Main Menu

تعليم اللسان العربي بواسطة الحكم النبوية البليغة

   حافظ كليم الله يس

الباحث في القسم العربي في مرحلة الدكتوراة

   بجامعة عالية – بمدينة كولكتا

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..

  كفى بنا شرفا أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم, ولغة الإسلام, وترتبط اللغة العربية في حياة المسلمين جميعًا بأداء الشعائر, فهي لغة تستمد عظمتها من مكانة القرآن والإسلام, والقاعدة الشرعية تقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, ولما كانت قراءة القرآن واجبة والتعرف على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة  وكذا تعليم اللغة العربية بالأساليب الحديثة و الإبتكارات في تدريس اللغة العربية على الأقل مندوب .ولهذا نستطيع أن نقول: إن اللغة العربية باقية ما بقي هذا الدين و باقية ما بقي رجل يقول: لا إله إلا الله. وقد ماتت من اللغات السامية ما عدا العبرية، والسريانية, والعربية  وزاد العربية تأييدا نزول القرآن الكريم بها, وهي أغنى أخواتها الساميات؛ لطول عمرها واتساع رقعتها، ونزول القرآن بها، ولكون لغة أهل الجنة جميعا.

– فكما تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظ كتابه الكريم فقد تعهد بحفظ اللغة, لأن اللغة هي وعاء القرآن التي شملت القرآن والتي وعت أسراره وقواعده وأحكامه.  وحينما نزل القرآن بلغة العرب كانت اللغة العربية في قريش قد وصلت إلى درجة النضج والاكتمال,

ولذلك ليس بعجيب أن يثني رب العزة عز وجل على القرآن الكريم لكونه عربيًا في أكثر من موضع, حيث يقول مثلاً في سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2], و يقول في سورة فصلت أيضًا: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:3],   والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل أيضًا بالنسبة للغة العربية قمة القمم في الأدب بوجه عام وفي البيان والفصاحة و البلاغة بوجه خاص, وكان عليه الصلاة والسلام يقول: “إن من البيان لسحرًا وإن من الشعر لحكمة”

ولكن مع الأسف الشديد دخلت في اللغة العربية بين العرب الخلص في جزيرة العرب الكلمات المعربة والدخيلة و خرجت الفصاحة والبلاغة القرآنية وعمت الكلمات والجمل المعربة وفشت اللغة العامية واستعملت مثل ايش ,ليش , كافتيريا , بنشر ,صالون, الباصات , دينيمو, وغيرها من الألفاظ والأسماء الكثيرة فعلينا محافظة اللغة العربية الفصحى كتابة وخطابة ودراسة وتدريسا مراعين لغة القرآن والحديث ,

أولا-و أن اللغة العربية الفصحى لا تتعلم الا بالقرآن الكريم و الحديث الشريف فلابد للدارس أوالطالب أن يتدبر ويتفكر حين تلاوته الكتاب العربي المبين ودراسته السنة النبوية النيرة لأنهما مصدران من مصادر العلوم والفنون , لاسيما اللغة العربية الصحيحة لاتدرك الا بهما,والقواعد النحوية والبلاغية قد استنبطت بكتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام

ثانيا-أن دراسة الكتاب والسنة و تدريسهما خير وسيلة نافعة لإستخراج القواعد النحوية والبلاغية و أنهما مصدران أصليان فمثلا اذا تلا القاري كتاب الله فليتنبه في اعراب الكلمات القرآنية والسنة النبوية من بين المرفوعات والمنصوبات والمجرورات لأن الأسماء إما مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة ولا غير وكذلك من الأسماء المبنية والمعربة والمركبة و غيرها , كما قيل معرفة صلات الأفعال من أهم العلامات والآيات لمعرفة اللغة العربية وكنها , ولنا أسوة في فضيلة الدكتور ف عبد الرحيم المكرم قد أفادنا بكتبه القيمة من الناحية اللغوية والبلاغية من بين كتبه المسعف و النصوص الأدبية و قصة سلمان الفارسي وغيره , واستشهد للدارسين من الشواهد من القرآن والحديث و المتون العلمية والأدبية و يكفي لنا فخرا الدكتور ف عبد الرحيم المؤقر للأساليب الحديثة و الإبتكارات في تدريس اللغة العربية فعلينا أن نقتدي بهديه و نتبع أساليبه في المدارس و الجامعات في ضوء ما صنف مثل دروس اللغة العربية المطبوعة في مجلدات .

