدب الأطفال، علي الحديدي، ص 59

 [9] النص الأدبي للأطفال، سعد أبو رضا، ص 42 ، دارالبشير للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 2003م.

[10] المصدر السابق، ص 48

[11] ثقافة الأطفال، هادى نعمان الهيتي، ص 222-226 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، الكويت 1978م.

[12]  في أدب الأطفال أسسه وتطوره وفنونه قضاياه ونماذج منه، محمد صالح الشنتي، ص 31، حيفا دار الهدى للطباعة والنشر 2001م.

[13]  شوقي والطفولة، سعد ظلام، ص 6 ، مجلة كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر ، العدد الرابع 1986م.

[14]  الطفل والشعر ، عبد التواب يوسف، ديوان كامل الكيلاني للأطفال، الهئية المصرية القاهرة 1988م.

[15]  أدب الأطفال في الجزائر ، جميل حمداوي، مجلة ديوان العرب للثقافة والفكر والأدب 2013م.

[16]  أدب الأطفال في قطر، جميل حمداوي، مجلة ديوان العرب للثقافة والفكر والأدب الكترونية.

[17]  القراءة الواضحة، وحيد الزمان الكيرانوي، ص 2، ج 2