Main Menu

شعر وأناشيد الطفل (دراسة فنية)

د. اعجاز احمد

محاضر ضيف بقسم اللغة العربية وآدابها

جامعة لكناؤ – لكناؤ  الهند

يؤثر الأدب في نفوس الصغار مثلما يؤثر في نفوس الكبار مع اختلاف في طبيعة ودرجة هذا التأثير، لأن الأدب في مجمله غذاء للوجدان والعقل، وهذا الغذاء لا يختلف في أصل مادته بالنسبة للصغار والكبار، ولكن طريقة عرض هذا الغذاء وأسلوبه وكميته لابد أنها تختلف عن غذاء الكبار حتى يستطيع الأطفال التمثيل والفهم، وليس من شك أننا واجبون أن العقل العربي كان على وعى – من نوع خاص – بالفروق الدقيقة بين الشعر الموجة للكبار، وأغاني المهد أو أناشيد ترقيص الطفل إذ أحسن العربي بفطرته وفوق خصائص مراحل النمو والإدراك، وكذلك مثيرات الإحساس عند هؤلاء الصغار، فصاع لهم أناشيد أو مقطوعات شعرية لهم.

وكتب اللغة والأدب والأخبار وغيرها غاصة بأناشيد ترقيص الطفل والأمهودات الشعرية المصاحبة لفترة المهد، والطفل في هذه المرحلة المبكرة من مراحل طفولته يعيش في بيئة محددة محسوسة، وهذه الأمهودات أو أناشيد الترقيص تخاطب طفل المهد في لغة سهلة وكلمات موزونة فترقيص الصبيان ( بالغناء والكلام الموزون من طبائع الإنسان وكان من الخصال الحميدة التي تقصدها العرب لتربية الطفل وتهذيبه: ترقيص الطفل بالمقاطع الشعرية، وكان للعرب نصيب موفور من هذه المقطوعات الشعرية اشتهرت في أخبارهم وأثرت عنهم في مجالسهم و منتدياتهم ومنازلهم، وكانوا يبغون به غرس جميل الخصال وحميد الفعال في ذهنه قبل أن يشتد عودة ويكبر وقد تمكنت منه الأخلاق ونقشت في مخيلته الصفات وانطبعت في قلبها القدوة.

بلغت عناية العرب القدماء بأناشيد الأطفال أن توفر على جمعها في كتاب بعنوان الترقيص او المرقصات والمطربات ( أبو عبد الله محمد بن المعلى الأزدى، وقد أشار لذلك الحموى في خزانة الأدب والسيوطى في المزهر وكارل بروكلمان في الجزء الثاني من تاريخ الأدب العربي، وتتناثر أغاني المهد وأشعار الترقيص في كتب الأغاني للاصفهاني، وثمار القلوب للثعالبي، ومحاضرات الأدباء للراغب، والمعارف لابن قتيبة، والعقد الفريد لابن عبد ربه وغيرها من كتب اللغة والأدب والأخبار في العصر الحديث قام أحمد عيسى ومحمد الهراوى وأحمد شوقي وكامل الكيلاني وغيرهم بنشر نماذج من أغاني ترقيص الأطفال نقلا عن المصادر الحديث التراثية التي أشرنا إليها. [1]

 

شعر الطفل:

الشعر هو واحد من الأشكال أو الأنواع الأدبية التي يتعامل من خلاله الأدباء مع الأطفال، وتحوي كلمة شعر في معناها جوهر هذا الفن الجميل ففيها إحساس وفطنة وفيها شعور ووجدان.

ويعرف الشعر لغويا بأنه قول موزون مقفى قصدا، يتألف من صور تخيلية، والشعر المنثور قول يجرى على منهج الشعر دون الوزن.

وإذا كان النثر تفكيرا، فإن الشعر انفعال وهو يثير فينا بفضل خصائص صياغته إحساسات جمالية من لون فريد.

ليس المهم أن نقدم للأطفال شعرا، ولكن المهم أن نجعلهم يحسون به، ويتذوقونه ،ويعيشون تجربته، و يحبونه، ويشعرون حين يقرءونه ويسمعونه أنهم يقرؤن أو يسمعون شعرا، فالشعر ليس هو الورد ومنظرها، ولكنه شعور برائحة الورد، وليس هو البحر وضخامته، ولكنه الإحساس بصوت البحر وليس هو القمر وجمال شكله ولكنه روعة الجمال الذى ينشره على المخلوقات في الأرض.