فعلينا أن نتبع سبل العلماء في هذا الفن , فعلى الطالب أن يدرك النكات النحوية و البلاغية والأدبية من الوحيين ” ها أنا أشير الى نبذة مستفادة من النصوص النبوية الحكيمة البليغة ,

  عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه ومعهن أم سليم فقال ويحك يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير قال أبو قلابة فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لو تكلم بعضكم لعبتموها عليه قوله سوقك بالقوارير.(صحيح البخاري  6149)

مايستفاد من الحديث الشريف من الناحية النحوية والبلاغية كما يلي

قوله عليه السلام رويدا 1- منصوب على أنه صفة لمحذوف دل عليه اللفظ أي سق سوقا رويدا أو أحد حدوا رويدا أو على المصدر أي أرود رويدا مثل أرفق رفقا أو على الحال أي سر رويدا

2- أو رويدك منصوب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي الزم رفقك أو على المصدر أي ارود رويدك

3-وقال الراغب رويدا من أرود يرود كأمهل يمهل وزنه ومعناه وهو من الرود بفتح الراء وسكون ثانيه وهو التردد في طلب الشيء

4-وقال الرامهرمزي رويدا تصغير رود وهو مصدر فعل الرائد وهو المبعوث في طلب الشيء ولم يستعمل في معنى المهملة إلا مصغرا قال وذكر صاحب العين أنه إذا أريد به معنى التزويد في الوعيد لم ينون

5- وقال السهيلي قوله رويدا أي ارفق جاء بلفظ التصغير لأن المراد التقليل أي ارفق قليلا وقد يكون من تصغير المرخم

6- وقال القرطبي في المفهم رويدا أي ارفق وسوقك مفعول به ووقع في رواية مسلم سوقا

7- وإما اسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك بالنصب على الوجهين والمراد به حدوك إطلاقا لاسم المسبب على السبب وقال بن مالك رويدك اسم فعل بمعنى أرود أي أمهل والكاف المتصلة به حرف خطاب وفتحة داله بنائية ولك أن تجعل رويدك مصدرا مضافا إلى الكاف ناصبها ورويدا يتعدى إلى مفعول واحد .

قوله والقوارير جمع قارورة 1-وهي الزجاجة سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها وقال الرامهرمزي كنى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة والنساء يشبهن بالقوارير في الرقة واللطافة وضعف البنية

2- وقيل المعنى سقهن كسوقك القوارير لو كانت محمولة على الإبل وقال غيره شبههن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء كالقوارير يسرع إليها الكسر ولا تقبل الجبر

3- قال الخطابي كان أنجشة أسود وكان في سوقه عنف فأمره أن يرفق بالمطايا وقيل كان حسن الصوت بالحداء فكره أن تسمع النساء الحداء فإن حسن الصوت يحرك من النفوس فشبه ضعف عزائمهن وسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الكسر إليها

3-وجزم بن بطال بالأول فقال القوارير كناية عن النساء اللاتي كن على الإبل التي تساق حينئذ فأمر الحادي بالرفق في الحداء  وهذا من الاستعارة البديعة لأن القوارير أسرع شيء تكسيرا فأفادت الكناية من الحض على الرفق بالنساء في السير ما لم تفده الحقيقة لو قال أرفق بالنساء

4- وقال الطيبي هي استعارة لأن المشبه به غير مذكور والقرينة حالية لا مقالية ولفظ الكسر ترشيح لها وقال شبه النساء بالقوارير لضعف عزائمهن والقوارير يسرع إليها الكسر فخشى من سماعهن النشيد الذي يحدو به أن يقع بقلوبهن منه فأمره بالكف فشبه عزائمهن بسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في إسراع الكسر إليها.

