Main Menu

الأعياد في البنغال الغربية

 الدكتور ضياء الحق

                                   الاستاذ المساعد في كلية دوخولال نيباران تشاندرا

التابعة لجامعة كلياني

تعتبر ولاية البنغال الغربية من أهم الولايات الهندية ثقافة وحضارة، وهي ملتقى الثقافات واللغات من البنجالية والهندية والأردية وغيرها، ومن المعتقد أنها ولاية يوجد فيها التنوع الأكبر في ممارسة العادات والتقاليد والمراسيم المتواجدة في الديانات المختلفة، ومن أهم الديانات السائدة في الولاية هي الديانة الهندوسية التي تشمل أغلبية مواطن البنجال الغربية، بينما يعتبر عدد المسلمين البنجالين هو أكبر ثاني العدد من مجموع السكان، علاوة على ذلك توجد فيها بعض الديانات الأخرى، ولكن عددها محدود وقليل، وبناء على هذه النسبة السكانية تتركز الثقافات والتقاليد والمراسيم البنجالية على الديانتين الهندويسة والإسلام، ويعتز بها كل المواطن بممارسة تلك الطقوس والمراسيم في شكل الأعياد ويتمتعون باحتفالها ويلعبون دورا مهما في إقامة الطقس المحتفل بالحب والمودة والسلم والانسجام والوئام، عن طريق تبادل احترام مشاعر الناس ومعتقداتهم خلال الاحتفال.

ومن الملاحظ أن الهندوس في البنغال الغربية فهم لايختلفون من الهندوس الآخرين في الهند بالنسبة لهم إلى العبادة للأصنام وإكمال المراسيم والطقوس الدينية، بل هم يهتمون بإكمال جميع الطقوس الهندوسية أكثر بكثير في مختلف الأشهر حسب التقويم الهندوسي، ويهتمون بعناية فائقة بتتزين المسارح بمناسبة الأعياد المختلفة، ويرتدون الملابس الفاخرة الثمينة والمزخرفة حسب كل الأعياد. ويغدقون أموالا طائلة لإرضاء معبوداتهم لكي ينجوا من قهرها الأقسى، ولكي ترضى عن أعمالهم ولا تلحق بهم في المستقبل خسارة فادحة وبلاء عظيم. بينما لا يختلف المسلمون عن المسلمين الآخرين في الهند وفي العالم الإسلامي حيث أنهم  يحتفلون بالأعياد لكسب الثواب والتعبير عن الفرح والسرور وبتبادلهما بين الناس.

الأعياد للهندوس

تحتفل الأعياد الهندوسية في ولاية البنغال الغربية مثل الأعياد الهندوسية السائدة في ولايات الهند الأخرى التي تصل جذورها إلى الأساطير الهندوسية، والتي تنم عن كرامات معبوداتهم وقواتها الخارقة وسيطرتها وسلطاتها على ما يشمل في السماوات والأرض، وما يدور فيها، فهي أعياد دينية أسطورية تقام لجلب السعادة والطمأنينة والفرح والسرور في الحياة اليومية وإنقاذ النفوس من المفاسد والمخاطر من خلال العبادات وممارسة المراسيم الدينية تجاه المعبودات والإلاهات في مختلف الأعياد، ومن أشهر الأعياد البنجالية الهندوسية هي دورغا بوجا، وكالي بوجا، ولاكشمي بوجا، وسارسواتي بوجا، وجارك بوجا، وغانج ساغر ميلا، ومهرجان العام الجديد( باهلا بيشاخي أو ناف وارسا) وغيرها من المهرجانات التي يحتفل بها الهندوس البنجاليون بكل استعدادات كاملة تستغرق حوالي مدة شهر أو شهرين للاحتفال بها وتعلن الحكومة البنجالية العطلة الطويلة لشهر أكتوبر الكامل في كل سنة.