وشعر الأطفال لون من ألوان الأدب، بيد أنه صيغة أدبية متميزة، يجد الأطفال أنفسهم من خلاله يحلقون في الخيال، متجاوزين الزمان والمكان عبر الماضى وعبر المستقبل، ليست هناك قيود على موضوعاته وأفكاره ومعانيه وخيالاته، بيد أن طريقة المعالجة والقدرة الفنية تقتضى كلمات مألوفة وخبرات محدودة لا تنطوي على تقرير معلومات وحقائق، لأن شعر الأطفال يتمثل في إضفاء لمسات فنية على جوانب الحياة لتمس لوحات فنية زاخرة، وعلى مفاتن الحياة والطبيعة لتجد فيها قلوب الأطفال الغضة متعة غامرة إذا ما رسمت في إطار فني جميل، يسهل عليها تصورها، لكي يتذوق الطفل الشعر لابد أن يحى جو الخبرات الخيالية التي يوصى بها، لابد من انتقال الطفل إلى الحالة المزاجية التي كانت مسيطرة على حواس الشاعر وقت ولادة القصيدة. [2]

وفي الشعر موسيقى، وفيه تنغيم وإيقاع، والأطفال يميلون إلى التنغيم والإيقاع والكلام الموسيقي المقفى منذ نعومة أظافرهم.

والأطفال ميالون إلى الإيقاع، فالطفل منذ أيامه الأولى يكف عن البكاء ويهدأ، وقد يستسلم للنوم العميق حين تأخذ الأم بالرتب على صدره برقة، ويظل الطفل يأنس إلى الإيقاعات خلال سنوات نموه، ولايجد الطفل الإيقاع في الشعر وحده، بل يجده في الأغنية والأنشودة وفي الموسيقى وإن ما يميز الإيقاع في الشعر هو التركيز، والشعر انفعال، وهو يثير فينا بفضل خصائص صياغته إحساسات جمالية من لون فريد.

وشعر الأطفال إضافة إلى أنه يلبي جانبا من حاجاتهم الجسمية والعاطفية، فهو باعتبار فنا من فنون أدب الأطفال يسهم في نموهم العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي.

خصائص شعر الطفل:

للشعر مقاييس خاصة، وخصائص تميزه عن النثر، وهي:

موسيقى الشعر: يستمد الشعر من أوزانه وقوافيه إيقاعات موسيقية جميلة، قد تكون واضحة رنانة في الشعر التقليدي الذي يلتزم وحدة البيت، وقد تكون هادئة ناعمة في الشعر الجديد الذي يجعل من التفاعلية لبنته الأولى دون التزام بوحدة البيت.

أسلوب التعبير الشعري: الذي يتخذ من التعبير عن طريق الصورة أسلوبه المفضل، وإذا كان النثر يتخذ من اللفظة أداة التعبير، فإن الصورة ذاتها هي الأداة التعبيرية في الشعر.

المضمون الشعري: فمجرد النظم وحده لا يكفي، لأن الشعر يخاطب الوجدان البشري، ويحرك كوامنه بفضل مضمونه الشعري، وإذا تناول الشاعر قضايا منطقية أو علمية أو اجتماعية فإنه يلونها بألوان عاطفية ويربطها بالوجدان الإنساني لكي يهز هذا الوجدان ويستحق أن يسمى شعرا.[3]

ويختلف شعر الطفل عن شعر الكبار في عدة أمور، منها بساطة الفكرة التي يدور حولها شعر الأطفال، وأن تكون هذه الفكرة ذات مغزى أو هدف تربوي، وأن تكون المعاني التي يشتمل عليها معاني حسية يستطيع الطفل إدراكها، لا أن تكون مجردة يستعصى فهمها على الطفل، كما ينبغى أن تكون لغته بسيطة أيضا خالية من المفردات الصعبة التي يحتاج الطفل لفهمها إلى سؤال الأخرين، واستشارة المعاجم، معنى ذلك أن تكون الكلمات المستعملة من قاموس الطفل، وأن تكون متجانسة مع الأفكار التي تحملها، كان يكون اللفظ رقيقا في المواقف الرقيقة، قويا في الموقف القوية، مثيرا للعواطف في المواقف العاطفية، وهكذا…، من أجل هذا يلجأ بعض شعراء الأطفال إل حكاية الأطفال. ( كان ترد أصوات حيوانات أو طيور في القصيدة )، وإلى سرعة الحركة والإيقاع الذين يوحيان بمعاني جديدة.