3-القواعد النحوية والبلاغية من الأحاديث النبوية التالية

قال الإمام البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير أن عائشة ، رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم قالت عائشة ففهمتها فقلت وعليكم السام واللعنة قالت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، فقلت : يا رسول الله ولم تسمع ما قالوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قلت وعليكم.    ( صحيح البخاري, 6024)

مايستفاد من الحديث الشريف من الناحية النحوية والبلاغية كما يلي

1-قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهبٍ

مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا … لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

المهل والمهل والمهلة تتقارب في أداء معنى الرفق والسكون. ويقال: لا مهل لك، ومالك من مهلٍ. قوله ” مهلاً ” معناه رفقاً ودع العجلة.

2-  ومن الأسماء ما يتعدى بحرف الجر كقولك عليك بالرفق كأنك قلت تخلّق به والأسماء المبنية يمكن ترتيبها على النحو التالي:

1- الضمائر 2- أسماء الإشارة 3- الأسماء الموصولة 4- أسماء الأفعال

5- أسماء الاستفهام 6- أسماء الشرط 7- الأسماء المركبة 8- اسم لا النافية للجنس “في بعض المواضع” 9- المنادى “في بعض المواضع” 10- أسماء متفرقة.

 وقد تميَّز البيان النَّبوي بخصائص عدة أجملها ، منها:

1-الإيجاز والإطناب

الإيجاز: هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ وافية وإلا كان إخلالاً، فلا يعد الكلام صحيحاً مقبولاً([1]).

والإيجاز أن يكون للفظ أقل من المعنى مع الوفاء به، وإلا فهو ممن يفسد الكلام([2]).

 وخطباء عصر ما قبل الإسلام، كانوا يميلون إلى الإيجاز، ولا يميلون إلى الإطالة والإسهاب وكانوا يعدودن الإيجاز هو البلاغة([3]).. والإيجاز ليس يعني به قلة عدد الحروف واللفظ وعليه – فإن العبارة الموجزة التي تعطي معاني أكثر من ألفاظها، تعدّ بلاغة([4]).

وقد مالت الخطابة النبوية إلى الإيجاز، فهو الطابع الغالب عليها ، وذلك لما للرسول ((ﷺ) ) من كمال عقله، وغلبة فكره على لسانه، فقل كلامه وتنزه من الحشو، وبرئ من شوائب الإطالة، بما يجاوز مقدار القصد([5])…

ومما روي عن عمار عمار بن ياسر (t) أنه تكلم يوماً فأوجز فقيل له: لو زدتنا فقال: أمرنا رسول الله  ((ﷺ) ) (بإطالة الصلاة ، وقصر الخطب)([6])، إن مسألة الإيجاز في الخطب النبوية يحددها الظرف والمناسبة، التي تقال فيها.

والإيجاز، وهي سمة ظاهرة في بيان الرَّسول (ﷺ)، والشواهد عليها كثيرة، منها: قوله -(ﷺ)-: “البرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكرِهْتَ أنْ يطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ”  [7].

أما الإطناب:

 لغة مصدر أطنب في كلامه إطنابًا إذا بالغ فيه، وطول ذيوله([8]).

والإطناب، زيادة اللفظ على المعنى لفائدة([9])،  والإطناب، زيادة في اللفظ لإيضاح المعنى وتوكيده في النفس([10]).

ومن دراستنا لأنواع خطب الرسول ((ﷺ) ) وجدنا أن الخطب التي كانت تقال في جموع المسلمين بعيداً عن ساحات القتال، أنماز بعضها بالإطناب إذ إن الوقت يسمح بإنشاء مثل هذه الخطب.

ويبدو لي – أن معظم جوامع كلم النبي ((ﷺ) )  قد انمازت بالإيجاز ومن ذلك خطبته لما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) – (الشعراء:214)

 وحكمته البليغة ((ﷺ) ) في مكة حينما دعا قومه. وخطبته في نكاح سيدنا علي بن أبي طلب (رضي الله عنه) من فاطمة الزهراء البتول (عليها السلام).؟ وخطبته  في (إن لكم معالم…)، وخطبته في الاستسقاء([11]).

