د.أصغر محمود الندوي
أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية
جامعة دلهي
أبو الكلام آزاد(1888-1958)ينحدر من سلالة علمية عريقة “كان جده محمد هادي من إحدى الأسر العلمية المعروفة في مدينة دلهي”(1) وكان زعيما هنديا بارزا و أول من تولى وزارة التعليم العالي في الحكومة المركزية وأسس نظاما تعليميا جديدا ببلاده بعد ما قاوم الاحتلال البريطاني للهند ورفض فكرة تقسيمها. و يعد من طليعة عباقرة العلماء وأفذاذ الرجال في عصره. كانت شخصيته شخصية مترامية الأطراف، متعددة الجوانب تجمع بين العلم والأدب، والدين والسياسة، والكتابة والصحافة وما إلى ذلك ويقول الدكتور قيصر رضوان:” لم يشهد آزاد باب كلية أو جامعة كطالب.وفي منزل العائلة في كولكاتا رتب أموره التعليمية في مجال الدراسات الدينية وعندما نِشأ وترعرع جعلته رغبته الشديدة في مطالعة الكتب يعلم نفسه بنفسه ومع مرور الوقت اكتسب شهرة عريضة كباحث إسلامي” (2)
وفي هذه السطورالآتية التي لا تتجاوز عدة صحفات سوف أحاول أن اتناول موضوع” أبو الكلام آزاد في مجال الصحافة و التعليم” مع التركيز على أسلوب كتابته في مجال الصحافة وتفسير ه للقرآن الكريم باللغة الأردية وجهوده المميزة في إنشاء المدارس والمؤسسات واللجان التعليمية والثقافية عبر البلاد.
أسلوبه
وله أسلوب فريد في كتابة النثر.إن صفحات مؤلفاته تسجل شهادة بقوة كتابته ورزانة أسلوبه خاصة مجلدات جريدة “الهلال”الشهيرة حيث يقول عبد القدوس دسنوي:
“وكانت مجلته الشهيرة ” الهلال” بداية جديدة في تاريخ الهند، وكانت تشبه مجلة “الهلال” لجورجي زيدان المصري، و” المنار” لرشيد رضا المصري، و “العروة” لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وكانت كتابات أبي الكلام آزاد في افتتاحيات “الهلال” و”البلاغ” باللغة العربية قطعة رائعة ونموذجا للأسلوب العربي”(3)
و كتابه “تذكرة” هي ترجمة حياته وسيرة ذاته دون أن أكمل لنا،يحمل أسلوبا رائعا وكذلك “خطبات مولانا آزاد” يتجلى فيه أسلوبه الخطابي المجلجل كأنه ينذر جيشا عرمرما أو يلقي خطابه من أعلى جبل ويستخدم ألفاظا رنانة وتراكيب فصيحة وبليغة ولكن كتابه “غبارخاطر” يمثل صفاء أسلوب كتابته أكثر من غيره ويعد الكتاب موادا يفتخر به في تراث النثر الأردي بتعدد مقالاته وروعة أسلوبه وسلامة بيانه.
أما تفسير أبي الكلام آزاد للقرآن الكريم باسم”ترجمان القرآن” في ثلاث مجلدات يحتل مكانة عالية في تراث التفسير القرآني في اللغة الأردية في شبه القارة الهندية وتفسيره خير شاهد على ذوقه المتميز الخاص في تفسير القرآن الكريم وعلومه.ومن مميزات هذا التفسير أن المجلد الأول منه يخص بتفسير سورة الفاتحة و سماه بأم القرآن ولم تناول آزاد فيه بتفسير سورة الفاتحة فحسب، بل تناول عدة مباحث لبلاغة القرآن الكريم ومحتوياتها مثل الإيجاز والإطناب، أو الإجمال و التفصيل. وبدون شك إن المفسر فتح أمامنا آفاقاجديدة واسعة المعاني والمطالب وأورد بذكر حقائق ثابتة للمدح والثناء لرب العالمين في معنى الكلمة. نجد المؤلف خلال تفسيره لمختلف المواضيع من هذا الجزء أنه يحرك قلمه بفصاحة وبلاغة وبروعة في اليبان أكثر مما نجده في غيره من أجزاء تفسيره. و يقع هذا الجزء على ماتين وخمسين صفحة. تناول آزاد سورة الفاتحة بشرح تفصيلي وتفسير قيم لما فيها من بيان الصفات الإلهية التي وردت فيهاوالتي هي تشمل ربوبيته ورحمته وملكوته وهدايته للناس إلى الصراط المستقيم. وفي الحقيقة إن تفسيره بسورة الفاتحة تفسير قلما نجد مفسرا اختار هذا الطريق الفريد حيث يزودنا بالفوائد العلمية الكثيرة في أسلوب فصيح ورائع أخاذ حيث يملأ القلوب يقينا صادقا وإيمانا بربوبية الله ووحدانيته. يقول الدكتور أبو سليمان :
“الغاية من تأليفه أن يظهر لفهم المعانى القرآنية والتدبر فيها كتاب يخلو من الإطناب الزائد الذي نجده في عامة كتب التفسير، ولكن يتوافر فيه كل ما يحتاج إليه القارئ لفهم القرآن فهما صحيحا كاملا. فكانت المحاولة الأولى أن يقدم ترجمة للقرآن الكريم باللغة الأردية، الترجمة التي تشرح القرآن شرحا كاملا حيث لا يبقي إحتياج إلى مزيد من الإيضاح. وبالإضافة إلى الملحوظات التي تقع بين حين وآخر والتي تواصل سيرها مع المفاهيم والمطالب التي تتضمنها السورة.”(4)
لقد خلد أبو الكلام آزاد بريشة قلمه آثارا علمية ومؤلفات ما زالت تحتل مكانة مرموقة في تراث المكتبات العلمية فنرى في جميع ما صنف أو خطب أسلوبا رائعا جذابا وأود أن أذكر هنا أسماء أخرى لبعض آثاره حول مواضيع متنوعة منها: قرآن كا قانون عروج وزوال، هجر ووصال، هماري آزادي،كاروان خيال، نقش آزاد،مكاتيب ابو الكلام آزاد، نگارشات آزاد، قول فيصل وما إلى ذلك.