أقسام الشعر:

 

انقسم الشعر منذ عهد اليونان القدماء أربعة أقسام، وهم على النحو التالي:

الشعر الملحمي: الذى يحكي قصص الملاحم، والملحمة قصة شعرية قومية بطولية خارقة للمألوف، يختلط فيها الخيال بالحقيقة، والتاريخ بالأساطير وهذا النوع لم يكن معروفا في الشعر الأدبي.

الشعر الغنائي: وشعرنا العربي كله منذ نشأته كان شعرا غنائيا، بدأ بالأغاني، وتحول إلى القصائد التي تعددت أغراضه غزل، هجاء، مديح، وصف، حماسة.

الشعر الدرامي: أي الشعر المسرحي الذي كانت تحدد وظائفه في تصوير شخصيات المسرحية وتحديد أبعادها.

الشعر التعليمي: وليس المقصود به تقرير حقائق أو حكم في أبيات، وإلا أصبح مجرد نظم لا حياة فيه، وإنما المقصود به تصوير هذه الحقائق وتحويلها إلى لوحات نابضة بالحياة.

والشعر الغنائي هو أكثر هذه الأنواع احتفاظا بمكانته عبر القرون حتى عصرنا الحاضر، بعد أن أنقضى عصر شعر الملاحم بانتهاء عهد الإعجاب بالبطولات الجسدية، والإيمان بالخوارق البدنية، وبعد أن توارى الشعر الدرامي ليفسح الطريق للنثر كلغة الحوار الأولى في المسرحية. [4]

 

أهداف شعر الطفل:

يصبح تأثير الشعر أكبر وأعظم إذا وجه للأطفال ضمن إطار أهداف شعر الطفل وهي عديدة منها:

  • تحقيق المتعة وإثارة البهجة في نفس الطفل.
  • إثراء خيال الطفل وتنمية قدراته على الابتكار.
  • تنمية الثروة اللغوية للطفل، وتنمية قدراته على النقد والتقديم.
  • تنمية الذوق والحس الفني والأدبي للأطفال.
  • يثقف الشعر عقول الأطفال ويهذب نفوسهم ويرقي خيالهم ويحببهم في الأدب العربي.

كما يشارك الشعر الذي يقرءه الأطفال في تنشئتهم وتربيتهم تربية متكاملة، فهو يزودهم بالحقائق والمفاهيم والمعلومات في مختلف المجالات، وهو يمدهم بالألفاظ والتراكيب التي تنمي ثروتهم اللغوية، وتساعدهم على استخدام اللغة استخداما سليما، كما أن الشعر الذي يقدم للأطفال ينمي الجوانب الوجدانية، والمشاعر والأحاسيس لديهم، ويشبع حاجاتهم النفسية المتعددة، وينمي مهارات التذوق الأدبي، والأداء اللغوي السليم، وتمثيل المعاني، وإخراج الحروف من مخارجها، والطلاقة اللفظية، والاستماع الجيد إلى كل ما هو جميل في مضمونه لغرس التذوق الأدبي لدى الطفل في هذه المرحلة وسبيل إلى تحبيب الأدب إليه في مراحل التعليم التالية.

وشعر الأطفال إضافة إلى أنه يلبى جانبا من حاجاتهم الجسمية والعاطفية، فهو باعتباره فنا من فنون أدب الأطفال يسهم في نموهم العقلي والأدبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي.[5]

إضافة على أننا إذا تناولنا الشعر في الأطفال سنجد أن أناشيد الأطفال وأغانيهم لون من ألوان الأدب يصور جوانب الحياة، ويعبر عن العواطف الإنسانية النبيلة، ويصف الطبيعة، ويشرح الحياة الاجتماعية، ويرسم الطريق إلى المثل العليا في أسلوب أخاذ، يصل في تأثيره إلى أعماق النفوس، فيوحى إليها بعديد من الانفعالات التي تساعد على تكوين اتجاهات واضحة وقيم متعددة.