ومن الخطب التي انمازت بالإطناب، خطبته  في المدينة قبل معركة بدر([12])، وخطبته في معركة أحد([13])، على الرغم من أن الخطب الجهادية نادراً ما تنماز بالطول، إلا أنها في بعض الحالات تأتي على ذلك،

2-ومن خصائص بيانه -(ﷺ)- جزالته ورقَّته، وهما خصيصتان مرتبطتان بالموضوع والغرض الذي يُساق من أجله الكلام. فمن جزالته، قوله -(ﷺ): “من ظَلَم من الأرضِ شيئًا طُوِّقَهُ من سبعِ أرَضِين” [14]

فهنا تظهر القوَّة والإحكام؛ للتحذير من الظُّلم، وبيان شدَّة ما يُعاقب به الظالم . وأما رقَّته فما أكثر الأحاديث المشتملة عليها، ومنها قوله –(ﷺ)-: “إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِـيءُ اللَّيْلِ حَتَى تَطْلُـعَ الشَّمْسُ مِـنْ مَغْرِبِهَا .[15]

وهنا “شاركت الاستعارة في الحديث في إبراز هذه الرِّقة، فبسط اليد عبارة عن التوسُّع في الجود والمنع عند اقتضاء الحكمة .

3-ومما يتَّسم به البيان النبوي سهولته، وقصده، وبعده عن المبالغة والتكلُّف، أو كما يقول الرافعي: “كأن الجملة تخلق في منطقه -(ﷺ)- خلقًا سويًّا، أو هي تنزع من نفسه انتزاعًا [16] ،

4- ولذا كان بيانه -(ﷺ)- خالٍ من الزَّخارف والصِّناعة الَّلفظيَّة التي يتعمَّدها البلغاء بأنواع من البديع كالسَّجع والطباق وغيرها، إلا ما كان عفو البديهة، من وحي الفطرة دون تكلُّف أو تعمُّل . وهذا شاهدٌ من بديع طباقه في قوله -(ﷺ): ” اللهمَّ اغفر لحيِّـنا وميِّتـنا، وشـاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا” [17].

و ها أنا أذكر بعض الأمثلة من الأحاديث النبوية تظهر فيها الخصائص البلاغية النبوية في جوامع كلمه و حكمه المأثورة المشهورة و الحق أحق أن يقال كل كلمة صدرت من نور الإسلام و مشكوة النبوة واليقين ذات حكمة بليغة نافعة :

1- عن الضحاك عنش الأسود بن يزيد قال قال عبد الله سمعت نبيكم (ﷺ) يقول  : ( من جعل الهوم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هم دنياه . ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك ) [18]

[ ش – ( لم يبال الله في أي أوديته ) ضمير أوديته ل – من والكلام كناية عن كونه تعالى لا يعينه ]

2-  عن أبو هريرة قال سمعت رسول الله (ﷺ) وهو يقول  : ( الدنيا ملعونة . ملعون مافيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما أو متعلما ) [19]

 [ ش – ( الدنيا ملعونة ) المراد بالدينا كل ما يشغل عن الله تعالى ويبعد عنه .]

3-عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ﷺ) : ( يقول الله سبحانه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري . من نازعني واحدا منهما . ألقيته في جهنم ) .[20]

4-عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله (ﷺ)  : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق . ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها )[21]

 [ ش – كقوله (ﷺ) ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم بشه آناء الليل وآناء النهار . ورجل آتاه الله مالا فهثو ينفقه آناء الليل وآناء النهار )[22]

( لاحسد ) قيل أريد بالحسد الغبطة . وهو أن يريد لنفسه مثل ما فيه من غير أن يريد الزوال عنه . والمراد أنه لا ينبغي الغبطة في الأمور الخسيسة . وإنما تنبغي في الأمور الجليلة الرفيعة . وإلا فالحسد غير جائز وهو أن يريد زوال نعمة أخيه . ( هلكته ) الهلكة بمعنى الهلاك .]

5- عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ﷺ)  : ( يا أبا هريرة كن ورعا تكن أعبد الناس . وكن قنعا تكن أشكر الناس . وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا . وأحسن جوار من تكن مسلما . وأقل الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ) [23]

[ ش – ( تكن أعبد الناس ) أي من أعبدهم . ( أشكر الناس ) فإن من أعظم الشكر الرضا بما تيسر . ]

ومما يتمثل به من أقواله التي هي جوامع الكلم القليلة الألفاظ الكثيرة المعنى :  من ذلك ألفاظ له (ﷺ)لم تسبقه العرب إليها كقوله: ” إياكم وخضراء الدّمن ” . ” كل الصيد في جوف الفرا ”  . ” لا تنتطح فيها عنزان ” . هدنةٌ على دخن، وجماعةٌ على أقذاء ” . ” إنّ المنبتَّ لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى ” . يضرب لمن حمّل على دابته فوق طاقتها، فيبقى منقطعاً به. ” نصرت بالرّعب ” . أوتيت جوامع الكلم ” . ” الإيمان قيّد الفتك ” . ” يا خيل الله اركبي ” . ” اشتدي أزمة تنفرجي ” .

 ومن ذلك ما أجراه في عُرض كلماته غير قاصد به ضرب مثل وإرسال فقرة فتمثل الناس به :

كقوله (ﷺ): ” حوالينا ولا علينا ” . ” حولها ندندن ” . ” سلمان منا أهل البيت ” . ” سبقك بها عكاشة ” . ” رفقاً بالقوارير ” قاله لأنجشة، وكان يحدو بالنّساء. ” منىً مُناخ من سبق ” . ” ابدأ بما بدأ الله ” ” اعقل وتوكل ” . ” زر غبّاً تزدد حبّاً ” .

ومن ذلك تشبيهاته وتمثيلاته: كقوله (ﷺ): ” الناس كأسنان المشط ” ” وإنما يتفاضلون بالتقوى ” . ” الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ” . ” الناس كإبلٍ مائة، لا تجد فيها راحلة ” . ” المؤمن هينٌ لينٌ كالجمل الآنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرةٍ استناخ ” . ” المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً ” . ” عِترتي كسفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق ” . ” أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم ” . ” مثل أصحابي كالملح، لا يصلح الطعام إلا به ” . ” أمتي كالمطر، لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره ” . ” مثل أمتي كالقطر، أينما وقع نفع ” . ” إن للقلوب صدأً كصدإ الحديد، وجلاؤها الاستغفار ” . ” عمّالكم كأعمالكم، وكما تكونون يولى عليكم ” . وقال (ﷺ)لما كتب كتاب المهادنة بينه وبين سهيل بن عمرة: ” العقد بيننا كشرج العيبة، إذا انحل بعضه انحلّ جميعه ” . ” لا تجعلوني في أعجاز كتبكم كقدح الراكب ” . ” المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زورٍ ” . ” الدال على الخير كفاعله ” . ” المرأة كالضلع إن قومتها كسرتها، وإن داريتها انتفعت بها ” . ” الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب ” . ” سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخلّ العسل ” . ” من نظر في كتاب أخيه المسلم بغير إذنه، فكأنما ينظر في النار ” . ” العائد في هبته كالراجع في قيئه ” . ” مثل المؤمن كالنحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً ” . ” مثل المؤمن كالسنبلة، تميل أحياناً وتعتدل أحياناً ” . ” مثل الجليس الصالح كالعطار إن لم تصب من عطره أصبت من ريحه، ومثل الجليس السوء كصاحب الكير، إن لم يحرق ثوبك بشرره آذاك بدخانه ” . ” علمٌ لا ينفع ككنزٍ لا ينفق منه “

ومن ذلك حسن إستعاراته :