دورغا بوجا

دورغا هي في الميثولوجية النهدوسية امرأة جميلة صفراء اللون، ولها عشرة أذرع تحمل في كل ذراع سلاحا من الأسلحة، وهي معبودة ذات قوات خارقة عظيمة حصلتها من المعبودات الثلاث براهما وفيشنو وشيفا، وهم كلهم من المعبودات من الذكور الذين ساعدوا دورغا كل مساعدة لقتل العدو الشيطان “ماهيشا” الذي تجسد في صورة جاموسة، فهاجمت دورغا على “ماهيشا” وقتلته في جبل فينديا، ومن ثم قمعت عدوها الكبير المرد ونجت أتباعها من شره وتمرده الدائم، ومنذ ذلك الحين أصبحت دورغا ذات قوات عظيمة ومقاتلا كبيرا ومخلصا حقيقيا للهندوس في وقت واحد.[1]

والواقع أن دورغا هي معبودة تنم عن القومية البنجالية الهندوسية، ويكثر ولوع الهندوس البنجاليين واشتياقهم إلى الاحتفال بدورغا بوجا  أكثر بكثير، حيث أنهم ينتظرون شهر آسين أي شهر أكتوبر أشد انتظار، وتزداد نشاطاتهم وحيوياتهم المتنوعة في جميع المجالات العلمية والفنية، لأنهم يعتبرون عبادة دورغا عبادة متميزة جدا في البنغال، إذ يحتفل  مهرجان دورغا من كل عام  بسبب عودتها كعروس شابة إلى بيت والدها. وخلال تلك المناسبة يغدق الهندوس البنجاليون أموالا طائلة بتزيين المسارح والمواكب في مختلف المدن والقرى، كما أنهم يقومون بالمخيمات المتلونة والمزركشة في مختلف الشوارع والطرق التي تكتظ بالمشاركين المتبعين الهندوس ترحيبا بآلهة “دورغا” التي يسمونها تقدسا واحتراما بـ دورغا الأم (ما دورغا). وتمتلأ كل أديرة دورغا بالحشد الكبير من المتبعين من كل فج إلى عشرة أيام متتالية. ومن أهم الأيام المفضلة لدى الهندوس هو اليوم السابع الذي فيه تصل آلهة دورغا مع أطفالها من العالم السماوي إلى عالم الموتى حسب الاعتقادات الهندوسية، فيرحب بها الكهنة والمتبعون بتلاوة “مانترا” وتدوي في الأديرة  نبرات متغمغة من الأوراد والكلمات الساحرة، وتلبس دورغا الملابس الحريرية التي تمتزج بالألوان الصفراء والحمراء المتلألئة، وتعزف الطبول والموسيقى، أما اليوم الثامن فهو يوم تضحية جاموس للتغلب على “ماهيشاسورا”، ولكن هذه الممارسة أصبحت نادرة العمل في البنغال الغربية، أما اليوم التاسع فهو يوم لعبادة دورغا، ويكون الطقس مليئا بالرقص والموسيقى ورنين الطبول وعزفها المدوج، وينشغل الكهنة في تلاوة “مانترا” والكلمات الساحرة، والمتبعون يزورون دورغا ويسجدون، ويقدمون لها الفواكه كالموز وجوزة الهند والتفاح والأناناس والحلويات المتنوعة، وفي اليوم العاشر الذي يكون يوما نهائيا لذهاب إلهة دورغا إلى العالم السماوي، ولذا يودعها على الموكب ويغرقها في النهر المتقارب بالدير، وهذا اليوم يعتبر يوم الفتح والانتصار لدورغا.[2]