معايير اختيار الشعر للأطفال:

 إن اختيار الشعر الذي سوف يقدم للأطفال عملية ليست سهلة، ولذا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار اهتماماتهم، واحتياجاتهم، وتجاربهم السابقة مع الشعر، كذلك يجب أن تكون ملائمة لهم من حيث الموضوع، والحالة النفسية والنضج والإدراك.

 

إن تحديد الأسس والمعايير التي يمكن في ضوئها اختيار الشعر الذي يقدم للأطفال أمر أساسي وضروري لتحقيق أهداف أدب الكبار، وهو محاولة للوصول إلى النمو الشامل للطفل وعلى هذا الأساس يحتاج الأمر إلى وضع المعايير والأسس المناسبة لاختيار الشعر للأطفال.

  • استخدام الكلمات التي يتسع لها قاموس الأطفال اللغوي والإدراكي، وأن تكون الكلمات ذات انسجام خاص.
  • أن يتجانس اللفظ مع المعنى، أي أن يكون اللفظ رقيقا في الموقف الرقيق، وأن يكون قويا في المواقف القوية، وأن يتناسب اللفظ مع المعنى، بعيدا عن الحشو الممل، والقصور الذي لا يعني المعنى.
  • أن يتسم شعر الأطفال بالإيقاع والموسيقى اللذين يوحيان بمعان تتجاوز المعنى الذي تدل عليه الألفاظ.
  • أن يحمل أفكارا وقيما تمد الأطفال بالتجارب والخبرات، وتجعلهم أكثر احساسا بالحياة، وأن تكون تلك الأفكار واضحة، يستطيع الطفل أن يدركها.
  • أن يشيع الخيال المنشئ في شعر الأطفال، لأن أبرز ما يميز المعاني في الشعر أنها تنقل الأطفال على آفاق رحيبة.
  • أن تكشف كل مقطوعة شعرية فكرية أو جانبا من جوانب الجمال في الحياة والطبيعة.
  • ألا يتسع شعر الأطفال للعواطف والانفعالات الحادة كالحزن والقلق واليأس والحب وما إلى ذلك.
  • أن تتوفر فيه الجاذبية التي تدعو الأطفال إلى التعاطف مع إيقاعاته و أفكاره ما ينطوي عليه من انفعالات، من خلال الحيوية التي يضيفها الشاعر، والصور الحسية والذهنية التي يرسمها والصيغ الطلبية كالاستفهام والنداء التي يدخلها فتجعل الطفل أكثر إنشدادا.
  • وفيما يلي بعض النماذج من الشعر والأغاني الشعرية التي تعتبر مناسبة لطفل الروضة من حيث الألفة بالكلمات.

يقول الشاعر:

أشرقت شمس الضحى                   في السماء ، في السماء

أشرقت شمس الضحى                   في  السماء  ،  الصافية

وهي تعطى من صحا                    صحة             صحة [6]

 

ويقول شاعر أخر:

 

في الصباح

كوك   كوك    كوك            هذا صوت  الديك

يشد    كل    صباح            حى  على  الفلاح

طلعت  شمس اليوم              فوداعا       للنوم [7]

الهوامش

[1]  أحمد زلط، أدب الطفولة أصوله ومفاهيمه، ص 101 – 102 ، ط 4 ، الشركة العربية للنشر والتوزيع ، القاهرة 1997م

[2]  أحمد نجيب، أدب الأطفال علم وفن، ص 98، دارالفكر العربي ، القاهرة 1991م

[3]  أحمد نجيب، أدب الأطفال علم وفن، ص 98، دار الفكر العربي القاهرة 1991م

[4]  أحمد نجيب، أدب الأطفال علم وفن ، ص 99 ، دار الفكر العربي ، القاهرة 1991م

[5]  معال، عبد الفتاح، أدب الأطفال دراسة وتطبيق، ص 93، دار الشرق للنشر والتوزيع بيروت لبنان 1988م

[6]  محمد الهراوي، أغاني الأطفال ، ص 55 ، ط 1 ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة

[7]  أحمد سويلم ، التربية الحركية والموسيقية ، ط 1، وزارة التربية والتعليم ، القاهرة 1988م