كقوله (ﷺ): ” المؤمن مرآة أخيه ” . ” جنّة الرجل داره ” . ” من كنوز البرّ كتمان الصدقة والمرض والمصيبة ” . ” نعم الختن القبر ” . ” دفن البنات من المكرمات ” . ” داووا مرضاكم بالصدقة ” . ” قد جدع الحلال أنف الغيرة ” . ” صدقة السر تطفىء غضب الرب ” . ” الودّ والعداوة يتوارثان ” . ” العلماء ورثة الأنبياء ” . ” التوبة تهدم الحوبة ” . ” من هدم بنيان الله فهو ملعون ” ، يعني من قتل نفساً. ” الحمّى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وقطعةٌ من النار ” . ” الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ” . ” تمسّحوا بالأرض، فإنها بكم برّةٌ ” . ” من ضحك ضحكةً فقد مج من العقل مجةً ” . ” اتقوا دعوة المظلوم، فإنها لينة الحجاب ” . ” يهرم كل شيء من ابن آدم، ويشب منه الحرص والأمل ” . ” الخلق عيال الله، فأحبهم إليه أبرّهم بعياله ” . ” ليس لعرقٍ ظالمٍ حقٌّ ” . ” الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ” . ” الشتاء ربيع المؤمن قصر نهاره فصامه، وطال ليله فقامه ” . ” الاستماع إلى الملهوف صدقة ” . ” الحكمة ضالة المؤمن ” . ” ظهر المؤمن مشجبه، وخزانته بطنه، ومطيته رجله، وذخيرته ربه ” . ” اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ” . ” أكثروا ذكر هادم اللذات ” يعني الموت. ” اتّبعوني تكوّنوا بيوتاً، وهاجروا تورثوا أبناءكم مجداً ” . ” رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس ” . ” هل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ” . ” منهومان لا يشبعان، طالب العلم، وطالب المال ” . ” الخمر مفتاح كل شر ” . ” لا داء أدوى من البخل ” ” لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي ” . ” معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين ” . ” اليوم الرّهان، وغداً السباق، والجنة الغاية ” . ” من في الدنيا ضيفٌ، وما يده عاريةٌ، والضيف مرتحلٌ، والعارية مؤداةٌ ” . ” المعاصي حمى الله، ومن رتع حول الحمى أوشك أن يقع فيه ” . ” إياكم والأسواق، فإن الشيطان قد باض فيها وفرّخ ” .

ومن ذلك سائر أمثاله وحكمه ()في فنون مختلفة :

” الأعمال بالنيات، ولكل امرىءٍ ما نوى ” . ” نية المؤمن خيرٌ من عمله ” . ” آفة العلم النسيان ” . ” إن من الشعر لحكمةً، وإن من البيان لسحراً ” . ” من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ” . ” إذا أتاكم كريم قومٍ فأكرموه ” . ” أنزلوا الناس منازلهم ” . ” ما قلّ وكفى خيرٌ مما كثر وألهى ” . ” من ضمن لي ما بين فكيه، ضمنت له الجنة ” . ” اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى ” . ” ما عال من اقتصد ”   ” من مات غريباً مات شهيداً ” . ” المؤمنون عند شروطهم ” . ” مطل الغنيّ ظلمٌ ” . ” يد الله مع الجماعة ” . ” الشيطان مع الواحد، وهو من الإثنين أبعد ” . ” الرّغب شؤمٌ ” . ” لا جباية إلا بحماية ” . ” تهادوا تحابوا ” . ” الهدية مشتركةٌ ” . ” الهديّة تسلّ السخيمة ” . ” القلوب تتشاهد ” . ” خير الصحابة أربعة: الجار، ثم الدار، والرفيق، ثم الطريق ” . ” من غشّنا فليس منّا ” . ” ترك الشر صدقة ” . ” سيد القوم خادمهم ” . ” الحياء شعبةٌ من الإيمان ” . ” لا تطرقوا الطير في أوكارها، فإن الليل أمان ” . ” من بدا جفا ” . ” المجالس بالأمانة ” . ” خير الأمور أوساطها ” . ” الندم توبةٌ ” . ” لا يكون المؤمن طعاناً ولا لعاناً ” . ” الندم توبةٌ ” . ” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ” . ” ما هلك امرؤٌ عرف قدره ” . ” من كثّر سواد قومٍ فهو منهم “[24]

وقبل أن نشرع في الحديث عن جمالية الألفاظ في الحديث النبوي الشريف، نشير إلى أنه،(ﷺ)، كان يمتلك معجما لغويا كبيرا، ساعده على انتقاء الألفاظ المناسبة لأحاديثه. فهو من قريش، ونشأ في بني سعد بن بكر. فجمع بذلك بين فصاحة مكة مهد الصبا، وفصاحة بني سعد البدوية المتينة.