“كالي” بوجا

يعتقد الهندوس البنجاليون بأن “كالي” هي إلهة قوية لا حد لها في القوة، ولا يحصى بكم من قوات تمتلكها؟، وهي الإلهة الأنثى العظيمة الشأن التي تسمى بـ”شاكتي” وهي زوجة الإله “شيفا” [3] وهي قبيحة الصورة  المتعطشة للدماء، وفي اللغة السنسكريتية تقال لها “كاليكا” أي إلهة القوة أو الوقت أو الموت ولها سلطة كبيرة في تدمير العالم أو بنائه، كما أنها تمتلك سلطة الموت لأي أحد، ولها جوانب مسالمة وأخرى قاسية، وتطلب ضحية من الحيوان قربانا، وفي بعض الأحيان تطلب قربانا بشريا، وهي تسيطر على زوجها “شيفا” بقوتها الهائلة، لذا يظهر شكلها على موكب الاحتفال، كأنها غاضبة على زوجها وتحمل بيدها السيف لقتله راكبة على صدرها، وبيد أخرى تحمل رأس الشيطان، وأما اليدان الثانيتان فهما للحفاظ  والحماية على متبعيها، وبناء على هذه الميثولوجية الهندوسية يحتفل الهندوس البنجاليون بمهرجان “كالي” في شهر “كارتيك” حسب التقويم البنجالي، ويضحون الكبش غير المخصي، لكي ترضى عنهم الإلهة “كالي”، إذ لم يزل يتجه عدد كبير من الطبقة الدنيا الهندوسية إلى الاحتفال بمهرجان “كالي”  أكثر بكثير، طامعين عن الحصان والصيانة من البلايا والمصائب الطارئة في المستقبل، لأنهم يتخيلون بأنهم يكونون في معظم الأحيان عرضة للخطر والموت، ولذا تتكثفت ثمالة حب “كالي” في زوايا قلوبهم.[4] ومن طقوس “كالي” بوجا السائدة في المجتمع البنجالي الهندوسي، هو إنارة المصابيح المصنوعة بالتراب على الشوارع والبيوت والمكاتب والمراكز والحقول ترحيبا بـ”كالي”،  بسبب الظلام ما ينتشر بعد ظهورها في كل أنحاء العالم، ويكون ذلك الليل ليلا مدهشا ومرعوبا ورهيبا لدي الهندوس، ويمكن لهم أن يصونوا من قهر “كالي” بتقديم القرابين لها وبإضاءة المصباح في كل الأمكنة.[5]

 “لاكشمي” بوجا

لاكشمي هي زوجة فيشنو، وهي تصور غالبا امرأة جميلة ذهبية جالسة أو واقفة على زهرة اللوتس التي هي شعارها وهي إلهة الثروة والحظ، وتعرف أيضا باسم “شري”، وهي إلهة مثالية للجمال الأنثوي، ويعتقد الهندوس أنها تساعد الإنسان على إقامة علاقة الحب والغرام وجلب البركة، حيث أن لاكشمي  تظهر  مع باقة الحب والمودة والبركة على الموكب بكامل نضجها وبهائها، حاملة زهرة لوتس في يدها ويكون لها ذوي الحلم يروها في المنام، ثم يريد كل واحد منهم الزواج بها، ولكنها تفضل أن تختار “فيشنو” وتصبح زوجة له.[6] وكما يعتقد الهندوس بكونها زوجة لفيشنو هي تشارك بحيوية معا في جميع الأعمال والنشاطات الدنيوية. ونظرا لهذه الأساطير الهندوسية، بدأ يعبد الهندوس خاصة أصحاب الأراضي الذين يريدون الفوائد الكثيرة في امتلكاتهم والبركات العظيمة في ثرواتهم ومحاصيلهم وإنتجاتهم، حتى بدأ يعبد البراهمان وغير البراهمان الهندوس البنجاليون عبادة “لاكشمي” في شهر الآسين لإرضائها، إذ أنهم يعتقدون أن دور سلطة “لاكشمي” على الأرض يبدأ من شهر “بهادرا” وينتهي في شهر “جيترا” حسب التقويم البنجالي، ولذا وهم يهتمون كل الاهتمام بتزيين المسرح في دير “لاكشمي” في ليلة شهر “آسين” حينما يطلع البدر على شكله الكامل، فيكون الطقس ملئيا بالعبادات وطقس سمر الوقائع وسرد الأحداث المسماة بـ “كوجانغاري لاكشمي” في كل بيوت الهندوس، وبدأ يعزف المعزفون الطبول في مسرح “لاكشمي” المزركش في كل أديرة، ما يكتظ به الحشد الكبير للرقص والنشيد ترحيبا بإلهة الثروة الكبرى “لاكشمي”، ثم ينتهي الطقس المتلون المرح من المتعات والأفراح في نصف الليل، ويغرق صنم “لاكشمي” في النهر في نهاية آخر الليل بعد بوجا.[7]

“سارسواتي” بوجا

سارسواتي هي إلهة مهذبة ومثقفة في الديانة الهندوسية، وهي إلهة وحيدة تمتلك مختلف العلوم والفنون في العالم، ولها سلطة كاملة على العلم والفن والإيحاء والإلهام، وهي التي أوحت الكهنة بتأليف الكتب المقدسة الهندوسية الفيدا وهي إلهة خلقها إله الأكبر براهما ثم تزوجها.