صحافته:
أنشأ مولانا أبو الكلام مجلات مختلفة باللغة الأردية ثم باللغة العربية.، فأول مجلة أنشأها “نيرنگ عالم” باللغة الأردية عام 1899م بمدينة كولكاتا، ثم أنشأ مجلة “المفتاح” باللغة الأردية بمدينة كولكاتا عام 1901م، ولم تصدر لمدة إلا وأن توقفت، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة ” أحسن الأخبار” في سنة 1902م وتلتهما مجلة “لسان الصدق” فهذه المجلة وإن توقفت بعد ما صدرت من 1903م إلى 1905م، وصدرت لها عشرة أعداد، ولكنها هزت دنيا الصحافة وسُمع صداها في العالم، واعترف الأدباء والصحفيون كما تأثر به الأديب والشاعر ألطاف حسين الحالي والأستاذ شبلي النعماني ومولانا وحيد الدين سليم الجستي، وكانوا في حيرة ودهشة والتحق بمجلة “الندوة ” الصادرة من مدينة لكناؤ، وذلك من أكتوبر 1905م إلى مارس 1906م، وأسس صحيفة “الوكيل” من “امرتسر”في سنة 1906م، ثم انتقل إلى كولكاتا، وأنشأ هناك صحيفة “الهلال” الأسبوعية سنة 1330هـ، عام 1912م، وبعد سنتين توقفت في نوفمبر عام1914م بسبب مؤامرة الإنجليز بعد ما صدرت عشرون عددا، ثم قام بإنشاء صحيفة “البلاغ” سنة 1915م،”وقد أسست مطبعة جديدة لطبع الهلال، وصدر العدد الأول منها في شهر يونيو 1912م (5)و توقفت هذه المجلة أيضا في مارس عام 1916م، ولما أصدرت حكومة بنجال أمرا لإجلائه فأدخل في السجن في “رانتشي” ومكث هناك أربع سنوات، وبعد ما أطلق سراحه أنشأ مجلة أسبوعية “بيغام” (الرسالة) وفوض رئاسة تحريرها إلى مولانا عبد الرزاق المليح آبادي، وكان يتمنى أن يصدر مرة أخرى صحيفة “الهلال” فأصدرها في شهر 10 جون 1927م،ولكنها لم تطل مدتها إلا وأن توقفت بعد بضعة شهورفي شهر ديسمبر 1927م.(6) وهذه المجلات كلها كانت باللغة الأردية.