وقد تميزت مفرداته،(ﷺ)، بالفصاحة والجزالة والفخامة، والوضوح في الدلالة والخلوص من كل بشاعة أو عيب. فقد جمع في كلامه بين جزالة البداوة وفصاحتها، ورقة الحضارة وعذوبتها، لذلك جاء كلامه جزلا في رقة، متينا في عذوبة. أما تلك الألفاظ الغريبة التي يوردها أهل الغريب، والتي صح نسبتها إلى النبي الكريم، فكان مردها إلى اختلاف المخاطبين الذين خاطبهم الرسول،(ﷺ)، فقد كان منهم أعراب موغلون في البداوة، وأصحاب منغمسون في رقة الحضارة، فخاطب كل طائفة بما يوافق أحوالهم. يقول محمد الخطابي مبينا سبب ورود الغريب في حديثه،(ﷺ): “إنه(ﷺ)، بعث مبلغا ومعلما، فهو لا يزال في كل مقام يقومه وموطن يشهده يأمر بمعروف وينهى عن منكر، ويشرع في حادثة ويفتي في نازلة، والأسماع إليه مصغية والقلوب لما يرد عليها من قوله واعية… وقد يتكلم،(ﷺ)، في بعض النوازل بحضرته أخلاط من الناس قبائلهم شتى ولغتهم مختلفة، ومراتبهم في الحفظ والإتقان غير متساوية، وليس كلهم يتيسر لضبط اللفظ وحصره، أو يتعمد لحفظه ووعيه، وإنما يستدرك المراد بالفحوى ويتعلق منه بالمعنى ثم يؤديه بلغته، ويعبر عنه بلسان قبيلته[25].”

وإذا انتقلنا الآن للحديث عن جمالية ألفاظ الحديث النبوي الشريف، نقول إنه،(ﷺ)، اتصف ببراعة فائقة في اختيار ألفاظه، ومراعاته الفروق اللغوية الدقيقة بين معاني الكلمات، فيضع كل نوع منها موضعه الأخص الأشكل به الذي إذا أبدل مكانه غيره، جاء منه إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام، وإما ذهاب الرونق الذي يكون معه سقوط البلاغة”[26]

فقد يشترك لفظان في معنى واحد، ولكن أحدهما أدق من الآخر في الدلالة على المعنى، وأقدر على التعبير عنه من اللفظ الآخر؛ لأن لكل لفظة منهما خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها، وإن كانا قد يشتركان في بعضها لأجل بيان ذلك نأتي بنموذج :

يقول الرسول(ﷺ)، في حديث طويل هذا طرف منه  “إن ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير” [27].

     فلفظ (الغيث) في الحديث مختار من بين ألفاظ كثيرة قريبة منها، كلفظ: (الطل والندى والرذاذ والودق والوابل) إلى غير ذلك من أسماء المطر، بحيث يؤدي المعنى المراد على أدق وجه وأوفاه بما لا تؤديه الألفاظ الأخرى. لقد أشرت سابقا إن لكل نوع من المعنى نوع من اللفظ هو به أولى وأنسب، وكان إلى الفهم أقرب، وكان السمع له أدعى والنفس إليه أميل.

فلفظة (الغيث) تفيد المطر الذي يأتي عند الحاجة إليه. ويأتي دائما ملائما نافعا غير مؤذ ولو كثر. فكما أن الغيث يحيي الأرض الميتة فتظهر فيها الأشجار والأزهار، فكذلك علوم الدين تحيي القلب الميت. والرسول،(ﷺ)، إنما استعمل هذه اللفظة ليدل على اضطرار الخلق إليه، وشدة الاحتياج إليه. فالله تعالى قد أرسل رسوله رحمة للعالمين، يقول تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (الاَنبياء: 101)، وليدل كذلك على الخيرية العالية التي يحملها الإسلام المشبه بالغيث.