” وقد تزوج براهما من آلهة شهيرة خلقها من نفسه وأحبها من أعماق قلبه، وهي “سارسواتي” تلك التي اشتهرت بإجادة الغناء والموسيقى والتبحر في العلوم والمعارف، والتي أنشأت الحروف السنسكريتية. ولها هي الأخرى أربعة أيدي، في واحدة منها تحمل إكليلا من الزهور لزوجها، وفي الأخرى تحمل أوراق النخل رمزا للعلوم والمعارف، وفي الثالثة باقة من الزهور وفي الرابعة طبلة صغيرة، وهي تجلس أيضا على زهرة اللوتس، ويقترن اسمها دائما مع الماء، الأمر الذي يوحى بأنها كانت من آلهة الماء”[8]

بناء على هذه الميثولوجية الهندوسية بدأ يحتفل الهندوس بـ “مهرجان سارسواتي” في  المدارس والكليات والجامعات المختلفة في البنغال الغربية، الذي تحضر فيه الطالبات الهندوسية البنجالية ملبوسات بالملابس الفاخرة والشامخة البنجالية “الساري” التي تتميز بها البنات الهندوسية  البنجالية من غيرها، كما أن المتبعين يهتمون بتوفير بعض المأكولات التي تقال لها في اللغة البنجالية “دال خيجوري” أو “بهوك بروساد” والتي تكون مطبوخا بامتزاج العدس والرز والبقل والبطاطا وغيرها من الخضروات المتوافرة، ويأتي الكهان البرهمان يقال له” طاغور” مرتديا القميص ودهوتي، ويستهل جلسة بوجا بقراءة “المانترا”، ثم تقسم المطبوخات والحلويات بين المشاركين في الاحتفال بمهرجان “سارسواتي”، وينتهي هذا الطقس للعبادة وتلاوة المانترا أي كلمات الورد إلى آخر الليل، ثم يغرق صنم “سارسواتي” في النهر وداعا.[9]

“جارك” بوجا

مهرجان جارك أو (غاجن) هو مهرجان عجيب من أعاجيب المهرجانات الهندوسية السائدة في البنغال الغربية، وهو مهرجان الكهان يحتفل في شهر “جيترا” حسب التقويم البنجالي، في حين يلعب الكهان والسنياسون من الطبقة السفلى دورا مهما في إظهار بعض الأعمال العجيبة المدهشة، ويشارك فيه القرويون الفلاحون الهندوس من الطبقات السفلى من آديواسي وباغتي، وكورا، وجوم، وجمار، وبوليا، وجانكور، وكورا وغيرها من الطبقة المنبوذة السائدة في البنغال، ولذا يقال هذا المهرجان مهرجان ريفي” والذي ترجع أصالتها إلى الديانة البوذية القديمة، “وههنا يعيش ملايين الفلاحين الذين يؤمنون بما يمكن أن نسميه بهندوسية الريف، وهي مجموعة من العبادات التي ترتبط إن فعلت على الإطلاق- ارتباطا ضعيفا بالفيدا، والعبادة الشعبية للأفاعي وأرواح الأشجار يشهد عليها الفن البوذي المبكر كما تشهد عليها هندوسية الريف، وأكثر الآلهة أهمية عند الغالبية العظمى من الفلاحين ليس هو فيشنو ولا شيفا بل هي إلهة القرية (Gramadevta) التي غالبا ما تسمى إلهة الأرض والأم، وهي دائما أنثى على نحو دلاتها، كما تشرف على خصوبة الحياة الحيوانية والنباتية”[10] ، ونظرا لهذه الأسطورة  يحتفل الهندوس البنجالييون الفلاحون من كل عام  بمهرجان “جارك” ترحيبا بآلهة قروية تمتلك الماء والكلأ والخصب في الأراضي وتوفر الإنسان الرخاء والانتاج الجيد في الحقول و الذي يستغرق اليومين. أما اليوم الأول فهو ما يستهله السنياس الرقص في الساحة المتسعة يكتظ بها المشاركون عند بزوغ الشمس، ويكون الراقص مسحورا ومفقود العقل والشعور، فهو يترنح بنشوة السحر وتغلب الشيطان عليه، فيتطلب قربان حمامات ويعصر حلقومها واحدة تلو الآخر، فيمتص دماء الحمامات، وينتهي اليوم الأول من خلال تضحية الحمامة والرقص وعزف الطبول.