ثم أصدر مجلتين باللغة العربية هما: “الجامعة ” التي صدرت في كولكاتا في سنة 1923م، ومجلة ” ثقافة الهند” الصادرة في نيو دلهي منذ عام 1950م قاصدا توطيد الصلات وتوثيق العلاقات بين الهند وبلاد الحجاز. قال مولانا آزاد: ” وأرى أن المجلس (مجلس الهند للروابط الثقافية) ينبغي له أن ينشئ لنفسه دارا للكتب، ويفتح قاعة للمطالعة ويستعد لإصدار مجلات ونشر مطبوعات مؤقتة أخرى.(7)
إنشاء المدارس والمؤسسات التعليمة عبر البلاد
خلال أيام اعتقاله في مدينة رانتشي (1916- 1919) أسس مدرسة إسلامية قصد منها نشر العلوم الإسلامية وفي عام 1920 أسس مدرسة أخرى عقب حركة الخلافة ” (8)
وعندما نالت الهند الاستقلال عام 1947م اختير وزيرا المعارف وقاد هذه الوزارة لمدة عشرة أعوام بطريقة حسنة ناجحة حيث أصبح مؤسسا للتعليم الجديد للهند المستقلة.و قام بإنشاء عدة مؤسسات ولجان تعليمية ممتازة و أعرب آزاد عن أمله في أن تجعل الحكومة الهندية الوطنية الجديدة التعليم كأولى أولويات مهامها فقال في مؤتمر صحفي : يجب ان يحتل التعليم أولوية قصوى في ميزانيتنا القومية وينبغي ان يأتي على الفور بعد الغذا والكساء” (9)
بدأ آزاد يتحديد مجالات التعليم التي اقتضت الاهتمام الفوري بها على سبيل المثال : كان قلقا إزاء تعليم الاطفال ، بالاضافة الى تعليم البالغين في وقت واحد ولمواجهة هذه التحديات حض آزاد جميع الرجال والنساء المثقفين في الهند على ان يتطوعوا للتدريس وقال” أذا تقدم منا رجل وامرأة من المثقفين الى الأمام كل عام،فيمكن ان يكون لدينا في خمس سنوات الحد الأدنى اللازم من عدد المعلمين المؤهلين بحسب خطتنا” (10)
كما قامت وزارته بتحديد الأولويات كما يأتي:
(1) توفير التعليم الاساسي للجميع ،مجانا وألزاميا للاطفال
(2) توفير التعليم للكبار وبغية محو الأمية بين جماهيرنا
(3) تحسين نطاق التعليم التقني وتوسعة لحل مشكلة الأيدي العاملة الخاصة بالتنمية الصناعية والتقنية
(4) إعادة تنظيم التعليم الجامعي وتحسينه من الوجهة الاوطنية.
تم تشكيل لجنة التعليم الجامعي في العام 1948م من قبل وزارة التربية والتعليم للتركيز على الشعب الثلاث ( العلوم الطبيعية و العلوم الاجتماعية والعلوم الانسانية )
أنشأت لجنة المنح الجامعية (UGC) عام 1953م وبالتالي سمي بقانون لجنة المنح الجامعية سنة 1956م وكانت الفكرة وراء ذلك السماح للحكومة المركزية باستحداث هيئة يكون من صلاحيتها الاهتمام بغرض التمويل وتنسيق الوسائل في المواد الدراسية الخاصة والتواصل بين الجامعات ومختبرات البحوث الوطنية والدراسات العلمية وما ألى ذلك .
تم تشكيل لجنة التعليم الثانوي في العام 1952م لتعزير التعليم الثانوي
وقد أنشأ آزاد معهد التكنولوجيا الهندي خاراغبور (بنغال الغربية) لتطوير التعليم التقني ” لم يكن آزاد من الذين أسسوا هذا المعهد فحسب، بل انه واصل وحتى أواخر أيامه بالاهتمام بشؤون المعهد بكل ود وحنان” (11)
ومن المؤسسات التي تم استخدامها في اشراف مولانا آزاد:
(1) الأكادمية الأدبية ” ساهتيا أكادمي ” سنة 1952م فقال عن فكرته وراء ذلك : ستقوم بتنسيق الانشطة الادبية بين جميع كتاب ومبتدعي اللغات الهندية .
(2) “الأكادمية الوطنية للفنون” سميت بـــــــ ” لاليت كالا أكادمي ” عام 1953م
(3) “سانغيت ناتاك أكادمي” (أكادمية الموسيقى والرقص والمسرحية)
(4) “المجلس الهندي للعلاقات الثقافية ” عام 27 نوفمبر 1949م وتم نشر مجلة “ثقافة الهند ” تحت إشراف هذا المجلس.
هذه المؤسسات الثقافية السالفة الذكر أنشئت من أجل تقريب الثقافات المتنوعة بعضها ببعض في الهند بغيد توطيد معنى والوحدة عن طريق التبادل الثقافي والحضاري والأدبي .
الهوامش:
[1] انظر : التذكرة صـ 25
[2] أبو الكلام آزاد وتشكل الامة الهندية في مناهضة الاستعمار والسياسات الطائفية، د. رضوان قيصر، صــــ 268
[3] عبد القدوس دسنوي : أبو الكلام آزاد. ساهتية أكادمي. نئي دلهي
[4] شاهجهانفوري، الدكتور أبو سلمان، انتخاب ، من “الرسالة” الأسبوعية، طبع بكراتشي باكستان
[5] مجلة ثقافة الهند. المجلد الأول. العدد الأول. ص: 6-7
[6] أبو الكلام آزاد، غبار خاطر. دوسري مرتبه. لاهور.1962.ص:265
[7] مليح آبادي : ذكر ى آزاد. الطبعة الأولى . كلكته. 1960. ص: 297- 298
[8] أبو الكلام آزاد وتشكل الامة الهندية في مناهضة الاستعمار والسياسات الطائفية، د. رضوان قيصر، صــــ 280
[9] المصدر السابق صــــــ 270.
[10] خطاب مولانا آزاد لمؤتمر التعليم لعموم الهند في دلهي 16 يناير 1948 نقلا عن الكتاب السابق.
[11] خطاب مولانا آزاد في المجلس الاستشاري المركزي للتعليم 8 يناير 1950 قسم المطبوعات ، نيو دلهي 1989 صـــــ 126 نقلا عن المصدر السابق.