 يقول القرطبي: ”ضرب النبي،(ﷺ)، لما جاء به من الدين مثلا بالغيث العام الذي يأتي في حال حاجتهم إليه، وكذا كان الناس قبل بعثته،(ﷺ)، فكما أن الغيث يحي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحي القلب الميت” [28].

الرجاء من الإخوة الأفاضل المحاضرين والمعلمين تدريس اللغة العربية للجيل الجديد في ضوء الحكم النبوية البليغة كما قد ذكرت لكم في هذا البحث القيم أمثلة حية و عديدة من النصوص الشريفة حتى تكون خدمتنا خدمة دينيية بلاغية مع فصاحة و بلاغة كما هو المطلوب منا . أسأل الله تعالى أن ينفعنا بهذا المؤتمر المحلي المنعقد في كلية إسلامية في القسم العربي و الأردو بمدينة وانمبادي بولاية تامل نادو –جنوب الهند بتاريخ 23/فبراير 2021من الميلاد . شكرالله سعيكم وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال .

     الهوامش

([1]) ينظر: البلاغة العربية، د.أحمد مطلوب.147.

([2]) ينظر: المصدر نفسه، 147.

([3]) ينظر: البلاغة العربية، د.أحمد مطلوب.147.

([4]) ينظر: أثر القرآن في تطور النقد الربي، د. محمد زغلول سلام، 93، 94.. 

([5])ينظر: الأدب في عصر النبوة والراشدين، 122.

([6])  ينظر: البيان والتبين، الجاحظ، ج2/17.

[7] صحيح مسلم، ح 2553، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البرِّ والإثم، 965.

([8]) ينظر: البلاغة  العربية، د. أحمد مطلوب، 155.

([9]) ينظر: المصدر نفسه، 155.

([10]) ينظر:أثر القرآن في تطور النقد العرببي، 94.

([11]) تنظر: هذه الخطب نهج البلاغة 14/ 80.

([12]) تنظر: الخطبة مغازي الوافدي 1/ 58، 59.

([13]) تنظر: الخطبة المصدر نفسه 1/ 221، 221.

[14] صحيح البخاري، ح2452، كتاب المظالم والغصب، باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض، 321.

[15]صحيح مسلم، ح2759، كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة، 1030.

[16] – الرافعي، مرجع سابق، 339.

[17] – الألباني، صحيح سنن أبي داود، ح3201، كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، (الرياض: مكتبة المعارف، 1419هـ)، 2/ 299، 300.

[18] -سنن ابن ماجة : 4106، قال الشيخ الألباني : حسن

[19] -سنن ابن ماجة 4112: قال الشيخ الألباني : حسن

[20] -سنن ابن ماجة: 4174  قال الشيخ الألباني : صحيح

[21] -سنن ابن ماجة: ، 4208  قال الشيخ الألباني : صحيح

[22] -سنن ابن ماجة : 4209، صححه الألباني

[23] -سنن ابن ماجة : 4217، في الزوائد هذا إسناده حسن . وأبو رجاء اسمه محرز بن عبد الله الجزري

[24] – التمثيل والمحاضرة المؤلف : الثعالبي مصدر الكتاب : موقع الوراق :1/6

[25] – محمد الخطابي، غريب الحديث، نقلا عن كتاب غريب الحديث: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي. مقدمة الكتاب. ص: ب. ج1. لبنان: دار الكتاب العربي، ط1 ( 1384ﻫ/1964م)، ص7.

[26] – محمد الخطابي، بيان إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.تحقيق محمد خلف الله و محمد زغلول سلام. مصر: دار المعارف، ط4، ص29.

[27] – رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب: بيان مثل ما بعث النبي،(ﷺ)، من الهدى والعلم، برقم: 2282. والبخاري في كتاب العلم، باب فضل من علم وعلم، برقم: 79.

[28] -. ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، تحقيق عبد العزيز بن عبد الله بن باز ومحب الدين الخطيب. دار الفكر، 1/176.