وفي اليوم الثاني يأتي السنياس الذي يكون جسده مسحورا مكبلا بالأشواك الحديدية، يتحرك كل جسده، ويرتعش بشدة نشوة السحر، و بألم الشائكة المدخولة في ظهره المسحور، وهو يسأل من الناس الروبية والطعام والفاكهة، ثم يستعد للتعليق على الخشبة الكبيرة العريضة التي تدور على محور الخشبة الطويلة المنصوبة على الأرض، فيدار السنياس مع تلك الخشبة عدة مرات، والمشاركون يصطفون حول الخشبة لإعطاء أطفالهم على مهد السنياس واحدا تلو الآخر للحصول على النجاة والشفاء من كل البلايا والمصائب والأمراض اللاحقة بالأطفال، ثم هم يلهثون إلى أكل بقية مايترك السنياس من الموز والفواكه الأخرى تقدسا.

 مهرجان “غانج ساغر”

أن مهرجان غانج ساغر هو مهرجان لتقديس الأجساد وتطهير الأرواح بالماء الجاري في نهر”غانغا”، ما يصل سيلانه إلى منفذ خليج البنغال قرب جزيرة صغيرة المسماة بغانج ساغر بجوار “سوندر فان” على بعد مسافة سبعة أمتار، انطلاقا من كولكاتا صوب الدير، إذ يعتبر مهرجان غانج ساغر مهرجان لتقديس البدن من الآثام والمعاصي بالاغتسال في الهنر، إذ يحتفل به الهندوس بناء على الميثولوجية الهندوسية حيث أن غانج ساغر هو مكان مقدس هندوسي، كان يسكن فيه الكاهن الكبير “كافيل موني” وبني له محلا كبيرا الذي اختفى فيه الإله “اندرا”  أي” فاربتي” بعد أن سرق فرس ملك غانج ساغر، فأرسل الملك أبنائه للبحث عن فرسه، فوجدوه في محل “كافيل موني” وطلبوا منه الفرس، فغضب “كافيل موني” وحرقهم وعذبهم ثم طلب  الناس العفو من الإله إندرا مغتسلين في النهر. وبناء على هذه الاعتقادات عن هذه الأسطورة الهندوسية التقليدية يزور الهندوس معبد “كافيل موني” في جزيرة غانج ساغر، ويعبدون ألهة “فاربتي” التي تظهر في شكل نهر غانج في شهر يناير من كل سنة، ويطهرون أخطائهم وآثامهم بالاغتسال في غانج ساغر، بينما يحتفل مهرجان غانج ساغر في مناطق أخرى في البنغال الغربية بالاغتسال في مختلف الأنهار.[11]

مهرجان “باهلا بوشاخي”

 بمناسبة العام الجديد البنجالي يحتفل البنجاليون بمهرجان “باهلا بوشاخي” الذي ينم عن بداية الشهر الأول حسب التقويم البنجالي، وهذا المهرجان يؤشر على نزوع البنجاليين إلى التشعب والتلون البنجالي الحماسي المنفرد، حيث تستهل النشاطات التجارية بإنعاش وتجديد الحسابات في المتاجر والدكاكين في كل أنحاء البنغال الغربية، ويستعد كل زبائن لدفع بقايا الروبيات إلى صاحبها، وبالإضافة إلى أن تقام الحفلات والندوات في الجامعات والكليات والمدارس، إعرابا عن الآمال والطموحات الصالحة الحافلة بالربح في التجارة والبركة في العلم والفن في العام المقبل، فتطبخ الأطباق اللذيذة  من أنواع السمك واللحم والحلويات، ويشارك فيها الرجال والناس والبنات والبنون، ويرقصون وينشدون أنشودة بنجالية شهيرة “ايشو هے بوشاخ”  كتبها الشاعر البنجالي رابندراناث طاغور متفائلا عن ظهور السنة الجديدة البنجالية، وفي الوقت الذي يقام الطقس للتنافس في السباحة في المناطق الأخرى، فيشارك فيها بعض السباحين الماهرين من الهندوس المسلمين، راكبين على السفن الكبرى والصغرى، لإحراز الجوائز الغالية. [12]

أعياد المسلمين في البنغال الغربية

يحتفل المسلمون مثل المسلمين الآخرين بعيدين مشروعين في شريعتهم الغراء، هما عيد الفطر وعيد الأضحى، وينتظر جميع المسلمين البنجاليين كغيرهم قدوم هذين العيدين الميمونين، طامعين عن الحصول على الثواب، معربين عن الأجور الوافرة، مغتمنين عن الفرص الذهبية للتعبير عن الفرح والسرور بإنفاق أموالهم المحببة الغالية بمناسبة العيدين، كما أن بعض المسلمين البنجاليين يحتفلون بأعياد أخرى للحصول على الأجور حسب اعتقاداتهم وتقاليدهم الدينية، أمثال عيد المولود النبوي، وعيد الغدير، وهذين العيدين قلما يهتم باحتفالهما إلا بعض منهم.

عيد الفطر

عيد الفطر هو عيد يأتي بعد إكمال الأمة الإسلامية صيامها لكي تقطتف ثمرة جهدها المتواصل الذي بذلتها خلال شهر رمضان الكامل، فهو عيد يحتفل في أول شهر الشوال من كل سنة هجرية،  للحصول على والثواب والبركة والفرح والسرور بعد معاناة شديدة عن الجوع والعطش وعن جميع الشهوات الإنسانية الطارئة، وهو عيد مثالي لبناء المجتمع الأنساني الكامل والشامل، حيث أنه يأتي ببعض التمارين النافعة التي تتجدد بها الروابط الإنسانية بين المسلمين، بغض النظر عن المال والعرق والحسب والنسب واللغة والإقليم، ويعتني كل مسلم بمراسيم العيد وطقوسه  الدينية، بما في ذلك إنفاق الأموال الثمينة بالجود والسخى،[13] إذ عادة ما ينحرف بعض البنجاليين عن بعض الأعمال الإسلامية لعدم توافر بعض الوسائل لكسب المعاش وعدم الوعي عن الشريعة الإسلامية وتعليماتها السمحة، إلا أنما تكون مبادراتهم للاحتفال بعيد الفظر حماسية، ويتبادر كل البنجاليين بعد رؤية هلال رمضان إلى تقديم التهاني إلى الأقارب والأصدقاء بالهاتف والبريد الإلكتروني، ويخرج الناس إلى ميدان العيد، قائلين: “عيد مبارك” وتعلو البسمات على كل الشفاه، ويدوج صوت التكبيرات في ساحة عيد الفطر، مرتدين الملابس الشعبية كـ” اللونغي” والقميص والإزار والبنطلون، بينما ترتدي النساء الساري المتلونة والمزخرفة المنقوشة الجميلة، وبعضهن يلقين عليهن الرداء والشال والحجاب، وأما الأطفال فهم يتمتعون بالطقوس الملئية بالدكاكين المصطفة التي تملأ بالمأكولات والمشروبات والحلويات والفواكه المتنوعة الجافة وغير الجافة، ثم يتمعون بعد أداء صلاة بالتنزه واللهو واللعب في الميادين والمنتزهات المختلفة الواقعة قرب القرى والأرياف والمدن.

ولا زالت مظاهر الاحتفال بعيد الفطر لدى المسلمين البنجاليين تأخذ مأخذ العادات المورثة العامة التي تسود في المجتمع الإسلامي كله في كل أنحاء العالم، ومن أشهر تلك المظاهر العامة، هي صناعة الحلويات المختلفة كـ “سوائي” التي تطبخ بامتزاج الحلب وجوزة الهند والعنب الجاف وغيرها من الفواكه الجافة، ويطبخ الحلويات الشعبية كـ “أنداسة” التي تكون شهيرة في القرية لدى مجتمع “سيرشاه باديين”  تقسم الحلويات الشهيرة كـ “راسوغولا” وراسو قدوم” وما إلى ذلك من الحلويات بين الأقرباء والأصدقاء تبادلا بالحب والأنس والمحبة والمودة بينهم.

عيد الأضحى

يحتفل عيد الأضحى في العاشر من شهر ذي الحجة في العالم كله، وهو عيد يأتي في غمرة أداء ركن من أركان الإسلام أي الحج لبيت الله الحرام، ثم يتم تضحية الأضاحي والقرابين للقربى لله تعالى لامتثال أوامر الله وسنة إبراهيم عليه السلام.[14]

أما مراسم عيد الأضحى في ولاية البنغال الغربية فهي لا تختلف من الشعارات الإسلامية السائدة في المجتمع الإسلامي الآخر، فيستعد كل مسلم بنجالي لتضحية الأنعام لشكر الله تعالى على نعمه الواسعة، ويذبح البقر والخصي والإبل والكبش، ويأكل لحومها أو يدخرها إلى أسبوع أو أسبوعين.

والواقع أن عيد الأضحى عيد يجمع الفوائد الكثيرة لجميع طبقة الناس، وهوعيد يرمز إلى بناء المجتمع المتساوي اجتماعيا وخلقيا واقتصاديا، ولايتميز بين الغني والفقير، إذ يشارك كل مسكين وفقير في الاحتفال بعيد الأضحى في المجتمع البنجالي الإسلامي، وتعلو ملامح البهجة والسرور على كل جبهة مسلم في الأرياف والمدن والقرى، لأن معظم المجتمع الإسلامي في البنغال الغربية قد وضع نظاما خاصا، يتضمن صندوق النقد لتقسيم اللحوم والنقود الحاصلة من جلود الأضاحي بين الفقراء والمساكين، وهكذا يكون عيد الأضحى أكثر شمولا للفرح  والسرور وأكثر فعالا في تعاون المحتاجين ومساعدتهعم.

عيد المولود النبوي

يحتفل المسلمون البنجاليون بعيد المولود النبوي في تاريخ الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام،[15] وتنعقد الحفلات الدينية التي يشارك فيها السنيون وغير السنيون أو الآخرون الذين يعتنقون بالمسالك الأخرى، وتقام سلسلة من الحفلات اليلية التي يلقي فيها الخطيب ضوء على موضوعات دينية تنم عن سير الأنبياء الصالحين من آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام، وتنتهي الحفلة بمواعظ نافعة تشمل سيرة النبي المصطفى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم وسنته الغراء.

ومن مراسيم عيد المولود النبوي المتلألئة، هي أن البيوت تكون مزينة صافية ومرفرفة الراية الخضراء على جدرانها، كما أن الشوارع تكون مزينة ومزخرفة بالأزهار الأصيلة والمصنوعة بالأوراق، بالإضافة إلى تطبخ أنواع من الحلويات المتنوعة، وتقسم بين الأصدقاء والأقرباء ويقام الطقس للعبادة والصلاة والورد وتقديم التحيات والصلوات والسلام على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.

عيد الغدير

عيد الغدير هو عيد يحتفل به المسلمون البنجاليون من الشيعة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهم يعتقدون بأن هذا اليوم الذي قد ألقى نبي الله صلى الله عليه وسلم خطابا على مكان خم عند حجة الوداع، وأشار فيه إلى تولية على رضي الله عنه على الخلافة، وبناء على هذه العقيدة يخطب علماء الشيعة البنجاليون خطبة جامحعة مؤثرة دينية في مختلف المساجد ومباني دينية خاصة في مباني قديمة تاريخية تقال لها “أمام بارا” الواقعة إحداها في مديرية “هوغلي” وأخرى في مديرية “مرشدآباد” ويثيرون الناس على التمسك بالقيم الإسلامية والخلق النيرة التي قد سار عليها علي رضي الله، ويؤكدون على أن مولاي علي رضي الله عنه كان مستحقا للخلافة والإمامة، كما يكون الطقس مفعما بالعبادة والطقوس الخاصة بما في ذلك الصوم والصلوة والاغتسال الخاص للحصول على الطهارة البدنية والروحية، وزيارة قبور الأولياء والأئمة، إذ يكون ذلك اليوم يوما خاصا لقبول أعمالهم الكاملة من الله وفق اعتقاداتهم.[16]

خاتمة المطاف

تختلف الأعياد المحتفلة في البنغال الغربية بمظارها الأنيقة المتنوعة مترامية الأهداف، إذ تعتمد أعياد الهندوس البنجاليين على الميثولوجيات والأساطير الهندوسية القديمة التي تهدف إلى جلب اتجاه الهندوس إلى معبوداتهم المقدسة التي تمتلك القوة الهائلة إذ أنهم يحتفلون الأعياد المتنوعة لإرضاء معبوداتهم، ولجلب المنافع في حياتهم مع الاهتمام بالطقوس والعادات والمظاهر الحافلة بالفرح والسرورو والسعادة والمتعة. بينما يحتفل المسلمون البنجاليون بعيدين عيد الفطر وعيد الأضحى المشروعين شكرا على نعم لله تعالى، وتعبيرا عن الفرح والسرور والبهجة بما تحتاج إليه النفوس من الروحانية اللازمة المتحامسة، كما أن عيد المولود النبوي وعيد الغدير الذين يحتفل بهما بعض المسلمين كعيدين للتعبير عن انتمائهم الديني  إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم في تاريخ مولوده، وانتمائهم إلى علي رضي الله عنه لإثبات توليته كخليفة، معربين عن الثواب ومغتنمين عن الفرص بانعقاد الجلسات الدينية التي تلقى فيها الخطب والمواعظ الدينية الحسنة، كما تهتم بإقامة الطقوس للعبادة والصلوة والصيام باهتمام بالغ في بعض مناطق البنغال الغربية، وهذه الأعياد الهندوسية والإسلامية السائدة تشهد دلالة واضحة على الحرية الدينة في عموم الهند عامة وفي البنغال الغربية خاصة التي يحتفل بها كل من الهندوس والمسلمين بكل حرية مع مراعة مشاعر الناس لكي يبقى الانسجام والتأقلم الاجتماعي والثقافي والديني في المجتمع الإنساني.

الهوامش

[1]  – جريدة الاتحاد: النسخة الإلكترونية من صحيفة الاتحاد اليومية المركزية الصادرة من الاتحاد الوطني الكردستاني، المؤرخة في ديسمبر 2005.

[2]–    Kanai Mukherjee, Bibha Mukherjee, Bibhas Bandypodhay, Ratan De, Durga Puja, New Age Purohit Darpan, book 4, Eagle Book Bindery Publishing Company, Kolkat, 2012, p.8-16

[3]  – جفري بارندر، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح ، مراجعة عبد الغبار مكاوي، المعتقدات الدينية لدى الشعوب ، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب ، الكويت، عام 1993، ص، 139.

[4]  – الدكتور محمد اسماعيل الندوي، الهند حضارتها وديانتها القديمة، دار الشعب، مصر،عام 1970، ص، 87.

[5]–  Kanai Mukherjee, Bibha Mukherjee, Bibhas Bandypodhay, Ratan De, Kali Puja, New Age Purohit Darpan, book 6, Eagle Book Bindery Publishing Company, Kolkat, 2012, p.13

[6] –  الدكتور محمد اسماعيل الندوي، الهند حضارتها وديانتها القديمة، دار الشعب، مصر ، ص، 89.

[7]–   Kanai Mukherjee, Bibha Mukherjee, Bibhas Bandypodhay, Ratan De Lashmi Puja, New Age Purohit Darpan, book 5, Eagle Book Bindery Publishing Company, Kolkat, 2012, p.11-108.

[8] – الدكتور محمد اسماعيل الندوي، الهند حضارتها وديانتها القديمة، دار الشعب، مصر،عام 1970، ص، 92.

[9]–  Kanai Mukherjee, Bibha Mukherjee, Bibhas Bandypodhay, Ratan De Saraswati  Puja, New Age Purohit Darpan, book 2, Eagle Book Bindery Publishing Company, Kolkat, 2012.

[10]  – جفري بارندر، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح ، مراجعة عبد الغبار مكاوي، المعتقدات الدينية لدى الشعوب ، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون الآداب ، الكويت، عام 1993، ص، 129.

[11] –  K anai Mukherjee, Bibha Mukherjee, Bibhas Bandypodhay, Ratan De Lashmi Puja, New Age Purohit Darpan, book 5, Eagle Book Bindery Publishing Company, Kolkat, 2012, p.13.

[12] – Bivas,  Annual Mgazine of Bengali Association of Greater Rochest (BARG) Kolkata, 2013, p, 7.

[13]  – مجلة التربية والعلم ، المجلد، 17، العدد (1)، الصادرة من جامعة الموصل ، العراق، 2010، ص 195.

[14] –  نفس المصدر، ص197.

[15]–  Grace De Tassy , Translated and Edited by M. Waseem, Muslim Festivals in India and Other Essay, Oxford University Press, Walton,Street, Oxford ox26dp, New York, p,59.

[16]   – السيد صادق الحسيني الشيرازي، عيد الغدير: الغدير الثاني وأعمال الغدير، المرجع الديني المحقق، دار المؤمل للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، شارع بئر حرة، الطبعة الأولى، 2012.